رأيت من حقك علي أنت ككاتب وأنا كقارئة، أن أرسل
إليك هذه الرسالة:
رزيقة بوسواليم
مساء الخير
عزيزي الكاتب محسن الرملي
لست كاتبة
ولا أملك لغة أستطيع نسجها على شاكلة ما تبدعه أنت من خيوط القطن والحرير والصوف
والألوان وأنت تحيك لقارئك البعيد شالا يدفئ به روحه العارية أيام البرد والصقيع
الممتدة من مشرقنا العربي حتى مغربه الكبير.
تقيم جسرك
تعبرك الروح
وتقفز نحوك
يجذبها الطين
ويصنع لها
الحب أجنحة من نور.
أنا نقطة ماء
قارئة في بحر قرائك الكثيرين، لست مثقفة كفاية ولا أنتسب لأي جهة من جهات الإبداع
والفنون المختلفة، فقط نتفة صغيرة وصوت مبحوح لا يكاد يجرؤ على قول كلمة في وجه
الأبواب المقفلة من حوله، كل ما هو نصيبي من الوجود هذيان لا تتوقف ظلاله في
المقامرة بأوراق الوقت والعبث بي ظهورا واختفاء كخيالات الأشباح، هذا الوجود في
رحمي الفارغ ثرثرته تتزاحم في رأسي كرة النار التي تتآكل ومن تحتها جسد يحملها
بصداع دائم فتصيبه اللعنات وشظاياها الحارقة.
ننحدر غروبا
ظلام يسد
علينا ثقوب المساء
نحشو فراغات
ما بين
الأصابع بحلاوة تمر
نغزل ونغزل
الهواء
بخيوط الشمس
المكابدة
فتسخر منا
الغيوم
وضوء تركناه
يتيما داخل مصابيح نهاراتنا الآفلة.
عزيزي
الروائي محسن الرملي.. فكرت ما الذي يمكنني أن أقوله لك، وهل تحتاج أنت مني أن أقول؟؟
وكيف يمكن للكلمات أن تدخل طوع خدمتي وأن تمشي وفق خطة سأرسمها لها هكذا وأنا
المبعثرة فاشلة في لملمة أشلائي المسحوقة بين عجلات الريح وجبهات اليتم الإنساني
المتواصل وقد تعودتُ أن الكلمات الحرة لا تساق إلا بمحبة سابحة في فضاءاتها الكونية
ومداراتها اللامدركة؟
ما الذي يمكن
أن تضيفه رسالة من امرأة قارئة غائبة في ظلام كسيح إلى رصيد كاتب مثلك، كاتب
تقاطعت معه ذات عواء ذئبة عالق صوتها بين مخالب الحرب والحب، واقف مصيرها على شفير
حياة وموت يتجاذبانها إلى حواف العتمة أو الضوء.
للكتب روائح الجسد،
للغة مفاتيح
وبصمات سرية،
للمسامات دم
يتصبب،
ولتلك الحقول
من ورق
على جلد
صفحات زمن متعرق
كانت تكتب
الحكاية
وشما أخضرا
أبديا
لذئبة من
تاريخ عراق أصيل.
ذئبتك تلك
كانت أول عتبة نصية ألجها شغفا إلى بساتينك السردية، أول ما لفتني العنوان فبعث في
داخلي فضول الاقتناء وأنا أتلمسه بعيني قلت في داخلي تراها ما دلالة ارتباط الذئاب
اللاحمة بأنياب متوحشة وهي تسير قطعانا وجماعات يقودها قائد واحد وقد تكون أحد
إناثها القائدة في رحلاتها الخطيرة إلى صيد فرائسها مرتكزة على حاستها الشمية
الرفيعة المستوى؟ ما هي العلاقة بينها وبين عالم الكتب الورقية الملطخة بالحبر
المصممة أثوابها المتناسقة بمقاس وإخراج أنيق لكل عنوان، ما الذي يربطها بالحب
كناموس الأزل في عزفه لحون السماء والأرض؟
ينشئنا الحب،
تربة يهدهدها
المطر،
ننمو ورودا
تتكاشف
الكلمات نعومة في حناجر الصوت،
تتقافز
العيون سمكات ذهبية
تقطر بالماء
واللمعان،
تنتفض عروق
البرق،
تتحاكك
الكلمات،
ثم ها نصل
رعشاتنا البكر
نخبو
ينطفئ زيتنا
القديم،
هناك جمرة
يفلتها الرماد
تظل تنمو
شجرة من نار
فتوقظ في
لحومنا الرغبات البائتة.
تلقفت يدي
الرواية من بين أرفف معرض الكتاب الدولي استنادا على العنوان واعتمادا مني على
حاسة شمي اتجاه الكتب المميزة وما تسلطه علىَّ من قوانين الشد والجذب والإغراء،
كنت أجهل اسم الكاتب ولا أعرف إلى أي بلاد من بلاد الرب الواسعة ينتمي، عدت محملة
بكثير من العناوين من ذلك المعرض لسنة 2017 وكان أول معرض كتاب أزوره في حياتي،
أول وصلة بدأت بها حفلة القراءة كانت ذئبتك، ذئبة الحب والكتب.
أذكر يومها
أن الرواية تلبستني ولم أستطع مفارقتها حتى الشهقة الأخيرة منها، التهمتني في وجبة
قرائية دسمة ممتعة، تبا كل هذا رسم بالكلمات، كل هذا هيام وحب وحبر وكتب ودماء
نازفة وعواء في براري الحياة لا يكاد يسكت برأسي، كل هذا استطاع الكاتب سكبه دفعة
واحدة في وعاء روحي الفضفاض فما امتلأت وقلت هل من مزيد؟؟
المزيد كان
بعد عام آخر وكان دخولي مرة اخرى حافية عارية إلى حدائقك، كانت حدائق الرئيس وتمر
الأصابع والفتيت المبعثر غنيمتي من معرض 2018 في جولة قصيرة وخاطفة كنت أنوي أن
آتي بجميع غلالك، خانني الحظ ولكن لم يخونني الحظ مع كاتب مثلك، أحدثت حدائق
الرئيس وهي تفتح أبوابها الملغمة بسحر بغداد وعطورها وروائح الموت فيها صدمة ظلت
ارتجاجاتها لمدة في قلبي زوبعة لم اخرج منها سالمة، انحزت لهذه الرواية مثلما
انحزت لذئبة الحب والكتب والتي أهديت نسختها الأولى تحت تأثيرها القوي إلى صديق،
أردت وتمنيت أن يشاركني فيها جميع الذين اتقاطع معهم ، نصحت الكثير إذا أرادوا أن
يقرأوا أدبا حقيقيا و أن يعيشوا تجربة عالية عليهم بمحسن الرملي.
عزيزي محسن
الرملي.. الكاتب الأنيق البشوش، معجبة وأنا أتواجد داخل دائرة مغلقة ليس بها سوى
ثقب واحد يسرب لي بعض الحب، معجبة بكل ما تكتب، أتابع منشوراتك بين الحين والحين
عبر الفيس بوك ويروقني ما تنشره من أدب ومعرفة وعلم وثقافة ونكات وصور شخصية
ويوميات من حياتك لك ولمراد وسلمى مشاركة منك ومحبة لقرائك، تعجبني روحك المرحة
الجميلة الواعية الإنسانية البسيطة الخدومة وكل ما تقدمه لنا نحن قراؤك من أبسطهم
درجة معرفية إلى أعلاهم مستوى في الثقافة العامة، تعامل الجميع بكل الحب الذي تخطه
أناملك إبداعا وحياة.
أنتظر فرصة
الحصول على كتبك التي تنقصني وسأسعى لها.
قارئة تحبك
فقط.
-----------------------------------------------------------
شهادة في حق
كاتب جميل،،
قبل أيام نشر
صديقي أمين دهماص أو يوسف فقط كما أناديه منشورا عن عاداته في القراءة وكيف يتعامل
مع الكتاب، وطبعا لكل قارئ أسلوبه وطقسه القرائي الخاص به، وصديقي يوسف عرفته ذئب
كتب أو الأصح ذئب روايات، يملك حاسة شم قوية لروائح الكتب، يتصيدها أينما كانت،
وأنا أقرأ منشوره كنت أبتسم لبعض ما كشفه عن عاداته القرائية الغريبة حتى أتيت على
آخر المنشور فإذا به يقول أنه في إحدى المرات مزق ورقة من رواية ذئبة الحب والكتب
للروائي العراقي محسن الرملي لأن فيها
مقطعا حزينا يمسه بالدرجة الأولى كإنسان، ثم قام بإلصاقها على مرآة الحمام لمدة
شهر وكان كلما قابل المرآة لغسل أسنانه يقوم بقراءته حتى حفظه.
ولأن
الرواية المذكورة كانت أولى اكتشافاتي وسببا في دخولي عوالم الرملي الروائية، كتبت
تعليقا له عن الحادثة، قلت فيه أني لو فعلت مثله كنت مزقت جميع أوراق الرواية
وعلقتها على الأبواب والمرايا وسقف الغرفة لأن الرواية كلها تمسني.
طبعا
رد يوسف علي وقال بأنه ندم أنه لم يهديني الرواية وكان قد وضعها ذات مرة ضمن قرعة
الإهداءات، كم تمنيت حينها الفوز بها ، قمت بالرد عليه مرة أخرى وكتبت له أني
اقتنيت منها نسخة و في لحظة جنون قمت بإهدائها ثم بعد عام اقتنيت منها نسخة أخرى،
بعد تعليقي عمل يوسف إشارة للروائي محسن الرملي لأنه صديق معه، وكنت متأكدة من أنه
سيرد علينا، قياسا على ما فعله معي، من مدة طويلة كنت بعثت له طلب صداقة وذلك بعد قراءتي
للرواية وأعجابي الشديد بها أحببت متابعة كاتبها والتعرف على إصداراته الأخرى، بعد
يوم قام بإرسال رسالة لي في الخاص يعتذر فيها عن عدم استطاعته قبول الطلب لأن نظام
الفيس بوك عنده لا يسمح لاكتمال العدد المخصص للصداقات ثم أشار علي أن أتابعه على
صفحته الأخرى فنفس ما ينشره على صفحته الخاصة ينشره على صفحته العامة، طبعا أكبرت
فيه هذا الفعل النبيل وعرفت أنه كاتب صاحب أخلاق أدبية رفيعة ومن طينة الكبار في
الأدب والفكر وحياكة فنون الجمال، وكما توقعت لم يتأخر وجاء رده على تعليقاتنا أنا
وصديقي يوسف بأنه يشاركنا نفس شغفنا بالحب وبالكتب ثم فوجئت به يقوم بتصوير
المنشور وتعليقاتنا ونشرها على صفحته.
هنا
تساءلت أليس هو بكاتب وله هموم الكتابة وهموم إبداع وهموم أسرة خاصة وأسرة أخرى
تعليمية وهموم دراسات وترجمات وأسرة كبيرة من المتابعين وهموم حياة عامة وهموم
عالم كبير يعيش وسط ضغوطاته المتنوعة، فكيف له أن يضيف لنفسه هموم قراء منتشرين
عبر البلاد العريضة ويتابع انشغالاتهم وتعليقاتهم ويرد عليهم عبر هذا الفضاء
الإلكتروني المزدحم جدا؟
أية
أخلاق يملكها هذا الكاتب النبيل وأية روح إبداعية فضفاضة تسكنه وتسع الجميع وتخلق
لنا هذا الكم الهائل من الكلمات؟ أية أخلاق أدبية عالية تقربه مسافة أنفاس من
قرائه ومحبيه رغم بعد المسافات بينه وبينهم؟ أي إبداع لصناعة الحب في الواقع قبل
إبداع الروايات داخل الكتب.
فعلا هو نموذج للكاتب المبدع الأصيل
وصورة حقيقية لكاتب كريم يحمل هم الإنسان وينتصر لإنسانيته المهدورة وسط فوضى وجور
وظلم هذا العالم قبل كل شيء.
-----------------------------
*رزيقة بوسواليم:
شاعرة من الجزائر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق