الاثنين، 30 يونيو 2025

فحوصات ثقافية: ورش الكتابة / محسن الرملي

 فحوصات ثقافية

وِرَش الكتابة الإبداعية 

بقلم: الدكتور محسن الرملي

إنه لأمر مؤسف أن نضطر إلى تكرار الحديث عن البديهيات، إلى أن يُقِر بها الجميع على أنها بديهيات... ولكن، لا غرابة، فربما نحن الأمة الوحيدة التي ما زال فيها كُثر؛ غير مقتنعين بأن الأرض كروية، وبأن قصيدة النثر هي شِعر أيضاً. لا أدري لماذا نُصِر على التَردد والتأخر في تقبُّل الجديد، بينما تأخذ به الأمم الأخرى سريعاً، مقتنعة بنفعه!

وفي هذا السياق، أتحدث هنا عن دورات أو وِرَش الكتابة الإبداعية، لأن الكثيرين لدينا ما زالوا غير مقتنعين بنفعها، بل ويصل الأمر بالبعض إلى حد التشكيك والسخرية، ولكن ما لاحظته، لحسن الحظ، أن جل المعارضين لها، هم من كبار السن وليسوا من الشباب، وهو الأمر نفسه الذي حدث سابقاً مع قضايا: قصيدة النثر، ومع ضرورة المُحرِّر الأدبي، والنشر والقراءة الإلكترونية، والقصص المُصوّرة.. وغيرها.. فهل نحتاج إلى إقامة وِرش نتحدث فيها عن أهمية الوِرش! لنقنعهم بأنها تكتشف المواهب، تصقل المهارات، تُعلّم التقنيات، تُثري الحواراـت، تُقدم الملاحظات، تجيب عن التساؤلات، تختصر المسافات، تُطبق التنظيرات وتُوجه القراءات والكِتابات! ليتها كانت سائدة من قبل، على أيامنا، لاختصرت علينا الطريق في التعَلّم واكتشاف أساليبنا ونقاط قوتنا وضعفنا، ووفرت علينا جهود التنقيب في مئات الكتب عن قواعد ونصائح للكتابة، والمراسلات الطويلة بانتظار أن يجيبنا أحدهم بملاحظاته على نصوصنا!

الغريب في الأمر؛ أن المعترضين على ورِش الكتابة، يُقرون ويدعون إلى ضرورة تدريب الموهوبين في سائر الفنون الأخرى كالموسيقى والمسرح والرقص والغناء والسينما والخط والنحت والتصميم والتصوير وما إلى ذلك، ويعترضون على الكتابة.. فهل شارك المُعتَرِض في ورشة ما، مُعلماً أو مُتعلماً؟ هل قرأ نصاً لمشترِك في ورشة، قبل دخوله ونصاً بعد الخروج منها، ولاحظ الفَرق؟ هل اطلع على تجارب ودراسات تقييمية لآلاف الورش في العالم؟ ورش الكتابة صارت تدخل حتى في المواد الجامعية، وأُنشِأت لها الكثير من المؤسسات، وتدعمها بعض الدول وتقدم المنح للمشاركين فيها، ولم أسمع أبداً عن أحد أنه ندم لدخوله في ورشة، وإنما العكس؛ الندم على عدم دخولها من قبل، فهي تعليم كأي تعليم آخر، حالها كأي ورش عملية تخص أي ميدان آخر أو صنعة أخرى، والعرب قديماً كانوا يصفون الأدب بأنه (صنعة) و(حِرفة)، وكانت له أسواق وأماكن وملتقيات ودكاكين وصالونات، كأسواق الوراقين والمربد وعكاظ، وفي العصر الحديث، كثير من كُتاب العالم شاركوا فيها كمتعلمين أو كمُعلمين، ومنهم حائزين على جائزة نوبل للآداب، أمثال: غابرييل ماركيز (نوبل 1983)، توني موريسون (نوبل 1993)، فارغاس يوسا (2010)، كازوو إيشيغورو (نوبل 2017)، لويز غلوك (نوبل 2020)، وكارلوس فوينتس وبورخس وسلمان رشدي وغيرهم... وحسب تجربتي مع الورش مُعلماً ومتعلماً، في أكثر من بلد وجامعة ومؤسسة، طوال أكثر من عقد، وجدتها عملية، علمية، نافعة ومثمرة، وأدعو لتسريع تفعيلها وتنشيطها في عالمنا العربي، وتجاوز تكرار الحديث، غير المُجدي، عن جدواها من عدمه، والسعي إلى إدخالها إلى مؤسساتنا التعليمية في كل مراحلها، فالكتابة الإبداعية تكاد تكون عِلماً، وهي المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بعلوم أخرى كعلم النفس، علم اللغة، علم الاجتماع، التاريخ، الجغرافيا، السياسة وعلم الجمال.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*نشرت في مجلة (كتاب)، عدد 81 يوليو 2025م الشارقة

https://xsi.sibf.com/content/uploads/publisherweekly/pdf/2_f62d2f8a030842e0bf8d17af8082a8.pdf

الاثنين، 9 يونيو 2025

فحوصات ثقافية: أيامنا الثقافية/ محسن الرملي

 

فحوصات ثقافية

أيامنا الثقافية.. بين التقليد والابتكار 

بقلم: الدكتور محسن الرملي

لا ضير بالتقليد، بل إن كبار المبدعين المعلمين ينصحون به أو يعتبرونه ضرورة، وخاصة في البدايات، إلى أن يتم لاحقاً إيجاد الأسلوب الخاص، شرط ألا يكون التقليد أعمى أو يتم التوقف عند حدوده والاكتفاء به، فهو على هذا النحو لن يشكل إضافة ما دام الأصل موجوداً. ومن بين الإشكاليات التي اعتدنا على تأشيرها في ثقافتنا العربية عموماً وننتقدها أحياناً، هي أننا نقلد الغرب، لكن تأمُّل ذلك على نحو آخر سيكشف لنا بأننا في الحقيقة لا نقلد وإنما نأخذ الأفكار أو البضائع جاهزة كما هي، كاملة أو ناقصة، دون أن نسعى لمحاولة تقليد صناعتها بأنفسنا، وإن حدث؛ فعادة ما يكون تقليداً ضعيفاً أو مشوّهاً، ثم نحكُم على أنفسنا بالتبعية وبالبقاء في خانة الاستهلاك وليس الإنتاج.

لنأخذ مسألة الأعياد والمناسبات الثقافية، والتي لا يكلف تقليدها شيئاً مُعجِزاً. مثلاً؛ يوم الكتاب الذي تَنتشر فيه الكتب حتى على الأرصفة، ويهرع الناس لشراء الكتب وتبادلها كهدايا مصحوبة بورد وعبارات جميلة، بحيث إن مدينة كبرشلونة يُباع فيها نصف مليون كتاب في هذا اليوم وحده.

اليوم العالمي للكتاب، يصادف ذكرى وفاة ثربانتس وشكسبير وغارثيلاسو ووفاة أو ولادة كُتاب آخرين من أمم مختلفة، لا ذِكر لأي عربي بينهم، ولا بأس بالمشاركة فيه، وإن كنا غير مشاركين في تقريره، على الرغم من عضوياتنا في اليونسكو. اليوم العالمي لكتاب الطفل تم تحديده بمناسبة ميلاد الكاتب الدنماركي اندرسن.. ولكن لماذا لا نُوجد لأنفسنا يومنا الخاص بالكتاب العربي أيضاً؟ بل وحتى يوم آخر للكتاب الوطني الخاص بكل بلد، فنحتفي بالكتاب ثلاث مرات سنوياً، ثم إيجاد أيام خاصة بأجناس أخرى، لم لا؟ لن يكلفنا الأمر سوى التفكير قليلاً، الاقتراح، المبادرة والاتفاق، وليكن يوم الكتاب العربي مثلاً في ذكرى وفاة الجاحظ، الذي أمضى حياته بين الكتب ولأجلها ومات تحتها إثر سقوط مكتبته عليه، أو أي يوم متعلق بكتاب أو بكاتب نعتز به.. كتاريخ الطبعة الأولى من (ألف ليلة وليلة). وأيامنا الخاصة بالقصة والمسرح والترجمة والسينما والنشر، ويومنا الخاص بالشِعر مرتبطاً بأحد تواريخ المتنبي أو غيره من كبار شعراء عربيتنا، ويوم للحب متعلقاً بقيس وليلى أو بابن حزم أو بابن عربي الذي قال إن ديني هو الحب، بدل تعلقه بالقديس فالنتين؟ ويوم للموسيقى يتعلق بالموصلي أو بزرياب، وللرواية يتعلق بمحفوظ، وللفن التشكيلي يتعلق بالواسطي، وللمرأة يتعلق بإحدى النساء العظيمات في تاريخنا.. وغيرها، مما نقلد فكرته ونعيد إنتاجه وفق خصوصيتنا. سيحترم الآخر هذه الخصوصية، بل وسيعتاد على تهنئتنا بها ومشاركتنا إياها، كما هو حاصل وبقوة باعترافه بأعيادنا الدينية رمضان والأضحى، وباليوم العالمي للغة العربية وبأعيادنا الوطنية، وكما هو حاصل مع مناسبات أمم أخرى، حيث صار الناس يحتفلون ويقدمون التهاني للصينيين بالسنة الصينية، ومهرجان ريو خانيرو البرازيلي ويوم الأموات المكسيكي وغيرها من مناسبات بقية الشعوب.

إننا نعيش في عصر يخترع المناسبات للاحتفاء والترويج والتثقيف، حتى صار لكل شيء يومه الذي يُذكِّر به ويعزز مكانته وتأثيره.. فلنبتكر المزيد من أيامنا الثقافية إذاً.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*نشرت في مجلة (كتاب) العدد 79، مايو 2025م

https://xsi.sibf.com/content/uploads/publisherweekly/pdf/2_47539912924c4690abbab24c12bf65.pdf