فُحوصات ثقافية
النشر والقراءة في الصيف
بقلم: الدكتور محسن الرملي
لا شك أن القراءة والحث عليها يُفترض بهما أن يكونا بشكل دائم، أو حتى
يومي، ولكن لا بأس أيضاً في أن ينتهز صُناع الكِتاب أية مناسبة أو حِجة للترويج
لبضاعتهم، حالهم في ذلك كحال بقية صُناع البضائع الأخرى، وفي الأوقات التي تغيب
فيها المناسبات والحِجج، يقومون باختراعها، وهذا أمر مشروع وعملي.. بل وضروري،
خاصة وأن صناعة الكتاب الورقي الآن تواجه التحديات الكثيرة، التي نعرفها، وأبرزها
هيمنة الشاشات، وهكذا صارت معارض الكتب والجوائز واحتفاليات التقديم والإعلانات
وغيرها؛ كجزء راسخ من التقاليد الثقافية. وفي الصيف، حيث عطلة الجامعات والمدارس
وغالبية المؤسسات والدوائر وحيث السَفر، نجد بأنهم قد تمكنوا، في الغرب، من تكوين
تقليد ما يُعرف بقراءات الصيف، حتى أصبحت الكتب من الأشياء الأساسية التي يندر أن
تخلو منها حقيبة سفر، وأن الناس الذين لا يجدون وقتاً، بحكم انشغالاتهم بقية العام،
قد اعتادوا أن يقتنوا الكتب التي تهمهم، بِنيّة قراءتها في العطلة.. ويَفعلون.
وفي الملاحق الثقافية والبرامج الإذاعية والتلفزيونية ومواقع الإنترنيت
نجد مساحة لهذا الأمر، وسؤال يتكرر في المقابلات الصحفية، عما تنوي قراءته في
العطلة، ولماذا؟ أو عما قرأته في العطلة، وكيف وجدته، ورأيك به؟ أو عن أفضل الكتب
التي قرأتها في عطلتك؟ وما إلى ذلك، سواء أكان الشخص كاتباً أو فناناً أو سياسياً
أو شخصية معروفة أو شخصاً عادياً، ودور النشر تراقب كل ذلك وتهتم به وتدرسه بحيث
تتمكن من استطلاع المِزاج العام وتوجه اهتمام الناس في القراءة، لكي تعتمده ضمن
خطتها للنشر في الربع الأخير من العام، فعادة ما يقوم الناشرون بطرح دفعتين من
إصداراتهم سنوياً، الأولى في الشهر الثالث والثانية في الشهر التاسع، ولقراءات
الصيف تُصدِر طبعات خاصة، من تلك التي وجدت رواجاً، طبعات بالقطع الصغير أو ما
يعرف بطبعة (جيب) كي يسهل حملها، وعادة ما تكون أنيقة وبسيطة من حيث نوعية الورق
والغلاف وأقل ثمناً.
أرى أن علينا، نحن أيضاً، الاستفادة من هذه الظاهرة؟ أن نحاول العمل
عليها تدريجياً ونُروج لها بالتعاون بين الكُتاب والصحفيين ودور النشر والمؤسسات
الثقافية والتربوية.. كي نؤسس لهذا السلوك الجميل والمُجدي والمهم، حتى يتحول إلى
تقليد عام لدى الجميع، ويصبح مكان الكِتاب محجوزاً ومضموناً في حقائب عطلتنا، بدل
أكياس الكرزات وصُرر الطعام والنعل والمنشفة ومجفف الشعر وما إلى ذلك من أشياء
متوفرة في كل مكان، بل ومجاناً، في الفنادق السياحية أو ضمن سعر الحجز نفسه. أعرف
بعض الأصدقاء، من مثقفينا، ممن عَوّدوا أنفسهم على قراءات الصيف وبرمجتها بشكل مُسبق،
ولكن الطموح أو الحلم؛ أن تتحول هذه الظاهرة إلى سلوك عام، وتقليد راسخ عند كل
الناس... فلنبدأ بأنفسنا وأهلنا وبقية الأصدقاء والمعارف، ولنعمل على تكرار الحديث
عنها إلى أن تجد مساحتها الثابتة والمُلفتة في وسائل إعلامنا، كما سبق وأن فعلنا
بترويجنا لمسلسلات وبرامج مناسبة شهر رمضان، حتى تحوّلت إلى تقليد مهيمِن خلال الأعوام
القليلة الماضية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*نشرت
في مجلة (الناشر الأسبوعي)، العدد 70 أغسطس 2024م
https://xsi.sibf.com/content/uploads/publisherweekly/pdf/2_4ce4db6682e54a2a935caad8dae759.pdf
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق