السبت، 2 أغسطس 2025

فحوصات ثقافية: عن الجوائز/ محسن الرملي

فُحوصات ثقافية

جَوائزُنا قليلة مهما كَثُرت 

بقلم: الدكتور محسن الرملي

يتردد الحديث في أوساطنا الثقافية مؤخراً عن رأي مفاده: إن الجوائز العربية قد أصبحت كثيرة وأن ما يُكتب وما يُقال عنها كثير. إلا إنني لا أجد نفسي متفقاً مع هذا الرأي. بل أرى العكس، فيما لو قارّنا عدد جوائزنا بما هو موجود في ثقافات أخرى، ففي فرنسا قرابة الخمسة آلاف جائزة، وفي بلد واحد فقط، من بين أكثر من عشرين بلد ناطق بالإسبانية، هناك أكثر من ثلاثة آلاف جائزة أدبية في إسبانيا، عدا المُخصص للفنون الإبداعية الأخرى ذات العلاقة بالنتاج الأدبي، كجوائز أغلفة الكتب والمراجعات النقدية والنشر والترجمة والإلقاء والتحرير الأدبي واللغوي.. وغيرها. تتراوح مكافآتها بين رمزية تقديرية؛ شهادة شكر وميدالية، أو التكفل بنشر النصوص والاحتفاء بها، إلى أخرى تربوا على الستمئة ألف يورو. وتتنوع الجهات المُنظِّمة بين مؤسسات رسمية وأخرى خاصة، بلديات المدن والقرى والأحياء والجامعات والمعاهد والبنوك والشركات والمكتبات والجمعيات والنوادي والصحف والمجلات والإذاعات والمواقع الإلكترونية، ودور النشر صغيرها وكبيرها.. بل وحتى العديد من المقاهي العادية. جوائز تحمل أسماء مدن وقرى وأنهار ومؤسسات وشركات وآثار وأحداث وشخصيات، أموات أو أحياء، ومنها ما يحمل اسم عمل أدبي بعينه كالكيخوته مثلاً. أما لو حاولنا إحصاء جوائز الآداب المكتوبة بالإنكليزية، فيبدو أمر حصرها أشبه بالمستحيل، بينما نحن؛ أكثر من عشرين بلد ناطق بالعربية، ما زالت جوائزنا محدودة ويمكن عدّها بيُسر.

إن استحداث الجوائز والإكثار منها ضروري وحيوي لأية ثقافة عموماً، تنفع الكاتب والناشر من حيث مردودها المعنوي والإعلاني والمادي، وتخدم القارئ بتنبيهه إلى أعمال، ربما ما كان لينتبه إليها لولا الجائزة، كما تنفع مُنظميها ومُحكميها بالمزيد من القراءة والاطلاع والدعاية وتنشيط منظومتهم، كما ينشط دم الإنسان بعد التبرع بشيء منه.. وكم من جائزة مدرسية بسيطة ورّطت طفلاً، بعد فرحته بها، كي يكرس حياته من بعدها للأدب، فتكسب الثقافة مبدعاً آخر ليكون مستقبلاً من رموزها وقِممها.

إذاً، فالجوائز عندنا ليست كثيرة، وعلينا العمل على تفعيل هذا التقليد الثقافي قدر المستطاع، وعلى كافة الأصعدة والميادين، فالثقافة لا تقتصر على كاتب وناشر ومكتبة، وإنما هي شأن الجميع. علينا أن نكثر من الحديث عنها والمطالبة بها أو استحداثها بأنفسنا، حتى وإن اقتصرت جائزة على مجرد اسمها، مُرفقة بكلمة شكر وتقدير، فالجائزة هي بالفعل مسألة شكر وتقدير.. وكل إنسان يتمنى الحصول على مكافأة معينة على جهده وعمله، ولو كانت مجرد كلمة شكر واعتراف، وسط هذا الكم الهائل من المُحبِطات والمُثبِّطات وخيبات الآمال التي يتلقاها يومياً...

أذكُر أن الكاتب الأمريكي بول أوستر، عندما كان في أوج شهرته وعطائه، جاء، على حسابه الخاص، إلى قرية نائية في إسبانيا، رغم انشغالاته، وفي غمرة أعياد الميلاد، ليتسلم جائزة لا مادية ومجهولة، عبارة عن (شهادة) ورقة شُكر مطبوعة على الكمبيوتر، اِخترَعتها مجموعة أصدقاء، نادي قراءة، فهو لم يأتِ لطلب شهرة أو مال؛ بالتأكيد.. وإنما جاء تقديراً لهذا التقدير.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*نشرت في مجلة (كتاب) العدد 82، أغسطس 2025م

https://sibf.com/ar/pwhardcover

الجمعة، 1 أغسطس 2025

قراءة في رواية: ذئبة الحب والكتب/ د. وجدان الصائغ

 (ذئبة الحب والكتب) لمحسن الرملي

وثيقة لحياة المثقف المنفي داخل العراق! 

                                                               الدكتورة وجدان الصائغ

قسم دراسات الشرق الأوسط - جامعة ميشيغان

     كيف استطاع محسن الرملي في رواية (ذئبة الحب والكتب) الصادرة عن دار المدى، بغداد – دمشق ٢٠١٥ ان يمتلك مهارة براعة المطلع حين اعترف منذ السطر الأول وكأنه يجلس قبالة القارئ ويحدثه وجها لوجه: (أنا محسن الرملي، مؤلف كل الكتب التي تحمل اسمي باستثناء هذا، ولو لم اكن شقيقا لحسن مطلك لكتبت ضعف ما نشرته حتى الان، او لما كتبت أيا منها أصلا ولا حتى اهتممت بهذا الكتاب الذي وجدته صدفة حين كنت في الأردن فغير حياتي كلها وجئت الى اسبانيا بحثا عن المرأة التي كتبته... انها امرأة تبحث عن الحب وانا ابحث عنها، الرواية، ص ١١) ليكون  منذ البدء امام مشاكسة دلالية تضيء من جانب ركائز العمل الروائي برمته فثمة  الشخصيات  الرئيسية المنشطرة بين الواقعية (محسن الرملي+ حسن مطلك) والمتخيلة  (هيام)، ومن جانب آخر  تعطش افق التلقي لمعرفة تفاصيل سيرة محسن الرملي  التي انكر نسبتها له (مؤلف كل الكتب التي تحمل اسمي باستثناء هذا) ووصفها بانها  مجرد كتاب وجده صدفة  في الأردن . زد على ذلك ان المؤلف نفسه كرر مرارا في مقابلاته المتلفزة لاسيما مقابلته الأخيرة في بودكاست روايتهم (*) ان رواية (ذئبة الحب والكتب) تتضمن ادق تفاصيل اقامته الأردنية بعد مغادرته العراق.

 وهذه الإشارة المكررة جعلني ابحث عن تلك الرواية العراقية  التي تتقصي حياة مثقف عراقي عاش تلك الحقبة المنسية  في تاريخ الثقافة العراقية المعاصر وفكرة البحث بين سطورها عن بقايا ذاكرتي التي تشظت منذ ان تركت العراق الى الأردن ثم اليمن وصولا الى اقامتي المشيغانية... وأحسبها ذات الخطوات التي خطاها المؤلف من العراق صوب الاردن باتجاه اسبانيا متجاوزا محطة اليمن، هي محطات متسلسلة مرّ بها معظم مثقفو العراق زمن الجوع والموت الطاغوتي اذ تناهبت اقدامهم الأمكنة من العراق الى عمّان الى اليمن او ليبيا  قبل الاستقرار في المنافي الغربية ... وحين وجدت تلك الرواية واجهتني الاستهلالة الجريئة الجاذبة الانفة الذكر  التي تحمل في طياتها مصداقية السيرة الذاتية لاسيما علاقة المؤلف بشقيقه حسن مطلك التي يؤكدها بأسلوب البوح السيري وبتقنية الارتجاع الفني: (كل من يعرف حسن مطلك يعرف بانني شقيقه، والمهموم بحمل صوته حتى اخر عمري منذ إعدامه ووصمه بالخيانة ومنعنا من إقامة عزاء له ومنع ذكره في الصحافة او حتى في المقاهي الثقافية شعرت بداخلي بطعنة لا شفاء منها، الرواية، ص ٤٢) تلك المصداقية نجحت في ان تفتح صنبور الذاكرة لتعود بي الى معرفتي بالمؤلف الذي سمعت به اول ما سمعت حين كنت طالبة في جامعة الموصل وقد ذكر احد المثقفين العراقيين الذي غاب اسمه عن بالي ان المؤلف حين كان طالبا في جامعة الموصل بقي متأبطا ما كتبه حسن مطلك بعد إعدامه باحثا عمن يسلط الضوء على نتاجه الإبداعي غير مرتهب ومرتعب مما سيحل به لو علم به الدكتاتور حينها، وأضاف قائلا: "وقتها كنت أستاذا في جامعة  الموصل وكان محسن الرملي طالبا في الجامعة نفسها جاء الى مكتبي متأبطا رواية أخيه (دابادا) وراغبا في ان اكتب عنها وانشر مقالا بهذا الصدد.. حقيقة اعجبتني الرواية وكدت انجز مقالا عنها وعن جمالية الأسلوب فيها ولكن أحد "الرفاق" شاهد الرواية على مكتبي فقال لي بأسلوب ينز منه الشر المستطير: كيف حصلتَ على هذه الرواية؟ وما شانك بها؟ هل لك علاقة بمؤلفها؟ ألاّ تعرف ان صاحبها قد أعدم بسبب مؤامرته على قلب نظام الحكم؟  وأضاف: بالواقع حين استلمت الرواية من محسن لم اربط بين الصلة بين الاثنين.. فهذا محسن الرملي وذاك حسن مطلك وانا اعرف ان شقيق الرملي معدوم لكني ظننت انه قد سلمني رواية لكاتب أُعجب به وليس لشقيقه... طبعا كمحصلة للشر المستطير المتوقع من نشر مقالة عن المطلك وقتها لم اكتب حرفا عنه حماية لي ولأسرتي" بعد هذا الخبر تناهبت المنافي أعمارنا فلم اعد اسمع بالرملي خلال اقامتي الأردنية القصيرة حتى وصلتني خلال اقامتي اليمانية رسالة استكتاب انيقة  بتوقيعه من مجلة ألواح التي تصدر في اسبانيا ، اعجبت بطروحات المجلة الجريئة التي شكلت جسرا بين ادباء الشتات وتحديدا العراقيين ، فأرسلت له بمقالتي (النافذة في شعر المقالح) ووصلني بعدها منه عدد مجلة ألواح  الذي تضمن مقالي منشورا.. ثم تناهبتنا الايام مرة أخرى حتى وصولي الى اقامتي الميشيغانية وقررتُ زيارة اسبانيا واثارها الاندلسية فرشح لي بعض أصدقائي من المثقفين العراقيين أسماء عدة هناك ومنها محسن الرملي... وحين التقيته وزوجي صبري مسلم تجول بنا في أروقة مدريد وساحاتها ناثرا حكاياته على ازقتها الغاصة بالناس.. كلمنا عن ولعه بالمدينة وولعه بالأدب الاسباني والعربي على حد سواء... كلمنا عن لقاءاته بالشاعر عبد الوهاب البياتي... عن أصدقائه العراقيين هنا في اسبانيا وهناك بالعالم العربي... وعن ولعه بالكتابة الذي تحول من الترجمة الى الرواية الى الشعر ثم عاد الى الرواية والترجمة... كلمنا عن عائلته وأولاده وعن عمله كأستاذ جامعي...  درنا معه في شارع الأدب ووقفنا طويلا امام تمثال لوركا، حمّلنا بعدها هباته الثمينة  منها روايته (تمر الأصابع) وكتابا لشقيقه حسن مطلك بعنوان(الكتابة وقوفا، تأملات في فن الرواية)  تأبطتُ الكتب وعدت بها الى اقامتي الميشغانية لأجدني امام روائي من الطراز الأول ليس لأنه يمتلك مهارة السرد واكسير البوح فقط، بل لأنه استطاع ان يجعل من النص الروائي مرايا صقيلة تعكس  واقع الانسان العراقي المطحون تحت مهرسة الاعلام العربي والغربي التي تشيؤه وتبقيه بعيدا عن دائرة الضوء بل وتقولبه طائفيا وعرقيا متناسية الروابط الثقافية والتاريخية والحضارية التي تشد ازر المجتمع العراقي. وهذا ينسحب على  رواية (ذئبة الكتب والحب) التي بدت منذ الكلمة الأولى افقا مرآويا نرى من خلاله تفاصيل مدينة أربد وازقتها ومطاعمها وحوارات الشخصيات المتحركة على مسرح النص والتي تمتزج فيها اللهجة العراقية باللهجة الأردنية ونرى عيانا  الشخصية الرئيسة (محسن الرملي) متحديا الجوع  الجسدي والنفسي تارة، ومتحديا التابوهات حين يسقط في شرك الغواية الجسدية مع الخادمة السيرلانكية  السمراء التي لا تعرف من العربية سوى كلمة (هبيبي)، وتارة حين يتمرد على واقعه بنفض غبار الفقر والحاجة والإصرار على الابداع والبحث عن فرصة للخلاص فيستمر في نشر مقالاته في الصحف الأردنية والجلوس لمراجعة الكتب في المكتبات العامة ورغبته في نشر مجموعته القصصية الأولى. 

 من اللافت ان المؤلف وبوعي دلالي حاد يمزج بين السردي المتخيل والسيري الواقعي ليخلق نصا ينفتح على تأويلات شتى لذلك فان افق التلقي سيكون على مدار الرواية قبالة خيطين متضادين متآلفين ينتظمان: الرواية الأول هو خيط يكثف فيه المتخيل السردي البعد الروائي لملامح  الـ (هي) التي اسمها هيام والأخر يكثف تفاصيل اليومي المعاش لـ(انا) الذي هو محسن الرملي نفسه خلال اقامته الاردنية قبل انتقاله لإقامته الاسبانية ليبقى التلقي مشدودا الى خيط الـ(أنا) الذي غدا مرايا صقيلة تعكس معاناة المثقف العراقي الذي لفظه المكان الحميم فوجد نفسه نهبا للغربة والفاقة في محطته الأولى (الأردن) يحمل على ظهره ذاكرة بلاد عصف بها الموت والخراب فجلس على اعتابها باكيا، زد على ذلك حرص المتخيل السيري على ان يكون كل  حرف من كلماته شظية  تضيء تفاصيل معاناة المثقف العراقي الذي لم يتجرأ على الكتابة عنها خشية الرقيب الاجتماعي وخشية كسر الصورة المكتملة للمثقف العراقي الذي نفذ بجلده  ناجيا من عصف الحرمان الجماعي وليس معه فلسا واحدا للعيش او السكن في منفاه، تامل مثلا المقتطف التالي، ولاحظ كيف نجح المتخيل السيري في ان يجعلك تبصر عيانا معاناة الشخصية الرئيسية وبوحها النازف الذي ينزع بالجزع من سلطة الجوع، وتبصر امكنته التي ظللها الفقر بعتمته، كما ترى رأي العين الشخصيات العراقية والاردنية والمصرية (الصعايدة) المتحركة على مسرح النص وتسمع حواراتها المتنوعة:

(في عملي الجديد كحارس شيدت لنفسي غرفة/ هشة، هي مربع من الكابوث غير المبني، سقفته بالزنكو والبلاستك وغلفته من الداخل بالكارتون الذي الصقت عليه بعض الصور العائلية التي معي وصورا أخرى قصصتها من الصحف كي تخفف وحشتي، صنعت لنفسي سريرا من الكابوث وحلب لي ماهر فراشا ومدفأة صغيرة وأدوات طبخ ودفترا وقلما ومحبرة وما طلبته من كتب، من حسن حطي ان ماهر شاعر مرهف الحس كان يأتي لمسامرتي في بعض الليالي لوحده او بمصاحبة احد الأصدقاء كالناقد احمد خريس او الرسام علي طالب او المخرج المسرحي الدكتور كرومي، وهم أساتذة بجامعة اليرموك ـ فيما انا بلا هوية بملابس رثة، بالكاد اجد ما يسد رمقي، تمضي اغلب الاماسي بالحديث عن الثقافة والشعر وقراءته، كانوا يرفدونني بالكتب والاهم ما كنت اشعر به معهم من آدميتي وبكوني انسانا عاديا لأني كنت امر بمرحلة عرفت فيها لأول مرة إحساس الانسان الفقير المسكين انه نوع من الشعور بالدونية والضعف والمهانة وتقليل قيمة الذات بل وحتى الحيوانية في لحظات الجوع لذا، لكي اشعر بآدميتي.ـ اذكر حين أعيش مع الصعايدة ولا اجد أحيانا ما اجده ليومين او ثلاثة اسي. كالنائم موشكا على الاغماء، اتجه صوب احد المحلات الفخمة لبيع بدلات الرجال وهناك يستقبلني العاملون بترحاب من الباب ويوقونني باحترام مبالغ فيه ليروني أنواع البدلات قماشها مقاسها، ماركاتها ويخاطبونني بحضرتك وهم يعينوني على تجريب المقاسات، فيما انا افاصلهم على السعر، وعادة ما اقلله الى النصف، كلما انزلوه أطالب باقل واوجد مبررات او عيوب في البدلة او أقول باني رأيت مثلها في محل اخر بكذا سعر وهكذا لربع ساعة تقريبا، حيث تعاملهم وحديثهم معي وبهذا الشكل ينفض الشعور الحيواني ويوكد لي بانني لازلت ابدو اميا عاديا بعيون الاخرين، اشعر باني لازلت انسانا، ص ٨٣) من اللافت ان  المتن يستدعي على مراياه وجه دون كيخوته وسيفه الخشبي الذي يقارع به طاحونة الهواء كما قارعت الشخصية الرئيسية بلعبة الذهاب لمحلات الألبسة الفاخرة طواحين الجوع التي عصفت بحياة مثقفي الخارج  ابان تلك الحقبة، زد على ذلك فان كاميرا النص المحمولة ستتجول مع السارد (محسن الرملي) في امكنته  المغلقة، كما تتجول في الأمكنة  المفتوحة التي يسميها بأسمائها ويعرفها كل عراقي خرج من العراق هربا من الموت والجوع ابان الحصار وبعد محنة غزو الكويت.

     اما الخيط الثاني من الرواية فتنسجه المعشوقة الغامضة (هيام) التي اكتشفها البطل الرئيسي للرواية (محسن الرملي) بالصدفة المحضة حين انشا حسابا الكترونيا لشقيقه حسن مطلك وأخطأ صدفة في كلمة المرور ليجد نفسه امام فيض رسائل لمعشوقة حسن مطلك وعاشقته موجهة لشخصه مباشرة فقد كانت هيام تعنيه هو بدون تسمية وتطلق عليه الاسم نفسه.. فهي معشوقة تبقى بلا ملامح واضحة على مدار الرواية التي تنشطر بين الـ(هي/ هيام)  والـ(أنا/ محسن الرملي)  وتبقى هيام في رسائلها الالكترونية (الايميلات) تدور في مدار علاقتها بزوجها وأولادها فضلا عنى طفولتها وعلاقاتها العاطفية  خلال المرحلة الجامعية ،زد على ذلك ان المتخيل السردي يعكس بجرأة ولع هيام بالشخصية الثانوية (بشعة) حد الوقوع في شرك الغواية الجسدية مع "بشعة" الشخصية القروية المفتونة بالأجساد الانثوية، زد على ذلك ان المتخيل السردي يهرب في حقائبه  كل ما يخص العراق من فلكلور وطقوس قروية والمدينية ليغمرك بفطرة الأرض ونداوتها كما ينقلك الى تفاصيل  المنظومة الاجتماعية الابوية من جانب ومن جانب اخر المنظومة الحزبية التي تحكم سيطرتها على هيام واسرتها ، اما التواصل النفسي بين هيام (المعشوقة المتخيلة) والبطل الرئيس للرواية (محسن الرملي) فبقي مبتورا وغير قابل للتحقق  خلال مجريات الاحداث التي عصفت بهما وفي سياقات مختلفة تماما لذلك يجد افق التلقي انه امام نصين روائيين منفصلين عمد الروائي الى اقحام هيام وبوحها المتصل لإخراج النص الأصل من سيريته لتكون الرواية نصا يواشج بين السيري والروائي، بمعنى لو اقتطعنا مسرودات هيام وبوحها المتصل عبر ايميلاتها من النص الروائي لما اثر بل ربما لكان نصا سيريا بامتياز لكن الوعي الجمالي شاء ان يفتح من خلال ايميلات هيام نافذة اخرى على حياة حسن مطلك وعلى عراقيي الداخل ويومياتهم لتوثق تلك الايميلات حياة العراقيين تحت براثن الموت والرعب والبطش الحزب الأوحد. الا ان جنوح المتخيل الروائي صوب احتمالية اللقاء بين هيام (المتخيلة التي تقيم في إسبانيا بسبب الظرف الطاحن في العراق) وبين الشخصية الواقعية (محسن الرملي الذي سيسافر الى إسبانيا بسبب قبوله في الدراسات العليا هنا وهو تطابق واضح مع سيرة المؤلف) وهو لقاء ارهصت به الاستهلالة اذ ورد: (وجئت الى اسبانيا بحثا عن المرأة التي كتبته... انها امرأة تبحث عن الحب وانا ابحث عنها، ص ١١) منح الرواية نهاية مفتوحة، تاركةً المجال أمام التلقي ليطرح تساؤلات حول مصير البطل، وحول جدوى الحب والمنفى؟

    خلاصة القول، فقد نجح المتخيل السردي في ان يجعل من رواية (ذئبة الحب والكتب) شهادة أدبية تتجاوز حدود السيرة الذاتية لتصبح وثيقة لحياة المثقف المنفي في داخل العراق متمثلا بحسن مطلك الذي بقي طي ايميلات هيام وخارجه متمثلا بمحسن الرملي (الشخصية الرئيسية/ المؤلف) خلال حقبة معقدة في تاريخ العراق الحديث، زد على ذلك ان المواشجة بين السيرة الذاتية والخيال بطريقة فتحت افقا من التساؤلات منها: هل كانت الرواية وسيلة للبوح والتطهر من عقابيل الماضي؟ أم صرخة احتجاج بوجه القرارات السياسية التي شظّت حياة الانسان العراقي فبقي معلقا في اللامكان؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

(*): https://www.youtube.com/watch?v=wpSDd285UiU

دكتورة وجدان الصائغ ودكتور محسن الرملي 2023 مدريد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*نشرت في مجلة (نزوى)، العدد 123 مسقط 2025م

https://www.nizwa.om/

الخميس، 31 يوليو 2025

قصص الرملي / آخر القرويين / صحافة

 

صحافة

آخر القرويين

قصص

محسن الرملي

بعض صفحات وروابط ما نشر من أخبار عن صدور، المجموعة القصصية الجديدة لـ محسن الرملي: آخر القرويين

 

*في صحيفة (المدى)، العدد 5942 بتاريخ 14 تموز 2025م 

https://almadapaper.net/file-sections/

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

*في موقع: ضفة ثالثة

آخر القرويين.. لمحسن الرملي 

صدرت حديثًا عن دار المدى المجموعة القصصية "آخِر القَروِيِّين" وهي الخامسة للكاتب العراقي محسن الرملي الذي حظيت تجربته القصصية باهتمام نقّاد قدّموا عنها دراسات أكاديمية بأكثر من لغة.

وكان آخر ما صدر للرملي مجلد يضم مجموعاته القصصية عن دار المدى، أيضًا، بعنوان "تحفة السهران".

وكتب الروائي علي بدر عن المجلد:
"هذه القصص هي واحدة من أبرز ما أنتجه السرد العراقي، لغة وأسلوبًا وخيالًا، لوهلة كنت شككت أن يتمكن أحد العراقيين من خلق استمرار ناضج لما أنتجه الأدب العراقي من قصة قصيرة، منذ فؤاد التكرلي، ومرورًا بمحمد خضير، الذي عدّه النقاد قمة ما أنتج في هذا الجنس أو النوع، لكن المفاجأة الحقيقية مع محسن الرملي هي قدرته على خلق عوالم من الطرف القصي للأدب العراقي، الذي كان مدنيًا بمجمله. يقودنا الرملي إلى ريف قريب منا ولا نعرفه، بعبقرية لافتة يكتب عن ريفه البعيد، القصي النائي، وبخليط حقيقي، كأنه مزيج بين إيتماتوف، وشولوخوف، ولكن بأسلوب محلي كامل ينتمي إلى الشمال العربي من العراق، في قرية محصورة بين النهر وجبل مكحول، ريف فقير باقتصاده وغني بأساطيره وحكاياته.
"يرسم محسن الرملي بعفوية تامة التحولات السياسية والاجتماعية لهذا الريف، ويتتبع بصورة ذكية، غير محسوسة، أثر السلطة التي تتكون في البعيد، على أقصى الخريطة في هذا الريف الذي يبدو منفيًا، لكنه أقرب إلينا من نبضنا.

"إن قراءة محسن الرملي متعة حقيقية ومعرفة حقيقية وفائدة من هذا الأدب".

https://diffah.alaraby.co.uk/diffah//books/2025/6/11/%D8%A2%D8%AE%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D9%88%D9%8A%D9%8A%D9%86-%D9%84%D9%85%D8%AD%D8%B3%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%85%D9%84%D9%8A

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

*في صحيفة: الحياة الجديدة 

https://www.alhaya.ps/ar/Article/167336/%D8%A2%D8%AE%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D9%88%D9%8A%D9%8A%D9%86-%D9%84%D9%85%D8%AD%D8%B3%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%85%D9%84%D9%8A

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

*في شبكة 964 

رند علي – دار المدى:

من بين أكثر الكتب التي حظيت بإقبال خلال هذه الفترة، مجموعة قصصية بعنوان “آخر القرويين” للدكتور محسن الرملي، وتتألف كل قصة تقريباً من صفحة أو صفحتين، وهي قصص سلسة جداً من حيث البناء، ومغزاها عميق، وتحمل معانٍ وجدانية رائعة تتحدث عن بساطة الحياة في القرية وجمالها

https://964media.com/557606/

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

*في صفحات: كوب شاي

آخر القرويين.. مجموعة قصصية جديدة للكاتب محسن الرملي

أخبار ثقافية - كوب شاي
📌 صدر اليوم الاثنين، 14 أبريل، عن دار المدى، الكتاب الجديد للكاتب محسن الرملي: “آخر القرويين”، وهو مجموعة قصصية باللغة العربية تحمل في طياتها أصواتًا منسية ونبضات ريفية تنتمي إلى عمق الذاكرة العراقية.
📌 يتصدر الغلاف الأول لوحة فنية أبدعها خصيصًا الفنان سيف مطر، بينما يزين الغلاف الأخير نص كتب خصيصًا لهذه المجموعة من قبل الروائي العراقي المعروف علي بدر، في إشارة إلى تلاقي الرؤى الإبداعية بين كُتّاب الجيل الواحد.
📌وتأتي “آخر القرويين” لتضيف حلقة جديدة في مشروع الرملي الأدبي الذي لطالما اشتبك مع الذاكرة والمكان والهوية، وتُعَدّ بمثابة مرآة فنية تعكس واقعًا عراقيًا غائبًا أو مغيَّبًا عن السرد الحديث.
من هو محسن الرملي؟
📌 كاتب وشاعر وأكاديمي ومترجم عراقي. وُلد عام 1967 في قرية سديرة، التابعة لقضاء الشرقاط بمحافظة صلاح الدين، شمال العراق. يقيم في إسبانيا منذ عام 1995، حيث نال شهادة الدكتوراه بامتياز في الفلسفة والآداب من جامعة مدريد، مع درجة الشرف.
📌نشر العشرات من المقالات والمواد الأدبية في الصحافة العربية والإسبانية واللاتينية، كما ترجم العديد من الأعمال الأدبية بين اللغتين.
📌 له أكثر من عشرين إصدارًا في القصة القصيرة، الشعر، المسرح، الرواية، والترجمة.
📌تُرجمت بعض أعماله إلى لغات عدة، وشارك في مهرجانات ومؤتمرات أدبية حول العالم.

https://www.facebook.com/photo/?fbid=1262315702563019&set=a.533596615434935

https://www.instagram.com/p/DId_NNuC0PP/

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*للحصول عليها، من: نيل وفرات 

https://www.neelwafurat.com/itempage.aspx?id=lbb415103-414894&search=books

الاثنين، 30 يونيو 2025

فحوصات ثقافية: ورش الكتابة / محسن الرملي

 فحوصات ثقافية

وِرَش الكتابة الإبداعية 

بقلم: الدكتور محسن الرملي

إنه لأمر مؤسف أن نضطر إلى تكرار الحديث عن البديهيات، إلى أن يُقِر بها الجميع على أنها بديهيات... ولكن، لا غرابة، فربما نحن الأمة الوحيدة التي ما زال فيها كُثر؛ غير مقتنعين بأن الأرض كروية، وبأن قصيدة النثر هي شِعر أيضاً. لا أدري لماذا نُصِر على التَردد والتأخر في تقبُّل الجديد، بينما تأخذ به الأمم الأخرى سريعاً، مقتنعة بنفعه!

وفي هذا السياق، أتحدث هنا عن دورات أو وِرَش الكتابة الإبداعية، لأن الكثيرين لدينا ما زالوا غير مقتنعين بنفعها، بل ويصل الأمر بالبعض إلى حد التشكيك والسخرية، ولكن ما لاحظته، لحسن الحظ، أن جل المعارضين لها، هم من كبار السن وليسوا من الشباب، وهو الأمر نفسه الذي حدث سابقاً مع قضايا: قصيدة النثر، ومع ضرورة المُحرِّر الأدبي، والنشر والقراءة الإلكترونية، والقصص المُصوّرة.. وغيرها.. فهل نحتاج إلى إقامة وِرش نتحدث فيها عن أهمية الوِرش! لنقنعهم بأنها تكتشف المواهب، تصقل المهارات، تُعلّم التقنيات، تُثري الحواراـت، تُقدم الملاحظات، تجيب عن التساؤلات، تختصر المسافات، تُطبق التنظيرات وتُوجه القراءات والكِتابات! ليتها كانت سائدة من قبل، على أيامنا، لاختصرت علينا الطريق في التعَلّم واكتشاف أساليبنا ونقاط قوتنا وضعفنا، ووفرت علينا جهود التنقيب في مئات الكتب عن قواعد ونصائح للكتابة، والمراسلات الطويلة بانتظار أن يجيبنا أحدهم بملاحظاته على نصوصنا!

الغريب في الأمر؛ أن المعترضين على ورِش الكتابة، يُقرون ويدعون إلى ضرورة تدريب الموهوبين في سائر الفنون الأخرى كالموسيقى والمسرح والرقص والغناء والسينما والخط والنحت والتصميم والتصوير وما إلى ذلك، ويعترضون على الكتابة.. فهل شارك المُعتَرِض في ورشة ما، مُعلماً أو مُتعلماً؟ هل قرأ نصاً لمشترِك في ورشة، قبل دخوله ونصاً بعد الخروج منها، ولاحظ الفَرق؟ هل اطلع على تجارب ودراسات تقييمية لآلاف الورش في العالم؟ ورش الكتابة صارت تدخل حتى في المواد الجامعية، وأُنشِأت لها الكثير من المؤسسات، وتدعمها بعض الدول وتقدم المنح للمشاركين فيها، ولم أسمع أبداً عن أحد أنه ندم لدخوله في ورشة، وإنما العكس؛ الندم على عدم دخولها من قبل، فهي تعليم كأي تعليم آخر، حالها كأي ورش عملية تخص أي ميدان آخر أو صنعة أخرى، والعرب قديماً كانوا يصفون الأدب بأنه (صنعة) و(حِرفة)، وكانت له أسواق وأماكن وملتقيات ودكاكين وصالونات، كأسواق الوراقين والمربد وعكاظ، وفي العصر الحديث، كثير من كُتاب العالم شاركوا فيها كمتعلمين أو كمُعلمين، ومنهم حائزين على جائزة نوبل للآداب، أمثال: غابرييل ماركيز (نوبل 1983)، توني موريسون (نوبل 1993)، فارغاس يوسا (2010)، كازوو إيشيغورو (نوبل 2017)، لويز غلوك (نوبل 2020)، وكارلوس فوينتس وبورخس وسلمان رشدي وغيرهم... وحسب تجربتي مع الورش مُعلماً ومتعلماً، في أكثر من بلد وجامعة ومؤسسة، طوال أكثر من عقد، وجدتها عملية، علمية، نافعة ومثمرة، وأدعو لتسريع تفعيلها وتنشيطها في عالمنا العربي، وتجاوز تكرار الحديث، غير المُجدي، عن جدواها من عدمه، والسعي إلى إدخالها إلى مؤسساتنا التعليمية في كل مراحلها، فالكتابة الإبداعية تكاد تكون عِلماً، وهي المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بعلوم أخرى كعلم النفس، علم اللغة، علم الاجتماع، التاريخ، الجغرافيا، السياسة وعلم الجمال.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*نشرت في مجلة (كتاب)، عدد 81 يوليو 2025م الشارقة

https://xsi.sibf.com/content/uploads/publisherweekly/pdf/2_f62d2f8a030842e0bf8d17af8082a8.pdf

الاثنين، 9 يونيو 2025

فحوصات ثقافية: أيامنا الثقافية/ محسن الرملي

 

فحوصات ثقافية

أيامنا الثقافية.. بين التقليد والابتكار 

بقلم: الدكتور محسن الرملي

لا ضير بالتقليد، بل إن كبار المبدعين المعلمين ينصحون به أو يعتبرونه ضرورة، وخاصة في البدايات، إلى أن يتم لاحقاً إيجاد الأسلوب الخاص، شرط ألا يكون التقليد أعمى أو يتم التوقف عند حدوده والاكتفاء به، فهو على هذا النحو لن يشكل إضافة ما دام الأصل موجوداً. ومن بين الإشكاليات التي اعتدنا على تأشيرها في ثقافتنا العربية عموماً وننتقدها أحياناً، هي أننا نقلد الغرب، لكن تأمُّل ذلك على نحو آخر سيكشف لنا بأننا في الحقيقة لا نقلد وإنما نأخذ الأفكار أو البضائع جاهزة كما هي، كاملة أو ناقصة، دون أن نسعى لمحاولة تقليد صناعتها بأنفسنا، وإن حدث؛ فعادة ما يكون تقليداً ضعيفاً أو مشوّهاً، ثم نحكُم على أنفسنا بالتبعية وبالبقاء في خانة الاستهلاك وليس الإنتاج.

لنأخذ مسألة الأعياد والمناسبات الثقافية، والتي لا يكلف تقليدها شيئاً مُعجِزاً. مثلاً؛ يوم الكتاب الذي تَنتشر فيه الكتب حتى على الأرصفة، ويهرع الناس لشراء الكتب وتبادلها كهدايا مصحوبة بورد وعبارات جميلة، بحيث إن مدينة كبرشلونة يُباع فيها نصف مليون كتاب في هذا اليوم وحده.

اليوم العالمي للكتاب، يصادف ذكرى وفاة ثربانتس وشكسبير وغارثيلاسو ووفاة أو ولادة كُتاب آخرين من أمم مختلفة، لا ذِكر لأي عربي بينهم، ولا بأس بالمشاركة فيه، وإن كنا غير مشاركين في تقريره، على الرغم من عضوياتنا في اليونسكو. اليوم العالمي لكتاب الطفل تم تحديده بمناسبة ميلاد الكاتب الدنماركي اندرسن.. ولكن لماذا لا نُوجد لأنفسنا يومنا الخاص بالكتاب العربي أيضاً؟ بل وحتى يوم آخر للكتاب الوطني الخاص بكل بلد، فنحتفي بالكتاب ثلاث مرات سنوياً، ثم إيجاد أيام خاصة بأجناس أخرى، لم لا؟ لن يكلفنا الأمر سوى التفكير قليلاً، الاقتراح، المبادرة والاتفاق، وليكن يوم الكتاب العربي مثلاً في ذكرى وفاة الجاحظ، الذي أمضى حياته بين الكتب ولأجلها ومات تحتها إثر سقوط مكتبته عليه، أو أي يوم متعلق بكتاب أو بكاتب نعتز به.. كتاريخ الطبعة الأولى من (ألف ليلة وليلة). وأيامنا الخاصة بالقصة والمسرح والترجمة والسينما والنشر، ويومنا الخاص بالشِعر مرتبطاً بأحد تواريخ المتنبي أو غيره من كبار شعراء عربيتنا، ويوم للحب متعلقاً بقيس وليلى أو بابن حزم أو بابن عربي الذي قال إن ديني هو الحب، بدل تعلقه بالقديس فالنتين؟ ويوم للموسيقى يتعلق بالموصلي أو بزرياب، وللرواية يتعلق بمحفوظ، وللفن التشكيلي يتعلق بالواسطي، وللمرأة يتعلق بإحدى النساء العظيمات في تاريخنا.. وغيرها، مما نقلد فكرته ونعيد إنتاجه وفق خصوصيتنا. سيحترم الآخر هذه الخصوصية، بل وسيعتاد على تهنئتنا بها ومشاركتنا إياها، كما هو حاصل وبقوة باعترافه بأعيادنا الدينية رمضان والأضحى، وباليوم العالمي للغة العربية وبأعيادنا الوطنية، وكما هو حاصل مع مناسبات أمم أخرى، حيث صار الناس يحتفلون ويقدمون التهاني للصينيين بالسنة الصينية، ومهرجان ريو خانيرو البرازيلي ويوم الأموات المكسيكي وغيرها من مناسبات بقية الشعوب.

إننا نعيش في عصر يخترع المناسبات للاحتفاء والترويج والتثقيف، حتى صار لكل شيء يومه الذي يُذكِّر به ويعزز مكانته وتأثيره.. فلنبتكر المزيد من أيامنا الثقافية إذاً.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*نشرت في مجلة (كتاب) العدد 79، مايو 2025م

https://xsi.sibf.com/content/uploads/publisherweekly/pdf/2_47539912924c4690abbab24c12bf65.pdf

الأربعاء، 28 مايو 2025

القراء البحرينيون يناقشون رواية: تمر الأصابع

 

القُراء البحرينيون يناقشون رواية: تمر الأصابع

خاص/المنامة: قام أعضاء مبادرة القرّاء البحرينيون بمناقشة رواية "تمر الأصابع" للكاتب محسن الرملي، وذلك ضمن برنامج قراءات مجموعة التحدي الأسبوعي التابعة للمبادرة. وجرت المناقشة في مساء يوم الأربعاء الموافق 28 مايو 2025 الساعة السابعة والنصف مساءً في مكتبة الأيام (الكشكول).

(تمر الأصابع) هي الرواية الثانية للكاتب، صدرت باللغة الإسبانية أولاً في مدريد سنة 2008 ثم صدرت طبعتها العربية الأولى سنة 2009، وقد ترشحت هذه الرواية ضمن القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) سنة 2010. ومؤلفها محسن الرملي كاتب وأكاديمي ومترجم وشاعر عراقي يقيم في إسبانيا.

فيديو

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تحفة أدبية متفردة تتغلغل في الإنسان

 

مراجعة: وصال الهاشمي

لطالما آمنت بالأدب كمرآة عاكسة للتجارب الإنسانية. يأتي الدكتور محسن الرملي ليعزز قناعتي ويقدم لنا تحفة أدبية متفردة لا تلاصق الإنسان فحسب، وإنما تتغلغل فيه بعقده وتضاداته وإنسانيته المُهانة في هذا العالم القاسي، أو كما يصفه نوح في الرواية "العالم الجايف".
نص مبدع واقعي لم يخترق فيه الكاتب التابوهات الثلاث، بل هي التي اخترقته كما يقول الكاتب... نعم هناك جرأة وصفية مستفزة ومنفرة اتوقف عندها وأهدد الدكتور بأنني لن أقيّم الرواية بأكثر من نجمتين.. ولكن كاتب بهذه الأدوات السردية العظيمة وهذه الامكانات الفنية المهولة سرعان ما يُراضيني بصفحات تلامس إنسانيتي، تلامس جروحي من أعماقها، تخاطب عروبتي وآلامها، وتخاطب تلك المتضادات في كل نفس، وإن كابرنا وتعلينا عليها وتصنعنا مثالية غير موجودة في واقع غير مثالي.
أبهرتني وأبكتني في الرواية ثلاث مشاهد لا يتقنها إلا كاتب مغرق في الموهبة:
1ـــ المواجهة والحوار والخلاف والتصالح بين الأب والابن، في تفاصيل ومشاعر غاية في الابداع.
2ـــ حوار الأب مع الجد في حالة الوفاة، وكأنه يحكي معاناة البشرية في محاولة تمثل الكمال والجلال في وسط عالم أبعد ما يكون عنه.

3ــ حالة الفقد التي تسكن الفاقد أبد الدهر.. تتلبسه مثل جني لا يغادره، ويظهر في أدق التفاصيل اليومية وتلقي به، دون تمهيد، إلى نقطة الفقد الأولى وجرحها الدامي... لم أجد كاتباً استطاع توصيف هذا الألم مسبقاً.
هذه هي قراءتي الأولى، وفي جعبتي الكثير لأدلو به في عظمة هذه الرواية المجاورة للإنسانية.. البعيدة كل البعد عن مثالية لا واقعية.. ولدي رغبة باقتناء كل كتب الرملي في هذه اللحظة.
سأكتفي باقتباسين بثقل الذهب:
*
إن وطننا الحقيقي هو الذي نصوغه بأنفسنا كما نريد. الوطن مثل الحب يكون اِختياراً وليس فَرضاً.
*
أوقِف صعودك وتعاليك وخفف قليلاً من ثقل كرامتك، إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا. لن تصلح العالم وحدك، لن يكون العالم كما تريد ولا كما يريد أي أحد، كف عن تعاليك على ضعفنا فنحن بشر وجثثنا تتعفن. اِرحم ضعفنا وواقعيتنا وأخطائنا.. أبي، بالنسبة لي، أنت إله أو ممثل الرب في الأرض أمامي.. لكنني بشر محكوم بمحدوديتي، والبشر يتمردون على آلهتهم في لحظات ضعف أو في لحظات قوة.. أبي إنني أختنق بقيودك وأضيق ذرعا بأوامرك ونواهيك. إن روحي تقوى بالتزامها بك، لكنها تتوق للتنفس بعيدًا عن رقابتك.. أبي إني أُحبك بشكل يفوق محبتي لنفسي أحيانًا، لكنني في أحيان أخرى أتمنى عدم وجودك.

https://www.instagram.com/p/DKM5o0JMNUx/?hl=es

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

رواية مؤثرة عن المهجر

مراجعة: نبأ العلوي

كيف يمكن لكتابٍ من ١٧٣ صفحة أن يكون قادراً على التأثير فيَّ لدرجة انهمار الدموع من عيني أمام الملأ؟ هذا ما فعلته (تمر الأصابع) بي.
رواية عن المهجر، عن واقع العراقيين والعرب الذين اختاروا الاغتراب والمهجر هروباً من واقع بلدانهم الأليم. هي قصة نوح وسليم، وعائلتهم الكبيرة التي ما هي إلا رواية كل عربي هجر وطنه، يمتزج فيها ألم الغربة بتشتت الهوية، مع تأثير الأنظمة الفاسدة، والحروب، تاركة ندوباً في ذاكرة القلب لا تُشفى أبداً.
رواية تحكي بين المتضادات، الشرق والغرب، الخير والشر، الدين والمعتقدات (الموروث)، الواقع والحلم، الألم والأمل، الحرب والسلام، الوطن والمهجر، ما يريده الفرد مقارنة بما يريده المجتمع.
رواية تحكي عن علاقة الأهل ببعضهم. عن حمل هدف العائلة الأسمى، عن تحولنا دون أن نشعر إلى آبائنا، أو أن نحمل جزءاً منهم في داخلنا.
أكثر ما أعجبني وأثر بي واستحوذ على جزء من تساؤلاتي هو: كيف يمكن أن تكون تركيبتنا البشرية قائمة على شخصيات أخرى في الحياة، وإلى أي مدى نحمل نحن كأفراد أجزاء من شخصيات آبائنا وأجدادنا؟ هل ورثناها منهم أم أنها جاءت بحكم القرابة، نحملها في جيناتنا وتظهر في العلن ويدركها غيرتا دون أن ندرك نحن ذلك؟
رواية مؤثرة ومميزة، قراءتي الأولى لمحسن الرملي وحتماً لن تكون الأخيرة.
اقتباسات من الرواية:

*إن وطننا الحقيقي هو الذي نصوغه نحن بأنفسنا كما نريد.. لا كما صاغه غيرنا، كما فعل الطاغية.. إنه على هذا النحو ليس الوطن الذي نريده.. ولهذا هجرناه. الوطن مثل الحب يكون اختياراً وليس فرضاً.
*انتابني التفكير بأننا نحن الثلاثة نتشابه في أشياء كثيرة، ربما نحن في الأصل شخص واحد تعدد في أكثر من جسد وجيل، لكننا نختلف عن بعضنا في الكثير أيضاً! فهل هو نوع من محاولات الطبيعة البشرية للتكامل؟

https://www.instagram.com/p/DKM7ullsz6F/?hl=es 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تمر الأصابع تجربة وجودية بلغة متينة

مراجعة: فكري المقدادي

في "تمر الأصابع"، يبرهن محسن الرملي مرة أخرى على أنه أحد أكثر الأصوات العراقية والعربية قدرة على التقاط نبض الإنسان الممزق بين جغرافيا الوطن وخرائط المنفى، بين ذاكرة الطفولة وقلق الحاضر، بين صراخ الجسد وهمس الروح.

هذه الرواية ليست مجرد نص سردي، بل هي تجربة وجودية مكتوبة بلغة متينة، آسرة، وذات قدرة استثنائية على النفاذ إلى أعماق النفس البشرية.

عمق البناء الروائي وتعدد الأصوات

يستند الرملي في بنائه الروائي إلى تعدد الأصوات وتداخل الأزمنة، فيجعل من الحكاية نسيجاً مركباً من الذكريات، الاعترافات، والأحلام المجهضة. تتداخل حكايات ثلاثة أجيال، ويتقاطع مصير الأب نوح مع الابن سليم، ليشكلا معاً مرآة تعكس مأساة العراق الحديث، وتراجيديا الإنسان العربي في زمن الانكسارات.
لا يكتفي الرملي بالسرد الخطي، بل يشتبك مع الزمن، فيتنقل بين الماضي والحاضر، بين بغداد ومدريد، بين القرية والمدينة، ليخلق فضاء روائياً نابضاً بالحركة والاضطراب.

اللغة: بين الشعرية والواقعية

لغة الرملي في "تمر الأصابع" متينة، مشحونة بطاقة شعرية عالية، لكنها في الوقت ذاته واقعية، دقيقة، لا تستسلم للإطناب ولا للزخرفة المجانية. هو يكتب بوعي الشاعر وصرامة الروائي، فيمنح كل مشهد، مهما كان عابراً، بعداً رمزياً أو دلالة عميقة.

تتجلى براعة الرملي في قدرته على رسم التفاصيل الصغيرة التي تصنع الفارق: رائحة الخبز في بيت الطفولة، ارتجافة يد الأب، طيف الحنين الذي يلاحق البطل في شوارع مدريد، أو حتى المفارقات الساخرة التي تكشف هشاشة الإنسان وسط صخب العالم.

الثنائيات والتناقضات: صراع لا ينتهي

من أبرز ما يميز الرواية هو قدرتها على تعرية التناقضات التي تحكم حياة الإنسان: الشرق والغرب، الماضي والحاضر، الجسد والروح، المقدس والمدنس، العدل والظلم. لا يقع الرملي في فخ التبسيط أو الانحياز، بل يمنح كل طرف من هذه الثنائيات حقه من العمق والجدل.

شخصياته ليست أحادية، بل معقدة، متحولة، تحمل في داخلها بذور التمرد والخضوع معاً. الأب نوح، مثلاً، هو رجل يحمل في قلبه اثنين: واحد يحن إلى ماضيه، وآخر يتأقلم مع واقعه الجديد، دون أن يتخلى عن أي منهما.

هذه التناقضات ليست مجرد زينة فكرية، بل هي جوهر التجربة الإنسانية في الرواية، وهي ما يمنح النص صدقه وقوته.

الرمزية والبعد الإنساني

يمتلك الرملي قدرة لافتة على تحويل التفاصيل اليومية إلى رموز كبرى، وعلى جعل الجسد مرآة للروح، والغربة مرادفاً للبحث عن الذات. حتى المشاهد الإيحائية، التي قد تثير الجدل، لا تأتي في سياق مبتذل أو استعراضي، بل تحمل شحنة نفسية وروحية، وتكشف عن هشاشة الإنسان في مواجهة رغباته وحنينه وأزماته.

نقد الواقع بلا مراوغة

لا يهادن الرملي الواقع، بل يواجهه بسخرية مرة حيناً، وبحزن شفيف حيناً آخر. يسخر من جهل القرية كما يسخر من زيف المدينة، ويعرّي تناقضات المجتمعين دون أن يقع في فخ التعميم أو الكليشيه.
هو يكتب عن العراق لا بوصفه جغرافيا فقط، بل بوصفه جرحاً مفتوحاً في الذاكرة، ووطناً يتشكل في المنفى كما في الحلم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إشكالية الوطن في تمر الأصابع

مراجعة: ياسمين الطيف

"لا أريد وطناً.. لست بحاجة إلى أي وطن.."

لا تحمل الأوطان وكما قيل في الرواية إلا الوجع، وإلى متى؟

لذلك رأى بطل الرواية الوطن كما في هذا الاقتباس قال: "إن وطننا الحقيقي هو الذي نصوغه نحن بأنفسنا كما نريد.. لا كما صاغه غيرنا، كما فعل الطاغية.. إنه على هذا النحو ليس الوطن الذي نريده.. ولهذا هجرناه. الوطن مثل الحب يكون اختياراً وليس فرضاً"

ونجد أبطال الرواية بالأجيال الثلاثة صاغت لها وطن كلًا بطريقته، فالشيخ مطلق الجد أخذ وطنه بالتمسك وكان لابد للتمر أن يتواجد في منزله فالتمر من النخيل الذي يمتاز في العراق ويحتل مكانة كبيرة منذ الأزل هناك وهو رمزٌ للحياة والخصوبة والاستقرار. بينما كان نوح الأب يجد في التمر حل لمشكلة كبيرة في حياته، ونجد سليم الابن يجد في التمر غذاء وقوة له بأكله في وجباته ويتلذذ بكل تواجد للتمر.

فتمسك الجد بالوطن، بينما ضاع من يد نوح ويحاول إيجاده كما هرب طوفان نوح البلد التي كان يعيش فيها، ويحاول سليم العودة بكل حنينه إلى وطن سليم كاسمه.

لو نظرنا إلى هذه الرواية من زاوية عراقية لعرفت إبداع الرملي فيها، ببداية قوية يصف فيها الوطن العراقي بسلطة طاغية ومستبدة وشعب لا ينكسر ويتمسك بكرامته وأصله، ولا يجده في وطنه فيغترب كحال الكثيرين فنعيش الغربة في إيجاد الهوية والحنين إلى الوطن مع كل مغترب، وفي النهاية المبدعة نجد الشعب العراقي المنقسم بين نوح الذي يواصل ويناضل بكل قواه حتى يثأر ويتمسك بموروثات من أيام أجداده، وسليم وفاطمة في كسر حاجز الأوطان فيتزوج العراقي من المغربية والعيش حياة هادئة تحاول التمسك بدينها الأصلي والأمل في وطن صالح وشعب يتخلى من موروثات لا تقدم ولا تفيد بل قد تضيع الفرد.

وبعيدًا عن كل هذا كانت هناك العلاقات الأسرية وجدت الأم هي الوطن وعلاقتها بالزوج أو الابن هي كالوطن الحاني الذي يحاول إلمام الجميع ويتشوق لعودته. والأخت إستبرق مع سليم علاقة جميلة سطرها لنا في أروع وأفضل صورة من خلال مخبأ الأسرار، وكما احتفاظ إستبرق بصورة سليم كالبطل الذي تنتظر منه الجميل والعيش الهانئ.

https://www.instagram.com/p/DKR1fOSsSgp/?hl=es

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ