الاثنين، 15 يوليو 2024

فحوصات ثقافية، الكُتاب والشأن العام، محسن الرملي

 

فُحوصات ثقافية

الكُتّاب وقضايا الشأن العام

 

بقلم: الدكتور محسن الرملي

عُقِد مؤخراً في مدريد، المؤتمر الثالث للكُتاب الإيبيروأمريكيين، الذي جمع عشرات الأدباء من إسبانيا وأمريكا اللاتينية، وخصص محوره لهذا العام، حول سؤال: هل ينبغي أن يكون للكتّاب والفنانين دور فاعل في شؤون الحياة العامة، وعدم الاكتفاء بالتركيز على إبداع أعمالهم؟ وهذا، بالطبع، من الأسئلة القديمة المتجددة، فكلنا يعرف النقاشات التي دارت بضراوة طوال القرن العشرين، حول مفاهيم الأدب الملتزم والفن للفن أم للمجتمع والمثقف العضوي، لذا؛ تمت إعادة الطرح، مع الإشارة إلى (في القرن الحادي والعشرين)، فحسب المنظمين، لأننا نعيش في عصر يشهد توترات كثيرة، ومن المهم مراجعة وتحليل الدور الذي يلعبه الكُتاب والفنانون، والاستماع إلى آرائهم حول طبيعة مواقفهم حيال القضايا التي تهم الرأي العام، والتي تُسائلنا وتهزنا يوماً بعد يوم. فهذا زمن يشهد تراجعاً للعقلانية والاحترام، لذلك يتوقع الكثير من الناس أصواتاً قوية وهادئة، يثق بها، لمواجهة زمن متشنّج يقوَّض فيه التعايش، ويتحدث فيه الجميع ويثرثرون، بعِلم أو بغير عِلم، عن التوترات والمخاوف في العالم، حيث: تتزايد التصدعات في الديمقراطية، والتعدي على الحريات، ويتعمق الاستقطاب في المجتمعات حول كل أنواع القضايا، ولا تبدو أغلب الطبقات السياسية ملائمة تماماً لهذه الأوقات والظروف، وتتقدم الشعبويات في شتى الميادين، وصار التلاعب بمفاهيم الأخلاق مُتاحاً، ويتصاعد العنف والفساد والإفلات من العقاب، فيما حركات كالتي تدعو للمساواة والتحرر والنسوية والبيئة وغيرها، تُقدم قراءات مختلفة، تبدو غير قابلة للتطبيق أو التوفيق أو حتى الإقناع للكثيرين، وتهطل الأخبار المفبركة والكاذبة بشراسة، على جمهور عاجز عن تقصي الحقائق ومقارنتها بشكل صحيح، أو قد لا يهتم بالاطلاع عليها، وتنامي هيمنة الطروحات الأحادية التي تهمش، أو حتى تلغي، أصحاب الأفكار المعارِضة، وتخلي المزيد من الصحفيين عن الحياد المهني لأجل مكاسب آنية، وتفقد وسائل الإعلام مصداقيتها بتسارع، بينما ينشط الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي في إشاعة البلبلة وتأجيج التعصّب والتطرف.

وأمام كل ذلك، هل ينبغي على المبدعين أن يكونوا مواكبين ومعلقين أو حاضرين ومشاركين؟ وإذا كان الأمر كذلك، فكيف يُفتَرض أن يكون، ولماذا؟ ما هي جدوى ذلك، وما هي مخاطره؟ إلى أي حد يمكن دفع ثمن المواقف؟ من هم الكُتاب الذين يمكن الثقة بمواقفهم؟ وما هي الكتب التي على المثقفين أن ينصحوا بقراءتها لتُنير للمتلقين أبعاد قضايا معينة؟

يميل البعض إلى توقع أن يمارس المبدعون دوراً معيناً، باعتبارهم طليعة واعية وحساسة وقدوة مؤثرة لجماهير، صوت للناس، تُثير آراؤهم وتحليلاتهم الاهتمام، لأنها تمر مسبقاً بتأملات ومعرفة، حتى وإن لم يكونوا متخصصين في بعض المواضيع، فقد فكروا فيها، كمواطنين وكإنسانيين ينحازون مبدئياً إلى قيم الخير والحق والسلام والجمال. فيما يرى البعض الآخر، بأنهم ليسوا ملزمين بالمشاركة في مناقشات القضايا العامة؛ وأن دورهم الأهم وواجبهم الرئيسي، هو التركيز على إنجاز أعمالهم الإبداعية.

وفي كل الأحوال، أرى بأن علينا أن نحذو حذو زملائنا الكتاب الإسبان واللاتينيين، بإعادة طرح ومناقشة هذا السؤال وتفرعاته، على الصعيد الفردي والجماعي، فلدينا الكثير من القضايا المتراكمة المعقَّدة والمشتعلة النازفة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*نشرت في مجلة (الناشر الأسبوعي) العدد 69 يوليو 2024م

https://xsi.sibf.com/content/uploads/publisherweekly/pdf/2_8e71f84be7fe448aba161006276f4d.pdf

ليست هناك تعليقات: