عن
محسن الرملي
عدنان
الفضلي
أتابع ومنذ فترة ليست بالقصيرة المنجز السردي الروائي للمبدع العراقي
المغترب محسن الرملي، هذا الروائي الذي ومن وجهة نظري الشخصية يقدم سرداً
مختلفاً عما يقدمه روائيون آخرون، فالرملي وعبر اشتغالاته المتعددة ينحت لنا ما
يمكن تسميته بالسرد المتمركز بعمق الواقع المشوّش، حيث تجده وهو يسحبك لعوالم
جديدة حتى وان كنت ضمنها، الا انك لن تجد نفسك بداخلها ما لم تسدد قراءتك باتجاه
الإزاحات التي يشتغل عليها السارد، ولعل ذلك كان متجلياً في روايته (حدائق
الرئيس) وهي الرواية التي وثقت لستة عقود من الضيم العراقي، ونبشت في عمق المأساة
التي عاشها المعذبون العراقيون بجحيم السلطات المتعاقبة، لكن توثيق الرملي لم يكن
بالتوثيق الكلاسيكي المبني على (ريبورتاجات) بل كان توثيقاً سردياً ترك للمفردة
الواصفة (الثيمة والدلالة) مهمة الإيصال، ففي هذه الرواية تحديداً يعرض لنا الرملي
كل موجبات و دوافع الشر التي عصفت بالبلاد نتيجة الطغيان الحكومي وثقافة القمع
التي يجيدها أغلب من حكموا العراق، حين لم تكن الاخلاق هي المرجعية الاساسية في
الممارسات الحياتية.
في رواية أخرى نشرت تحت
عنوان (تمر الأصابع) يعود محسن الرملي الى مشغلة المختص بتوثيق القهر
العراقي، حيث يركز في ثيمة العمل على توثيق طفولته وشبابه، مسترسلاً ببث موجات من
الوجع عبر الإشارة الى المعاناة غير الطبيعية التي تتناسل داخل الشخصية العراقية،
فهو وعبر اشتغالاته يرسل موجات من الإدانة للدكتاتورية القامعة التي أوصلت العراق
الى ما هو عليه اليوم، وهذه الرواية يمكن أن تكون مبتعدة في أجوائها عن ما تم طرحه
في روايته السابقة التي تحدثت عنها في أعلاه، لكنها تقترب منها من حيث الإشارات لا
الدلالات، وهو اشتغال يحسب للرملي حين يهرب عن التشابه عبر أدواته الروائية
الخاصة، علماً ان هذه الرواية كانت ضمن قائمة الست عشرة رواية المرشحة لنيل جائزة
البوكر العربية عام 2010.
سرد محسن الرملي، وان كان
مصدر بثه الغربة، الا أنه مازال بنكهة عراقية خالصة تستمد من الواقع العراقي ثيماته
ودلالاته ومدلولاته، لذلك وقريباً جداً، سنجده وقد خطف بوكراً عراقياً جديداً، فهو
الكاتب القادر على إيصال سنوات المحن العراقية، التي ورغم وجعها تأتي مبهرة، فتمنح
المتلقي لذة قراءة مختلفة، عبر تنوع الإشتغال، وروعة الوصف ورصّ المفردة السردية
الخالية من الشعرية، فضلاً عن كون الرملي يعد متابعاً ومنتمياً في ذات الوقت للسقم
العراقي المتناسل على يد الدكتاتورية الجديدة المتمثلة بأحزاب الدين المتعطشة للدم
والخراب والسرقة، وعليه أثق جداً أن محسن الرملي هو رجل البوكر المقبل والذي سيكون
عراقياً.
-----------------------------------
*نشر في صحيفة (الحقيقة) العدد 1293 بتاريخ 9/8/2018م
عدنان الفضلي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق