الأحد، 17 مايو 2020

عن رواية: بنت دجلة / كرار صفاء


بنت دجلة.. الرواية الجميلة الحزينة 

كرار صفاء
"فأشعل سيجارة جديدة من عقب السابقة، كعادته، وقال: اسمعوا، في الأصل، ما هذه الحياة برمتها إلا عَبث في عَبث، وأن الجميع سيموت في النهاية، سواء أكان موته ضربة بسيف أو اختراقاً برصاصة أو في حادث سيارة أو برفسة من حمار أو ضرباً بالأحذية أو ببكتيريا لا تُرى بالعين أو بإهمال الزمن له، والدوس عليه في طريقه، المهم أنَّ النهاية معروفة، وهي الفناء، وكل ما قبلها مجرد أوهام، وعَبث وتمثيل بتمثيل، إلى أن تنتهي مسرحية هذا الكون يوماً ما، دون حتى أي وجود لجمهور يصفق لها."
أكملت قراءة رواية (بنت دجلة) للكاتب العراقي محسن الرملي.. إنها رواية جميلة جداً وحزينة جداً لا يمكنني البوح فيها أكثر، وهي تكملة لجزءها الأول (حدائق الرئيس) التي لا تقل قسوة وحزنا عن (بنت دجلة).. بل هي بداية حزن يمتد من حرب إيران إلى يومنا هذا.
محسن الرملي في روايته (بنت دجلة) أكمل الحزن الذي بدأه في مرحلة (حدائق الرئيس) واتبع منهج الكسر والجبر في الوقت نفسه، فمره يمدح بعض أهل الدين لمواقفهم الجميلة ومرة أخرى يذمهم، مثلما يمدح ويذم الطبقة المثقفة.. أي أنه لا يحب أن يحمل على أي بشر حقداً وغيضا، وللأسف هذا واقع صحيح، فالبعض منا لم يرضَ إلى الآن بتقبله.
ويطرح أيضا دور قسمة، التي تبحث عن بقية جسد والدها الذي لم تعثر سوى على رأسه في صندوق موز، تبحث عن جسد وسط آلاف الأجساد، إلا أن جسد أبيها له ما يميزه، كفقدانه قدمه اليسرى في حرب الكويت.
طرح لنا محسن الرملي عدة نقاط، ومن ضمنها: لماذا يتحمل الشخص الذي يفني حياته في هذا البلد الجوع والحرمان والقلق والاضطهاد الجسدي والنفسي؟ لماذا الشخص الذي بقي في العراق يذل ويعاني بينما من كان مترفاً منذ صغره وفي بلاد الغرب ينعم بالأماكن الجميلة لا يعرف معنى للتعب.. ينعم بخير هذا البلد؟ ويذكرنا هذا مثلاً بأحاديثنا عن قضية ما يسمون بأهل رفحاء.
طرح الرملي أيضا قصص حب عظيمة، قصص تبتدئ بحب فترات المراهقة بين عبد الله وسميحة، أخت طارق، وكيف حرمهما القدر من الزواج، ثم كيف جمعهما هذا القدر نفسه في أواخر العمر أو أواسط أواخره.
انتقد محسن الرملي من كان معارض لبلده العراق ويقاتل مع الغرباء الإيرانيين، وكيف يتعاملون بقسوة مع الأسرى في تلك البلاد التي مازالت تستنزف خيراتنا إلى يومنا هذا بسبب أتباعها ومناصريها الذين يدعون بعراقيتهم فيما ولاؤهم للغير واضح... كما بين لنا ما معنى مرارة الاغتصاب وما يخلفه من أثر بالغ في الطفل خاصة، وذلك من خلال شخصية زكية والدة عبد الله المسكينة، كيف قُتلت من قبل والد مغتصبها بحجة غسل العار.. الذي هو عارهم، مثلما قال الرملي في روايته. تناول الرملي أيضاً بعض العادات الجميلة والأخرى المتخلفة في مجتمعنا العراقي والتي، للأسف، مازال البعض يلتزم بها رغم علمه بفوات زمنها.
هذه بعض الاقتباسات الجميلة التي انتقيتها من الرواية:
*الحدس والحس يتفوق على الكلمات في فهم المقابل أحياناً.
*لا داعي للتعب والألم في الحياة، فيكفي الكائن تعبأ وألماً أنه موجود دون إرادته ودون أن يعرف لماذا، وألم معرفته منذ ولادته بأنه سيموت، وأننا ما ولدنا إلا لنموت.
*نعم يحز في نفسي أن أكثر مصائب الإنسان ومشكلاته ومعاناته يسببها له أخوه الإنسان... لماذا كل هذا؟ فالأرض تتسع للجميع وفيها من المراحيض ما يكفي الجميع أيضاً. وضحِكا: بصحتك يا صديقي.
*نعم لذا فحلم البسطاء والفقراء والمظلومين على مدى التاريخ هو العدالة، ولكن للأسف صرنا نفقد الأمل بتحقيق العدالة، وصار الحلم أن يتم توزيع الظُلم علينا بعدالة.
*إن السلام الذي لا يحتاج إلى فعل شيء، صار أبهظ الأشياء ثمنا.

ليست هناك تعليقات: