ملامح الشخصيات في الروايات العراقية (11)
في رواية: حدائق الرئيس
حمدي العطار
هوية السرد في بعض الروايات هي (الشخصيات) لتكون الرواية
رواية شخصيات، نجيب محفوظ أكثر رواياته كانت روايات شخصيات مما يسهل عملية تحويلها
الى أفلام سينمائية او دراما تلفزيونية (مسلسلات) وحتى الى مسرحيات. لذلك الشخصيات
الروائية في ادب نجيب محفوظ تبقى اسماءها محفورة في مخيلة القارئ، فلا يمكن ان ينسى
(سي السيد وياسين وفهمي وكمال وامينة والراقصة زنوبا في الثلاثية، وكذلك حميدة في
زقاق المدق ونفيسة في بداية ونهاية وزهرة في ميرامار وغيرها من الشخصيات المشهورة.
*الروائي محسن الرملي (في رواية حدائق
الرئيس)
لدينا روائي يقدم شخصيات كنماذج أجتماعية غالبا ما تتعرض
لضغوطات مختلفة تخرجها من النسق الاجتماعي، والمعاناة تلاحق الشخصيات التي ترتبط
بالشحصيات الرئيسية! في رواية "حدائق الرئيس" يتحدث الرملي عن ثلاث
شخصيات يعيشون في احدى قرى العراق النائية، (إبراهيم) المكنى (ابراهيم قسمة) لأنه
مؤمن بإن الحياة قسمة ونصيب حتى ابنته يسميها (قسمة)! (عبد الله) ويكنى (عبد الله
كافكا) لوجود شبه كبير بالشكل بينه وبين الكاتب العالمي كافكا، والشخصية الثالثة
هي (طارق) ويكنى (طارق المدهش) لكثرة اندهاشه في اكتشاف الاشياء، هل يوجد أجمل من
هذا الاستعراض لملامح شخصيات الرواية؟ التاريخ في الرواية يخدم الشخصيات فهو إطار
تلك الشخصيات والضاغط على وجودها، (عبد الله) نصيبه من التاريخ هو الوقوع في الاسر
عندما تندلع الحرب العبثية بين العراق وإيران، يلاحق السارد شخصيته الى حيث مكان
الاسر وما يتعرض له ابراهيم من صنوف العذاب والحرمان وغسيل الدماغ حتى يضطر عبد
الله ان يدعي بإنه (مسيحي) اغلب الروايات تكتفي بخبر الاسر دون الخوض في التفاصيل!
لكن الرملي يسلط الضوء على تطور شخصيته بعد عودته من الاسر "كان يتوق
للانعزال لوحده، لقد اعتاد الصمت والعزلة والوقت الميت، فلا وجود للوقت في داخله..
لا معنى لحركة الاشياء" لم يعد مفهوم القسمة والنصيب يخدم ابراهيم ليشعر
بالرضا! فهو لم يحس بنفسه كما يقولون من (ضيوف الجمهورية الاسلامية)، يضاف الى
معاناة وذكريات الاسر، تأتي حكاية نسبه، أبوه (جلال) يغتصب امه المتخلفة عقليا (زكية)
ويسافر ومن ثم يعود مع قوات الاحتلال ليصبح من القيادات الامنية في النظام
الديمقراطي، اليس من حقه ان يختار الانسحاب من النسق الاجتماعي وحتى من الحياة!
خاصة وان أمه بعد مرور شهرين على ولادته تتعرض للعقوبة والقصاص في مشهد حزين جدا
تقتل وتدفن لتلافي الفضيحة! (إبراهيم) يأخذ نصيبه من التاريخ المعقد المصيبة
الثانية (عاصفة الصحراء) فهو قد رجع نتيجة هزيمة الجيش في الكويت بقدم واحدة
الاعاقة تستوجب الانسحاب من نوع آخر! لينتهي حدقجي في قصور الرئيس ومن ثم حفار
قبور لمعارضي الرئيس في تلك الحدائق ومن بعد سقوط انظام يكون شاهدا يرشد الناس عى
ضحاياهم المفقودين والذين قد قام بدفنهم ووضع لهم ارشيف خاص للدلالة بما فيهم صهره
الضابط، لينتهي أخيرا رأسا بدون جسد في أحد صنادق الموز! وهو انسحاب اخر (الموت)،
الشخصية الثالثة (طارق) يقتنص الفرص مع أقرب الناس اليه، فهو يعرض الزواج على
(قسمة) حينما تقصده للبحث عن جثة ابيها براهيم صديقه واحد (ابناء شق الارض)
الثلاثة، تقبل قسمة بالزواج من طارق والسفر معه الى بغداد للعثور على جسد ابراهيم
"وجدت قسمة في نفسها أن مبررات القبول أكثر من أسباب الرفض.. وان انتهاءها من
هذه المسألة وفي هذه الظروف سيكون أفضل من التعويل على انتظار نموذج الشخص الذي لا
تجده، الذي يتلائم مع وضعها كأرملة وأم نصفها في القرية والاخر في المدينة وزوجها
السابق نصف بطل ونصف خائن" تظهر شخصية صدام وحدائقه ويخته وسهراته كشخصية
ذهنية في الرواية، كذلك يستحضر حدائق للرؤساء في العراق الديمقراطي " تتحس
رأس طفلها النائم في حجرها فتقرع الاسئلة في رأسها: ترى من أية نطفة هو؟ ترى مثل
من يكون؟ مثل أبيه زوجها؟ مثل الرئيس المخلوع؟ لأن الطفل أسمه صدام! هل يكون
مثلها؟ مثل أبيها؟ أم مثل طارق الي سيترعرع هذا الصغير في كنفه؟
----------------------------------------------------------------
*من كتاب (ملامح الشخصيات في الروايات
العراقية) للكاتب والناقد العراقي حمدي العطار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق