فحوصات
ثقافية
أيامنا
الثقافية.. بين التقليد والابتكار
بقلم:
الدكتور محسن الرملي
لا ضير بالتقليد، بل إن
كبار المبدعين المعلمين ينصحون به أو يعتبرونه ضرورة، وخاصة في البدايات، إلى أن
يتم لاحقاً إيجاد الأسلوب الخاص، شرط ألا يكون التقليد أعمى أو يتم التوقف عند
حدوده والاكتفاء به، فهو على هذا النحو لن يشكل إضافة ما دام الأصل موجوداً. ومن
بين الإشكاليات التي اعتدنا على تأشيرها في ثقافتنا العربية عموماً وننتقدها
أحياناً، هي أننا نقلد الغرب، لكن تأمُّل ذلك على نحو آخر سيكشف لنا بأننا في
الحقيقة لا نقلد وإنما نأخذ الأفكار أو البضائع جاهزة كما هي، كاملة أو ناقصة، دون
أن نسعى لمحاولة تقليد صناعتها بأنفسنا، وإن حدث؛ فعادة ما يكون تقليداً ضعيفاً أو
مشوّهاً، ثم نحكُم على أنفسنا بالتبعية وبالبقاء في خانة الاستهلاك وليس الإنتاج.
لنأخذ مسألة الأعياد
والمناسبات الثقافية، والتي لا يكلف تقليدها شيئاً مُعجِزاً. مثلاً؛ يوم الكتاب الذي تَنتشر فيه الكتب حتى على الأرصفة، ويهرع
الناس لشراء الكتب وتبادلها كهدايا مصحوبة بورد وعبارات جميلة، بحيث إن مدينة
كبرشلونة يُباع فيها نصف مليون كتاب في هذا اليوم وحده.
اليوم
العالمي للكتاب، يصادف ذكرى وفاة ثربانتس وشكسبير وغارثيلاسو ووفاة أو ولادة كُتاب
آخرين من أمم مختلفة، لا ذِكر لأي عربي بينهم، ولا بأس بالمشاركة فيه، وإن كنا غير
مشاركين في تقريره، على الرغم من عضوياتنا في اليونسكو. اليوم العالمي لكتاب الطفل
تم تحديده بمناسبة ميلاد
الكاتب الدنماركي اندرسن.. ولكن لماذا لا نُوجد
لأنفسنا يومنا الخاص بالكتاب العربي أيضاً؟ بل وحتى يوم آخر للكتاب الوطني الخاص
بكل بلد، فنحتفي بالكتاب ثلاث مرات سنوياً، ثم إيجاد أيام خاصة بأجناس أخرى، لم
لا؟ لن يكلفنا الأمر سوى التفكير
قليلاً، الاقتراح، المبادرة والاتفاق، وليكن يوم الكتاب العربي مثلاً في ذكرى وفاة
الجاحظ، الذي أمضى حياته بين الكتب ولأجلها ومات تحتها إثر سقوط مكتبته عليه، أو
أي يوم متعلق بكتاب أو بكاتب نعتز به.. كتاريخ الطبعة الأولى من (ألف ليلة وليلة).
وأيامنا الخاصة بالقصة والمسرح والترجمة والسينما والنشر، ويومنا الخاص بالشِعر
مرتبطاً بأحد تواريخ المتنبي أو غيره من كبار شعراء عربيتنا، ويوم للحب متعلقاً
بقيس وليلى أو بابن حزم أو بابن عربي الذي قال إن ديني هو الحب، بدل تعلقه بالقديس
فالنتين؟ ويوم للموسيقى يتعلق بالموصلي أو بزرياب، وللرواية يتعلق بمحفوظ، وللفن
التشكيلي يتعلق بالواسطي، وللمرأة يتعلق بإحدى النساء العظيمات في تاريخنا..
وغيرها، مما نقلد فكرته ونعيد إنتاجه وفق خصوصيتنا. سيحترم الآخر هذه الخصوصية، بل
وسيعتاد على تهنئتنا بها ومشاركتنا إياها، كما هو حاصل وبقوة باعترافه بأعيادنا
الدينية رمضان والأضحى، وباليوم العالمي للغة العربية وبأعيادنا الوطنية، وكما هو
حاصل مع مناسبات أمم أخرى، حيث صار الناس يحتفلون ويقدمون التهاني للصينيين بالسنة
الصينية، ومهرجان ريو خانيرو البرازيلي ويوم الأموات المكسيكي وغيرها من مناسبات
بقية الشعوب.
إننا
نعيش في عصر يخترع المناسبات للاحتفاء والترويج والتثقيف، حتى صار لكل شيء يومه
الذي يُذكِّر به ويعزز مكانته وتأثيره.. فلنبتكر المزيد من أيامنا الثقافية إذاً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*نشرت
في مجلة (كتاب) العدد 79، مايو 2025م
https://xsi.sibf.com/content/uploads/publisherweekly/pdf/2_47539912924c4690abbab24c12bf65.pdf
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق