فحوصات ثقافية
وِرَش الكتابة الإبداعية
بقلم:
الدكتور محسن الرملي
إنه لأمر مؤسف أن نضطر إلى
تكرار الحديث عن البديهيات، إلى أن يُقِر بها الجميع على أنها بديهيات... ولكن، لا
غرابة، فربما نحن الأمة الوحيدة التي ما زال فيها كُثر؛ غير مقتنعين بأن الأرض
كروية، وبأن قصيدة النثر هي شِعر أيضاً. لا أدري لماذا نُصِر على التَردد والتأخر
في تقبُّل الجديد، بينما تأخذ به الأمم الأخرى سريعاً، مقتنعة بنفعه!
وفي هذا السياق، أتحدث هنا عن دورات أو وِرَش الكتابة الإبداعية، لأن
الكثيرين لدينا ما زالوا غير مقتنعين بنفعها، بل ويصل الأمر بالبعض إلى حد التشكيك
والسخرية، ولكن ما لاحظته، لحسن الحظ، أن جل المعارضين لها، هم من كبار السن
وليسوا من الشباب، وهو الأمر نفسه الذي حدث سابقاً مع قضايا: قصيدة النثر، ومع ضرورة
المُحرِّر الأدبي، والنشر والقراءة الإلكترونية، والقصص المُصوّرة.. وغيرها.. فهل
نحتاج إلى إقامة وِرش نتحدث فيها عن أهمية الوِرش! لنقنعهم بأنها تكتشف المواهب،
تصقل المهارات، تُعلّم التقنيات، تُثري الحواراـت، تُقدم الملاحظات، تجيب عن
التساؤلات، تختصر المسافات، تُطبق التنظيرات وتُوجه القراءات والكِتابات! ليتها كانت سائدة من قبل، على أيامنا، لاختصرت
علينا الطريق في التعَلّم واكتشاف أساليبنا ونقاط قوتنا وضعفنا، ووفرت علينا جهود
التنقيب في مئات الكتب عن قواعد ونصائح للكتابة، والمراسلات الطويلة بانتظار أن
يجيبنا أحدهم بملاحظاته على نصوصنا!
الغريب
في الأمر؛ أن المعترضين على ورِش الكتابة، يُقرون ويدعون إلى ضرورة تدريب
الموهوبين في سائر الفنون الأخرى كالموسيقى والمسرح والرقص والغناء والسينما والخط
والنحت والتصميم والتصوير وما إلى ذلك، ويعترضون على الكتابة.. فهل شارك المُعتَرِض
في ورشة ما، مُعلماً أو مُتعلماً؟ هل قرأ نصاً لمشترِك في ورشة، قبل دخوله ونصاً
بعد الخروج منها، ولاحظ الفَرق؟ هل اطلع على تجارب ودراسات تقييمية لآلاف الورش في
العالم؟ ورش الكتابة صارت تدخل حتى في المواد الجامعية، وأُنشِأت لها الكثير
من المؤسسات، وتدعمها بعض الدول وتقدم المنح للمشاركين فيها، ولم أسمع أبداً عن
أحد أنه ندم لدخوله في ورشة، وإنما العكس؛ الندم على عدم دخولها من قبل، فهي تعليم
كأي تعليم آخر، حالها كأي ورش عملية تخص أي ميدان آخر أو صنعة أخرى، والعرب قديماً
كانوا يصفون الأدب بأنه (صنعة) و(حِرفة)، وكانت له أسواق وأماكن وملتقيات ودكاكين
وصالونات، كأسواق الوراقين والمربد وعكاظ، وفي العصر الحديث، كثير من كُتاب العالم
شاركوا فيها كمتعلمين أو كمُعلمين، ومنهم حائزين على جائزة نوبل للآداب، أمثال: غابرييل
ماركيز (نوبل 1983)، توني موريسون (نوبل 1993)، فارغاس يوسا (2010)، كازوو
إيشيغورو (نوبل 2017)، لويز غلوك (نوبل 2020)، وكارلوس فوينتس وبورخس وسلمان رشدي
وغيرهم... وحسب تجربتي مع الورش مُعلماً ومتعلماً، في أكثر من بلد وجامعة ومؤسسة، طوال
أكثر من عقد، وجدتها عملية، علمية، نافعة ومثمرة، وأدعو لتسريع تفعيلها وتنشيطها
في عالمنا العربي، وتجاوز تكرار الحديث، غير المُجدي، عن جدواها من عدمه، والسعي
إلى إدخالها إلى مؤسساتنا التعليمية في كل مراحلها، فالكتابة الإبداعية تكاد تكون
عِلماً، وهي المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بعلوم أخرى كعلم النفس، علم اللغة، علم
الاجتماع، التاريخ، الجغرافيا، السياسة وعلم الجمال.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*نشرت
في مجلة (كتاب)، عدد 81 يوليو 2025م الشارقة