الثلاثاء، 31 ديسمبر 2024

عن: تمر الأصابع / تسنيم طه

 

مراجعة

مواضيع معقدة وعميقة في رواية "تمر الأصابع" 

تسنيم طه

في رواية "تمر الأصابع"، الصادرة عن دار المدى، يطرح الكاتب العراقي "محسن الرملي" ضمن سياقات تاريخية وثقافية تتسم بالعنف والخسارة، مواضيع معقدة وعميقة أهمها:

1/ المنفى والهوية:

يُعد التوتر بين الاقتلاع والانتماء أحد المواضيع الرئيسية في العمل. فقد واجهت الشخصيات في الرواية اختيارات مؤلمة بين أرضها الأم وبين الواقع الذي يفرضه المنفى. يُبرز الكاتب آلام الانفصال والشعور بالغربة، حتى عن الذات، في عالم دائم التغير.

2/الحرب وتبعاتها:

تسلط الرواية الضوء على الأثر المدمر للحرب على الأفراد والمجتمعات. ومن خلال تجارب الشخصيات، يستعرض محسن الرملي الدمار الجسدي والنفسي الناجم عن العنف، مع تأكيده على عبثية ولا إنسانية النزاعات المسلحة.

3/ الذاكرة والماضي:

تلعب الذكريات دورًا محوريًا في الرواية، حيث تتشابك السرديات لتُبرز آلام ماضٍ مثقل بالخسارة والندم. وتُصبح الذاكرة جسرًا بين ما كان وما يمكن أن يكون، مذكّرة الشخصيات بجذورها وكفاحها من أجل البقاء.

4/ العلاقات الإنسانية:

يتناول الكاتب تعقيدات الروابط الأسرية والصداقات والعلاقات العاطفية في ظل ظروف يسودها عدم اليقين والهشاشة. وغالبًا ما تتسم هذه العلاقات بالخيانة والوفاء والتضحية؛ مما يعكس تنوع المشاعر الإنسانية.

5/ البحث عن المعنى:

عبر مسارات الشخصيات، تتناول الرواية سؤالاً وجوديًا: كيف يمكن العثور على معنى في عالم مليء بالفوضى؟ وتصارع الشخصيات للتوفيق بين آمالها والواقع الصعب، مما يجسد النضال الإنساني العام من أجل الصمود والأمل.

أبدع محسن الرملي في دمج هذه المواضيع ضمن أسلوب سردي غني يجمع بين التأمل والشعرية والنقد الاجتماعي. ومن خلال تناوله لمعضلات إنسانية في سياق عراقي، رفع الكاتب الحكاية المحلية إلى مستوى تأمل عالمي حول الحالة الإنسانية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*تسنيم طه، كاتبة ومترجمة سودانية تقيم في باريس، من أعمالها: سهام أرتميس، مخاض عسير، صنعاء القاهرة الخرطوم، خلف الجسر، الدعامي التائه...

https://tasnimtahaa.blogspot.com/2024/12/blog-post.html

الأحد، 29 ديسمبر 2024

سفير العراق في مدريد يكرم الرملي بجائزة المغترب

 

سفير جمهورية العراق في مدريد يُكَرِّم

الأديب العراقي السيد محسن الرملي

بجائزة المغترب العربي

 

كَرَّم السيد السفير مع مجلس السفراء العرب ومديرة عام البيت العربي الأديب العراقي السيد محسن الرملي بجائزة المغترب العربي عن قطاع الثقافة والادب. وذلك في حفل تكريم منظم من قبل بعثة جامعة الدول العربية في مدريد أُقيم في مؤسسة البيت العربي، وقد تم تكريم ثلاثة من المغتربين العرب عن مجالات قطاع السياسة والعمل العام وقطاع العلوم والابحاث فضلاً عن قطاع الثقافة والأدب.

ومن الجدير بالذكر أن السيد الرملي هو اديب وكاتب ومترجم عراقي-اسباني من مواليد قضاء الشرقاط في محافظة صلاح الدين، ومقيم في مملكة إسبانيا منذ عام 1995 حاصل على الدكتوراه بامتياز في الفلسفة والآداب من جامعة مدريد، مع درجة الشرف. يكتب باللغتين العربية والإسبانية، وله عشرات المواد المنشورة في الصحافة العربية والإسبانية والأمريكولاتينية. تَرجم العديد من الأعمال الأدبية بين اللغتين العربية والإسبانية، وله ما يزيد على الثلاثين إصداراً تنوعت بين القصة والرواية والشعر والمسرحية.

إن اختيار شخصية عراقية من بين المبدعين العرب في ساحة العمل هو بمثابة فخر لنا جميعاً وإثبات لهويتنا في المحافل الدولية حيث إن العراقيين هم متميزين في كافة المجالات.

https://mofa.gov.iq/madrid/ar/2024/12/23/%d8%b3%d9%81%d9%8a%d8%b1-%d8%ac%d9%85%d9%87%d9%88%d8%b1%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a7%d9%82-%d9%81%d9%8a-%d9%85%d8%af%d8%b1%d9%8a%d8%af-%d9%8a%d9%83%d8%b1%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%af/

دراسة: رؤية الزمان والمكان في روايات الرملي

 دراسة أكاديمية:

الرؤية على مستوى الزمان والمكان في روايات محسن الرملي

أ.د. فاتن عبدالجبار جواد ومحمد عبدالله غثوان

مجلة جامعة تكريت للعلوم الإنسانية/ المجلد 25/العدد11

 الزمان والمكان ووجودهما وأهميته في مستوى البناء في الروايات، في قسمين: الأول هو الرؤية على مستوى الوقت لشرح أنماطه: التاريخية والكونية والنفسية، ويقوم على تحديد وقت الحدث بالسنوات أو تحديد التاريخ، بينما يحدد زمن الكون الأحداث حسب أوقات النهار أو الليل والمساء، في حين يظهر الوقت النفسي من خلال تأثير الوقت في فعل الشخص من خلال التعبير عن دلالات مبنية على حالة الغضب والارتباك ومواجهة الحزن والحزن والأرق. المبحث الثاني هو الرؤية على مستوى المكان من خلال ثلاث رؤى: التجزئة، والطيفية، والشاملة مع التقارب القريب والمتوسط والبعيد (العام). ثم الخاتمة التي نلخص فيها النتائج الرئيسية للبحث.

https://www.researchgate.net/publication/366491561_alrwyt_ly_mstwy_alzman_walmkan_fy_rwayat_mhsn_alrmly

الثلاثاء، 24 ديسمبر 2024

السفراء العرب في مدريد يكرمون د. محسن الرملي

 

بعثة جامعة الدول العربية والسفراء العربي في مدريد

 يكرمون شخصيات عربية في إسبانيا

من بينهم د. محسن الرملي

16 ديسمبر 2024 مدريد

 

كرمت بعثة جامعة الدول العربية ومجلس السفراء العرب في مدريد، ثلاث شخصيات عربية بارزة مغتربة في إسبانيا، هم: السيدة هنا جلول، نائبة في البرلمان الأوروبي، في قطاع السياسة والعمل العام، والدكتور محسن الرملي، كاتب وأكاديمي، في قطاع الثقافة والآداب، والدكتور الطبيب نبيل رجائي في قطاع العلوم والأبحاث، وذلك "تقديراً لجهودهم القيمة لفائدة الجالية والقضايا العربية في المملكة الإسبانية".

حيث نظمت بعثة جامعة الدول العربية في مدريد، وبالتعاون وحضور مجلس السفراء العرب، حفلاً لتكريم ثلاثة متميزين من المغتربين العرب في إسبانيا، في مقر مؤسسة (البيت العربي) التابع لوزارة الخارجية الإسبانية، وذلك بمناسبة يوم المغترب العربي. قدم الحفل سفير جامعة الدول العربية في إسبانيا د. مالك الطوال، وأُلقيت عدة كلمات في هذه المناسبة، بدأتها السيدة ايرينه لوثانو دومينغو، وزيرة الدولة السابقة والمديرة الحالية لمؤسسة “البيت العربي، وتبعتها سفيرة لبنان، باعتبارها عميدة السلك الدبلوماسي العربي، هالة كيروز. أشادت الكلمات بمسيرة المُحتفى بهم والذين تميزوا بمسيرتهم المهنية... ثم تلتها كلمات المُكرمين، ومنحهم دروع التكريم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

مقطع من كلمة سفير جامعة الدول العربية في إسبانيا د. مالك الطوال


نَص كلمة
الدكتور محسن الرملي  Muhsin Al-Ramli 

مقطع من كلمة الرملي

أصحاب السعادة السفراء، رؤساء البعثات وكل ممثلو السفارات

الأساتذة الأفاضل، السيدات والسادة المحترمون، الأُخوة والأصدقاء الأعزاء

طاب مساءُكم

وشكراً لكم جميعاً، ولكلِ مَن بادرَ وساهمَ وصوّتَ وعملَ على تنظيم هذه الالتفاتة الكريمة، التي هي بمثابة تكريم السفراء للسفراء، فنحن، كما تعلمون، نعملُ ضمن سِلك الدبلوماسية الناعمة. سفراءٌ لثقافتِنا العربية في بلادِ الثقافةِ الإسبانية، وسفراءٌ لثقافتنا الإسبانية في بلاد الثقافة العربية.

أُكملُ اليوم ثلاثين عاماً من غُربتي، التي تحوّلت إلى وطنٍ لجسدي، ولكنها لم تستطع أن تفصِلَ روحي عن ثقافتِها العربية ووطنِها الأصليّ العراق، لم يستطع البُعد القَسري أن يَفطِمَ ذِهني عن رِضاعةِ الحُروف من صدرِ أولِ بلدٍ اِخترَع الحروف، لذا فإن أصدقَ وأدقَ وأحَبَ توصيف لأوطانِنا الأُلى هو وصفها بالوطنِ الأُم، ومَن ذا الذي يَنسى أُمه أو يُنكِرها، مهما كَبُر في العُمرِ أو في العملِ أو في التصنيفات، ومهما اِبتعدَ مَكانياً وزمانياً... ولكن المُقلق بالنسبة للمغترب، هو أن ينساه أُناسَه في أرضهِ الأولى، وها أنتم تُخَفِفونَ من هذا القَلق.

مثل أيّ مغترِبٍ هارِب، لم تكن الأعوامَ الأولى سَهلةً أبداً، لكنني ومنذ اليوم الأول، عَزَمتُ على ألا أهدِرَ الوقتَ بانتظار العودة، وإنما أن أستثمرَ كلُّ لحظةٍ من أجلِ أن أكونَ إنساناً نافعاً لنفسهِ ولغيره، سواءٌ أعُدتُ إلى هناك، إلى مَهدي، أم بقِيتُ هنا حتى لَحدي.

قيل لي أن أتحدثَ، بهذه المناسبةِ، عن بعضِ ما أنجزتُه، وهذا، عدا أنهُ يُشعِرُني بالحَرجِ، لأنه يَمِسُ صفةَ التواضُعِ التي أُحبُها، مهما كنتُ فخوراً بعملي، فإنه يَصعُب سَردَه، لأن من العسيرِ تلخيصُ ثلاثةِ عقودٍ في ثلاثِ دقائق، ولكنني، أستطيعُ القول؛ بأن جهودي في مُغتربي، وبفضل الله، قد حَظِيَت بالاعتراف على الصُعُدِ الثلاثة: أكاديمياً وثقافياً ورسمياً، فأكاديمياً: أُطروحتي للدكتوراه، والتي حرصتُ فيها على تناوِلِ جُذورِ ترابط أهم نَسغين في الثقافتين العربية والإسبانية، (تأثيرات الثقافة الإسلامية في الكيخوته)، حازَت على تقدير اِمتياز مع مَرتبةِ الشَرف، في الفلسفة والآداب من جامعةِ أوتونوما بمدريد، وأعملُ في التعليم الجامعي منذُ عشرين عاماً، تكلَّلت، قبل أيام بالتصويتِ لي، في جامعتي، كأفضَل الأساتذة، ولكن الأهم بالنسبةِ لي، هو أنني ساهمتُ في تخريج طلبةٍ من مُختلفِ الأجيال والجنسيات، والأجمل من ذلك، أنني صِرتُ أتلقى رسائلاً من أبناء طلابي، يُحدثونني فيها عَما حَدَّثَهُم به آبائهم عما تعلموه مني، وأنهُم هم أنفسُهم يقرأون أعمالي.

وعلى الصعيد الثقافي، وهو الأهم في حياتي، لأنه مِحورُ حياتي، فقد أصدرتُ أكثرَ من ثلاثين كتاباً في صنوفِ الإبداع الأدبي والترجمة، حَظِيَت بالتلقي الإيجابي والإشادة والنقد والدراسات، والترجمات التي حازت على جوائز. كما نَشرتُ مئات المقالات والترجمات في أبرزِ الصحف والمجلات الإسبانية والعربية والأمريكولاتينية، عدا المقابلات الصَحافية والإذاعية والتلفزيونية، والبرامج عن شخصي وأعمالي، في أهم القنوات هنا وهناك.

في الأعوام 1995 و1996 عمِلتُ مُعداً ومقدماً لأولِ برنامجٍ عربي، وربما الوحيد، (نافذة المغترب)، في قناة تلفزيونية مدريدية، بمعيّة المُخرج السوري الصديق الأستاذ مزاحم العبدالله، وبين الأعوامِ 1997 و2007 شاركتُ، مع صديقي الدكتور عبد الهادي سعدون بتأسيسِ وإدارةِ مجلة ودار نشر (ألواح) الثقافية الفكرية العربية، التي شَكلّت جسراً رصيناً وجريئاً بين الثقافتين العربية والإسبانية، ونشرنا فيها ما كان يَصعُبُ نشره هناك، وما يَصعُبُ وصولهِ إلى هنا، إلى جانبِ نشرِ سبعينَ كتاباً.

كما ألقيتُ الكثير من المحاضرات في جامعات ومؤسسات مختلفة، وشاركتُ في المهرجانات والنَدوات والأمسيات والمؤتمرات ومعارض الكِتاب وفي لجانِ تحكيم جوائز الكتابة والسينما والمسرح، وأدِرتُ الكثير من وِرَشِ الكتابةِ الإبداعية، في العديد من دول العالم.

ذُكرَ اسمي في كتابٍ عن تاريخِ مدريد، باعتباري واحداً من أهم المثقفين العرب الذين وصَلوا إلى إسبانيا في أواخرِ القرن العشرين. وهذا بَقدر ما أسعدني، فإنه أفزَعني، لأنني، للحظة، شَعرتُ بأنني قد أصبحتُ من الماضي ومن التاريخ، على الرَغمِ من أنني مازلتُ حيّاً.

أما رسمياً، فقد شَرفتني المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (آكنورACNUR) للمشاركة في الاحتفال بعامها السبعين واليوم العالمي للاجئ، باعتباري نموذجاً للمهاجر الفاعل ثقافياً، وقبل ثلاثة أعوام، في هذا المكان، وبحضور شخصياتٍ رسميةٍ وإعلاميةٍ كبيرة، قدّم لي الشُكر بالاسم، السيد سكرتير الدولة الإسبانية للهِجرات، وقال: "إسبانيا تتشرف وتفخر بوجودك فيها كنموذجٍ من المهاجرين". كما وصفتني سفارة إسبانيا في الولايات المتحدة الأمريكية، إبانَ الاحتفال بشهر الإرث الثقافي العربي الأمريكي (Arab American Heritage Month) بأحد أبرز سِتة أصواتٍ عربيةٍ في إسبانيا وأكثرها تفرُّداً وتأثيراً، وسبقَ لسفاراتِ إسبانيا في قطر ولوكسمبورغ أن شرفتني بتمثيلها للاحتفال بالمؤية الرابعة للكيخوته.

ورغم كل هذه الاعترافات بما أنجزتُ وغيرها، أشعرُ بأن اعترافكم هذا، له خُصُوصِيتِهِ في نفسي، وأنه أقرب إلى قلبي وروحي ودمي، لأنه اعترافٌ وتقديرٌ يأتي من ثقافتي الأصلية، من أهلي، ويرتبطُ عندي بما كنتُ أتلقاه من والدَيّ كلما فعلتُ شيئاً حَسناً، وباللهجة العراقية، قولُهم: "عَفيَة ابني" أي "أحسنت أو برافو يا بُني"، فيَشحَنني ذلك بالطاقةِ أكثر لمواصلةِ المسير… لذا فشكراً لكم مرة أخرى على هذه الـ (عَفيَة ابني).

أتذكرُ وأُذكِّرُ اليوم بمَن سبقوني من الأدباء العرب الكبار، الذين مرُّوا على هذه الأرض الإسبانية الطيبة، أمثال الشاعرين الخالدين نزار قباني وأحمد شوقي، والصديق الشاعر الرائد عبدالوهاب البياتي وغيرُهُم، وأقترحُ على سفاراتِ بلادِهم أن تَبتكرَ جوائزاً بأسمائهم لتكريمِ مُبدعيها هنا، وهم كُثرٌ ويَستحقون.

أُهدي هذا التكريم إلى أرواحِ الذين ماتوا من أهلي وأنا بعيدٌ عنهِم في غُربتي، وأشكُر البيت العربي الذي شاركتُ في معظم نشاطاته منذ تأسيسه، وشكراً لبلدي الطيب الثاني إسبانيا، الذي وفَّرَ لي الأمان والحرية، مما أتاحَ لي أن أكونَ أنا نَفسي، وأن أتمكنَ من فِعلِ ما فعلتُه، والشكرُ موصولٌ لأهلي وعائلتي الجديدةِ هنا، أولادي، وزوجتي التي تركَت عَمَلها الجامعي في القاهرة لتشارِكُني هذا المُغتَرب. وكما قلتُ في قصيدتي (طِفلُ مدريد الأجنبي) : "جئتُ فَرداً خائفاً، وصرتُ عائلةً آمِنة".

يقول شاعر كوبا الخالد خوسيه مارتي، وتحوّل قوله مثلاً في الثقافات الناطقة بالإسبانية: "ثلاثةُ أشياء على كل شخصٍ أن يَقوم بها في الحياة: غَرسُ شجرة، إنجابُ طفل وكتابةُ كتاب

Dijo José Martí que “hay tres cosas que cada persona debería hacer durante su vida: plantar un árbol, tener un hijo y escribir un libro”.

وأنا والحمدلله، قد فعلتُ كل ذلك لأكثر من مرة. لذا أقول ما قاله شاعر تشيلي الكبير بابلو نيرودا: "أعترفُ بأنني قد عِشتConfieso que he vivido "، واعترافكُم اليوم بما فعلتُه، هو تأكيدٌ لِصحةِ هذا الاعتراف.. فشكراً لكم.

سفير العراق والجامعة العربية يسلمان الدرع للرملي


















الأحد، 22 ديسمبر 2024

فحوصات ثقافية/ سرد أقل، زمن الأقصوصة/ محسن الرملي

 

فُحوصات ثقافية

 

سَردٌ أقَل.. زَمن الأُقصوصة

 

بقلم: الدكتور محسن الرملي

يبدو وكأن الحلول، أو الأمور الوَسط، صارت تختفي تباعاً من عالمنا المعاصر، مثلما تضمحل تدريجياً ما تسمى بالطبقة الوسطى في المجتمعات، فالمشاكل السياسية الكبيرة تتم معالجتها إما بالحرب أو بالإهمال، والاقتصادية إما بقروض طائلة أو بإعلان الإفلاس، والنصوص الأدبية إما أن تكون طويلة أو قصيرة، فإذا كانت رواية، يحثك الناشر على أن تكون طويلة قدر الإمكان، وإذا كانت قصة فلتكن قصيرة جداَ أو حتى جداً جداً! حتماً؛ أن للأمر علاقة بطبيعة علاقتنا بالوقت، الذي صار مادة أولية علينا أخذ مسألة استثمارها بعين الاعتبار دائماً. وبالطبع فإن لتسارع هيمنة التطور التكنولوجي وعصرنا الاستهلاكي دوراً في ذلك.

أسوق هذا التقديم كنوع من التأمل والانتباه إلى ظاهرة عودة "الأقصوصة" بقوة، عالمياً. فإذا كانت القصة القصيرة قد تطورت وازدهرت سابقاً، مع تطور وازدهار الصحافة الورقية، بحكم ضيق المساحة، فها هي الأقصوصة تتطور وتزدهر بحكم ضيق الوقت. تعينها في ذلك سرعة التطور التكنولوجي، ففي العقد الأخير لاحظنا بجلاء؛ تزايد الإعلانات عن مسابقات للقصة القصيرة جداً، ونقرأ المزيد منها كل يوم، عبر الصحف والمواقع ووسائل التواصل، وأخرى نسمعها من الإذاعات وشركات الدعاية، التي تستخدمها في الإعلانات، وعبر رسائل الهاتف المحمول، فثمة مسابقات تقيمها بعض دور النشر والمجلات الثقافية، بالتعاون مع شركات الهواتف والاتصالات. شخصياً؛ اقتنيتُ، وما زلت أقتني، الكثير من أنطولوجيات الأقصوصة من مختلف البلدان، وخاصة الناطقة بالإسبانية.

تكاد الأقصوصة الجيّدة أن تكو قصيدة أو حكمة أو خبراً أو رسالة.. جُرعة فنيّة، هي مزيج من الفكرة والجمال، مُتقَنة الصُنع، ولا غرابة في ذلك، فقد عودتنا الفنون والآداب، على قدرتها الهائلة للتجدُّد والتكيُّف مع كل زمان ووسيلة، ابتداءً بألواح الطين وليس انتهاءً بالشاشات. هناك دراسات كثيرة عن فن الأقصوصة، تاريخياً وتقنياً وحداثة، ويمكن إجمال اشتراطاتها الفنية بكل ما تشترطه الطُرفة (النكتة)، باستثناء شرط أو هدف الإضحاك، وكلما كانت أقصر وأقوى حبكة؛ فهي أفضل. وعدا كون الأقصوصة موجودة أصلاً في ثنايا مختلف الأجناس الأخرى، بما في ذلك القصيدة، وفي تاريخنا السردي العربي، كما فيما كان يُسمى (أخبار)، فإنني أرى بأن من فوائد عودتها؛ أنها ستشكل اختباراً جيداً للقدرات الإبداعية والأسلوبية واللغوية في الكتابة، ولا سيما بعد أن شهدنا ترهلها مؤخراً بحكم ظاهرة استسهال الكتابة والنشر وتفشيها، كما هو حاصل في كتابة الرواية والشِعر، مما جعلنا نعاود التفكير مراراً بإجابة بورخيس عن سبب عدم كتابته للرواية، حين قال: إنها بلا شكل.

وفي رأيي؛ أن نسعى نحن أيضاً، لنبادر مبكراً إلى مواكبة عودة هذا الاهتمام الكبير بالأقصوصة، ولنبدأ على أقل تقدير، بألا نبقى حائرين بتسميتها، بين: قصة قصيرة جداً، قصة صغيرة، ميكرو قصة وأقصوصة. أميل إلى تسمية (أُقصُوصة).. هكذا؛ بكلمة واحدة، بدل اللجوء إلى تسميات وصفية في أكثر من كلمة.. ونُحيّي عودتها المُلفِتة، بمزيد من تسليط الضوء والنشر والمسابقات والمهرجانات والمؤتمرات والدراسات… تُرى هل أن مرحلة ما بعد "زمن الرواية"، ستكون مرحلة "زمن الأقصوصة"؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*نشرت في مجلة (الناشر الأسبوعي)، العدد 74، ديسمبر 2024م

https://www.sibf.com/ar/pwhardcover

 

أربع قصص، فيها الرملي / حسين الجيزاني

 

أربع قصص قصيرة، فيها الرملي

بقلم: حسين الجيزاني

 

عِفريت مُرتَد

مهداة إلى أُستاذي د. محسن الرملي

كان مستلقياً على الأرض ومخالب الظلام منقضة عليه في زنزانة السجن الكبير. كل نوافذ الأمل متداعية أمامه ولا يتوقع غير الموت، إما التراجع أو الموت... هكذا كان يرى حاله. لا أحد يستطع أن يثنيه؛ دهشة الحقيقة متلبسة في رأسه ونافذة نور مفتوحة في قلبه... سمع نَقر على الباب، وصوت أحب أصدقائه إليه، قائلاً: جئِتك مسرعاً وليس هناك متسعٌ من وقت.

عندما رآه.. فزّ ونهض، سال الدمع من عينيه، واستقبله بالأحضان. ربت على ظهره، وقال: صديقي الأقرب، الأوحد.. الذي لا شريك له في قلبي، كيف حالك؟

جاء صديقه لوسيفر لزيارته في السجن الانفرادي، وجده مرمياً خلف جدرانٍ سميكة معتمة، وهو منير باعتقاده الجديد: يعز عليّ أن أراك في هذا السجن القذر، السجن ليس مكانك، أنت شيطان مجتهد واستثنائي، لماذا هذا التمرد على الملك إبليس!

- لأنه بصق في وجهي، ولم يجبني على أسئلة تجول في رأسي يا لوسيفر.

صحوت، ونهض عن فراش الشر والخطيئة: أنا لا أحب التمرد، أُنفّذ ما يطلبه مني بدقة، وبلا أيّة مخالفة... وفي المهمة الأخيرة، نجحتُ نجاحاً باهراً، فأثنى عليّ ووعدني بجارية سمراء لها عين واحدة في المنتصف، سنشرب النبيذ الأحمر ونرقص معها على أنغام الطرب الأخاذ.

- إلى متى يا صديقي سنواصل تسللنا إلى أعماق الناس مثل حيّة تنساب بين الحشائش، نوسوس لهم، نحث صفاتهم السلبيّة ونوقظ قوى الشر المدفونة في أنفسهم، نجعلهم متشائمين على الدوام، مولعين بالظلام واليأس والحزن.. نجعل منهم شياطيناً يختبئون خلف وجوه ملائكية، يتخيلون كل الذين أمامهم عراة، غارقين في ملذات حيوانية شهوانية. لا يغادر حياتَهم نكد إلا إلى نكد آخر، نسبب لهم الاكتئاب والضيق الاجتماعي حتى يكونوا أكثر عرضة لارتكاب الجرائم، نجعلهم يشعرون بأقل تقدير لذواتهم، غرقى ولا يفهموا الجزء المظلم من شخصياتهم.. نُنمي النرجسية المتضخمة والكبرياء والأنانية والقسوة، وعدم الشعور بالآخر، والتلاعب واستغلال الآخرين. لا مكان للأخلاق، والتأنيب لا يطرق أبواب الضمير.. هكذا نحن الشياطين؛ نوسوس ونشيع ثقافة لا جدوى منها.. سوى لنرضِ غرور الملك وتحدياته الفارغة!

وقع كلماته يدب في رأسي وهي تزلزل كل ما تربيت عليه كشيطان، كان محسن الرملي نقطة تحول في حياتي، حفر صورته وروحه في نفسي بما لم يفعل أحد غيره. لا تمل مجالسته حتى لو طال الأمر لساعات. مرحه، ثقافته، ذوقه، تواضعه، فلسفته في الحياة. نعم، فلسفته في الحياة، اكتشفت أني أعاني من تصحّر فكري، أضجر من أي حديث عن المحبة والضوء والجمال والنفوس الصافية. لا أملك أدنى لياقات التفكير الإيجابي. أعيش على الهامش وأُمارس رغبات الملك التي تُملى عليّ، يثقفنا على الطاعة، طاعته أولاً وأخيراً، لا اجتهادات مقابل قناعاته. يردد دائمًا على مسامعنا: أنتم ظل لرغباتي واشباح بلا ملامح.

هذا ما جعلني أتساءل: ما الجدوى من وجود هذا التافه في حياتي. أدركت أن كل هذا الإرباك والجهل والرغبات الفجة والسخيفة سببها الملك. مسخت ما في راسي وبدأت طفولة جديدة، حياة أكثر عمقاً، تتسم بالمعرفة والطموح والأمل. تحوّلتُ من وسواس خناس إلى طالب يجلس في حضرة أستاذ استثنائي. قيل في الأثر، من ليس له شيخٌ فشيخه الشيطان. في الحقيقة كان هو شيخي. ربما أنا الوحيد من بين الشياطين الذي حظي بهكذا إنسان. أنا الآن ملاك متفائل مولع بالضوء، بصيرتي ترى نوراً، يا لوسيفر، أنا شكَّلت حياتي من جديد.

- ذلك الرملي لن ينفعك في شيء، صدقني.. إنه سحابة صيف تمر سريعاً، نفخَ في اوداجك وألّب فكرك حتى تصورت أنك دينصوراً... اِفهم؛ أنت شيطان. سأمزق خيال الرملي بمخالبي وأجعله يطوف شوارع مدريد وهو يكلّم أحجار الحيطان المتراصة.

جاء السجانون وصاحوا: هيا يا لوسيفر، أُخرج، انتهت المقابلة. الملك طلب منا جلب هذا الشيطان المرتد، هيا خُذوه.

جلبوه مقيداً ورموه بين أقدام الملك إبليس، رمقه بوابل من نظرات الغضب، ثم اتكأ على الكرسي المرصع بالعقد النفسية والنرجسية الجوفاء. أخذ نفساً عميقاً، وقال: هل راجعت نفسك؟ أريدك أن تعود إلى رشدك، وتكمل مسيرك الحافلة بالإنجازات، أنت شيطان محترم وذكي ولك صولات وجولات في ميدان الغواية. كيف تفكر بالتمرد عليّ يا صغيري! أنا أعاملك كإبني، هيا فكّوا الاصفاد من معصميه ليعود إلى ميدان الغواية من جديد.

- أيها الملك، منذ الآن، أوجت لنفسي حياة خاصة، وليس لأحد دخل فيها. أنت عرفت بكل ما يجول في داخلي من تفكير وتمرد على السائد. لم تحترم تطلعاتي. لم تحاول تفهم إشكالاتي المنطقية، ولا حتى تجيب عليها، إجابتك كانت بصاق غطى كل وجهي فقط، ثم رميتني خلف القضبان.

 فرد عليه الملك بغضب: أنا من جعلتك كائناً بائناً للعيان، بعدما كنتَ مجرد شبحاً من الجهل، صغت قالبك الفكري على مزاجي وجعلتك شيطاناً محترماً بين اقرانك.

اِستل السيف اللمّاع المتوهج من غمده، وقال: أيها الحقير، أنسيت أنك شيطان وليس ملاكاً، ربما نهايتك قريبة إذا لم تتب وتراجع نفسك.

فرد عليه الشيطان المتمرد: كفى يا إبليس، انفض رغباتك المتعجرفة. الله نور الحياة، فإذا عرفت أنك مجبول من النور، سوف تعود إلى النور...

بعد هذه الكلمات، تدحرج رأس الشيطان المرتد على الأرض، مثل كرة، والابتسامة على محياه.

XXXXXXXXXXXXXXXX

 

الرملي في مَرمى السعير

 

ونحن نجلس على طاولة مستديرة في أحد المطاعم، أشرت بكلتا يديّ أن يُقرّبا من حولي آذانهم، بعد رشفة من كوب الشاي الحار، وقلت جازما: لن أدَع الرملي يعود سليما إلى مدريد.

تقربت منه أكثر لأظفر بمآربي السوداء، وأغتنم لحظة مناسبة، للفتك به.

البارحة سرت خلفه كشبحٍ على أثر حقد ساد أحلامي في ليلٍ مضطرب، وأنفاس مرتجفة كسعفة في صدري.

أخذتُ موضعاً مناسباً خلف أحد الأبواب، ألف على رأسي بلفافٍ بنيّ اللون، أقتل ابتسامتي المطمئنة، وأقامر بكل ما أملك وما تبقى من أيام حياتي.

قبضتُ بكل قوة على مقبض خنجري الأسود، حين لمحته بوجه مكفهر، يتوجه نحوي، مطأطئ الرأس، يحشر كفه في جيبه ليستخرج ولّاعة لإشعال سيجارته التي بين شفتيه.

في الحظة المناسبة؛ أخرجتُ الخنجر لأنحره.... لكن، حدثت مفاجأة... اِكتشفتُ أني أُمسك الولاعة، فمددتها بلا وعي، وقلت: ولّاعتي حاضرة يا دكتور محسن.

أخذتُ نفساً عميقاً، على طريقة أحد رؤساء العصابات، وأكملتُ: أول جريمة فشلت بها في حياتي، كانت في فترة المراهقة.

في إحدى الليالي، اِشتقت إلى صديقتي التي يقع بيتهم بالقرب منا. وثبتُ إلى حديقة منزلهم عندما تلاشت كثافة جموع السابلة بجواره. وثبت في لحظة إشارة من اظفر أصبعها الملطخ بلون أحمر وشفتان بلون وردي.

لاهث الأنفاس منتصباً، في حديقة بيتهم الكبير، مختبئاً خلف تمثال النافورة. أمشط بعينيّ الحارقتين، بهدوء حذر، ما يدور حولي... سرعان ما تسلل إلى مسامعي صوت أبيها الخارج من باب المطبخ، يردد كلمات أحد القديسين: "لا يُعالج الخطأ بخطأ أعظم. إن الغضب خطأ خطير. لا ندافع عن الحق بالغضب".

فاغر الفاه في لحظة رهبة، ورغبة جامحة تجثم على شفتيّ، واحتميا بالصبر من زوبعة الإيمان الطافح في جوفي.. ثم لملمتُ ما تبقى من هدوء، وسرت أمزق بأصابعي كل زهرة حمراء في طريقي. خرجت من بوابتهم الواسعة بخطى متمهلة، لم أحظَ بقُبلة!

هزت رأسها زينة جاسم، تحرك ضفيرتها المتدلية على ظهرها، وقالت هامسة: أملك الكثير من الشجاعة والخبث.

ستحملني قدماي كريح صرصر في ليلٍ مدلهم. سأقترب منه، وأفرغ رصاصات مسدسي الكاتم

في صدره، وأقول بعدها هامسة في أُذنيه، وهو في النفس الأخير: المقامر يقامر بكل ما يملك.

بلا مقدمات، اِستدارت سماهر، أرادت أن تصرخ بكل ما تملك من شجاعة "هؤلاء مجرمون..."

لكن زينة استشعرت كلماتها قبل أن تُنطَق.

انقضت تصم فمها بكلتا يديها، وقالت بنظرات لبوة: لن ينفعك كرشك المنتفخ وطفلك المنتظر!

XXXXXXXXXXXXXXXX

 

الحارس الشخصي

 

عندما خرجتُ مسرعا من بيتي متجها إلى معرض العراق الدولي للكتاب، غاب عن بالي أن أتناول برشامة مهدئة قبل الخروج. حين دخلت إلى المعرض، بدأ الجد بالطواف وفي جعبتي حكايات وأشواق معطلة تسري في عروقي.

أجس نبض اللاهثين وأطوي بخطواتي بلاطات المعرض المتراصة. دخلت لاهثاً لرؤية الروائي الدكتور محسن الرملي. دخلت من الباب الكبير باحثاً عن (المدى)...... وجدت في الأخير الدكتور جالسا على كرسي كملك، ضائعا بين زحمة المحبين والمتلهفين، يوقع لجمهور كبير. كان يقف فوق رأسه حارسه الشخصي، مفتول العضلات، عريض المنكبين، طويل الوجه بقسمات متوحشة. فضممت يدي إلى صدري حين انهارت سدة أمواج الأوهام في مخيلتي وفاضت!

فالتفتُ إليّ حارسه وأشار بعصاه السوداء، دون أن ينطق كلمة بعدم الاقتراب، بأي شكل من الاشكال إلى الدكتور. فوقفت متجهم التقاطيع، أنحر كلمات المحبة التي نسجتها. حاولت تكسير ملامحه بابتسامة عريضة وترحاب، لكنه بقي مصراً على عدم اقترابي دون الحاضرين. فتغيرت فجأة ملامحه بشكل أكثر بشاعة، أخرس بقايا جماحي. فشتمته وشتمت الرملي في سري!

فمد الرملي رأسه وناداني بابتسامة، قال ضاحكاً: لماذا تشتمني يا صديقي!

فأيقنت لحظتها أن الرملي سيد الأوهام!

XXXXXXXXXXXXXXXX

 

بين الرملي وأناييس 

ونحن نقف على خشبة (دار المدى)، في معرض العراق الدولي للكتاب، باغتتنا نسمه هواء شتائية تسللت من الباب الكبير، مما دعت دكتور محسن لرفع أصبعه على طريقة هتلر، قائلا بوجهٍ متجهم: لن أسمح للأستاذة أناييس بوليكيه بتغيير مكان الندوة أو أي تفصيل آخر، سواء أكان صغيراً أم كبير.... أنزل أصبعه وهدّأ من لكنته، وأكمل بصوت خفيض وهو يحك بطرف أصبعه على جبهته: حلمتُ بها البارحة، كانت تطوف الأزقة ذابلة بساقٍ عرجاء، تصيح مستغيثةً بالسراب: "لا تستوعبي الحانات ولا الكنائس، يدب بي الخوف فأشرب ماء البحر كثور أضَل طريقه".

رفعَت زينة حاجبيها ومطت شفتيها، وقالت ململمة رأيا من شتات الأفكار: أتظن أننا لعبةٌ بيديها!

شهقت بكل سطرٍ وبكل الكلمات المطيرة، مرحبةً بالعابرات من الأفكار.. فقاطعتها مستدركاً، وأنا أمسّد لحيتي: هواجسي تسفك دمائي، تائها في المنعطفات، أعصر ما تبقى من أمل، وأنسج آخر التعاويذ!

لفتَت نظرنا سماهر، حين رفعت أصابعها مغمضة العين، تضغط في الهواء على ازرار آلة الحاسبة..... وأخيراً؛ فتحت عينيها، وقالت بثقة: اِطمئنوا؛ لن يُلغى شيء.

إن ألغت أناييس بوليكيه الندوة، ستموت في عتمة القلق منزوع العقل، تلتهم أصابعها كامرأة لها جيش من العشاق ولا يتقدم لخطبتها أحد!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*حسين الجيزاني: كاتب من العراق.