ثلاث ملاحظات تخص رواية (تمر الأصابع)
أمين دهماص
ـــ
الجزائر ـــ
التمر في تمر الأصابع
يرد
ذكر التمر في رواية (تمر الأصابع) للكاتب العراقي (محسن الرملي) ثلاثين 30 مرة، إذ
يتكرر مرة كل سبع 7 صفحات، فمنه يأخذ الكاتب عنوان النص.
يمثل
التمر دواء، إذ أعطاه الملا عبد الحميد في حفنة إلى الجد مطلق بعد أن عضه كلب، صفحة
10، ولكن إذا زاد عن حدّه قد يتسبب في العلّة، فسبب
نحافة الجد كونه قد أصيب بمرض السكري لهوسه بالتهام الحلوى والتمر، صفحة
28، ويمثل التمر الحنين فقد تشهى بطل النص سليم التمر
المقلي بالزيت في الزنزانة، صفحة 13،
ويمثل أيضا عادة شخصية فقد كانت ابنة عمه عالية تدهن نهديها بالتمر، صفحة
25، ونتيجة لهذا يتولّد الحنين من التمر بتذكّر سليم
لنهدي عالية المطليين بالتمر، صفحة 47.
والتمر
مرادف لكل بيت عراقي، فلم يكن يخلو بيت سليم أبدا من كيس تمر يتكئ في إحدى زواياه،
صفحة 28، وحتى في المسجد
كيس التمر، صفحة 92،
والتمر غذاء العراقيين وهم في المهجر، إذ اكتفى سليم بأكل تمرتين وعلبة لبن صغيرة وهو
يعيش في إسبانيا، صفحة 43،
وتناول سليم تمرتين بعد الاغتسال، صفحة 76،
وخارج العراق يأخذ العراقيون معهم التمر، روسا وتمر والد سليم، صفحة
147
كما
يستعمل السارد في الوصف، فرأس إصبع زوجة الجد الأولى نازف بحجم تمرة، صفحة
29، وعن حبيبته عالية لشفتيها طعم التمر والإنسان، صفحة
68، والزغب على شاربها يراه سليم مؤخرا للمحافظة على عسل
التمر، صفحة 70.
أما
عنوان النص (تمر الأصابع) فقد استلهمه من عادة مصّ الأصابع والشفاه المطلية
بالتمر، صفحة 61،
بعد أن وجد سليم له مخدعا مع حبيبته ابنة عمه عالية، كان سليم يجلب معه إلى مخدع
لقائه بعالية حفنة تمر، صفحة 68،
وكانت عالية تحبّ التمر كثيرا، صفحة68،
ودبق التمر الذي بقي في أصابعهما مصّاه لهذا أعجبهما كثيرا، صفحة
68.
وبهذا
علاوة على كون التمر عنصرا رئيسا في العنوان، وفي السرد فإنه مرادف لتيمة الحب.
تحتفظ عالية بأكثر التمرات طراوة، وتمرر التمرة الخاوية من النواة على أصابعها مثل
خاتم ثم تمنحه الأصابع إلى سليم ليمصّها صفحة
69+ 70 أحيانا تترك عالية التمرة في الخاتم
ليأكلها سليم قبل مصّ الأصابع، صفحة 70،
وأحيانا تطلي شفتيها بالتمر، صفحة 70،
ولاحقا صارت عالية تطلي نهديها بعصير التمر، صفحة
71.
كما
أن التمر يمثل عنصرا مشتركا بين شخوص النص، عالية مثلي ومثل جدّي في عشق التمر، صفحة
71، مثل عائلتنا المهووسة بالتمر، صفحة
93، سليم وفاطمة وطلي الشفاه بالأصابع بالتمر، صفحة
150، والده وروسا والتمر، صفحة
150.
ويمثل
التمر أيضا الأسى والحزن فبعد غرق عالية لم يجد سليم أي رسالة منها وتذكر صدرها
المطلي بالتمر، صفحة 75،
أنيسي مع التمر، صفحة 75.
في
النص يعيد السارد ذكر التمر كل 15 صفحة، الذي هو مرادف للحنين، وللتذكّر، ولتقنية
الارتداد. خلاصة القول إن السارد حين وضع التمر في عتبته النصية (العنوان)، استخرج
منه داخل النص جلّ معانيه، وسماته الظاهرة والباطنية، فليس النص بمعزل عن العنوان.
وإن كنا نقرأ نصا وحكاية، فإننا أيضا في (تمر
الأصابع) للكاتب العراقي (محسن الرملي) نأخذ التمر كعنصر أساسي داخله، ويفتح لنا
مجال القراءة والتأويل.
من تقنيات الانتقال السردي
الكاتب
العراقي (محسن الرملي) في روايته (تمر الأصابع) ينتقل بنا بين مكانين مختلفين
ثقافيا وحضاريا، من العراق بلاد الرافدين إلى إسبانيا في أوروبا، عبر لقاء سليم
بوالده نوح في مرقص بإسبانيا بعد عشر سنوات، لا تحسّ كقارئ بالرتابة تلك من
تأشيرة، وسفر في الطائرة. يترك الكاتب لنفسه حرية انتقال بطل نصه (سليم) بين
الحنين إلى العراق وبين العيش في إسبانيا. بين اضطهاد النظام لعائلته القشامر في
العراق، وبين الحرية في إسبانيا، بين حبّه لعالية وهلاكها في النهر هناك في العراق
وبين حبّه وزواجه من المغربية فاطمة في إسبانيا.
السارد
لا يتوقف في المطار معجبا بطائرة فقد قرأت نصا قبل سنوات لكاتب يصف لنا عملية
الركوب في الطائرة، وتوجيهات المضيفة عن ربط حزام الأمن، أمر كهذا لا يهم القارئ
في شيء، لأنه يركب الطائرة دائما، ولكن لا يتسنى له العيش في العراق، وهذا ما
يطلبه من الكاتب أن ينقله إلى العراق عبر نصه، كما قرأت نصا قبل أشهر يتحدث فيه
السارد عن التأشيرة والأوراق الشخصية، أمر زائد لا يخدم أحداث النص، ويستهلك من
مساحة الرواية ما يستهلك، بأسلوب ركيك وممل.
وحدها
القراءة، قراءة النصوص الجيدة، يكون السارد فيها قادرا على التأثير في القارئ، عن
طريق جذور نصه الاجتماعية، والإيديولوجية، والثقافية، والحضارية. يكون القارئ
متلذذا أيضا عن طريق الحكي والتشويق وباقي عناصر السرد، فترتسم في ذهنه أحداث
النص، وشخوصه.
عنوان رواية الرملي، في رواية
(زرايب العبيد) لنجوى بن شتوان
(تمر الأصابع) فصل من رواية (زرايب العبيد)
للكاتبة الليبية (نجوى بن شتوان) والتي صدرت في سنة 2016، وفيه تتحدث عن عادة يتم
فيها علاج التحكم في البول عند الفتيات بوضع نواة تمر محماة في النار بين إصبعي
قدميها، وتحديدا عند إصبعها الكبير (الإبهام) والذي يليه، وبهذا تقدم لنا الكاتبة
موروثا شعبيا مهما في روايتها.
وحين
قرأت هذا الفصل تذكرتُ مباشرة رواية تحمل نفس العنوان، وهي (تمر الأصابع) للكاتب
العراقي (محسن الرملي) الصادرة سنة 2009 وترشحت ضمن القائمة الطويلة لجائزة البوكر
للرواية العربية 2010، وكنت قد قرأتها قبل سنوات، فنسيت أحداثها وتفاصيلها، وكان
عليّ أن أستعين بآراء النقاد في فهم سيميائية العنوان، لعلّ هناك تشابها بين الفصل
الذي قدمته الكاتبة الليبية نجوى بن شتوان، ورواية محسن الرملي، على أن معظم
تفسيراتهم وجدتها سطحية، لا تعدو أن تشير إلى أن عنوان تمر الأصابع يوحي إلى
العراق، لأنه يشتهر بالتمر، وأن الأصابع دلالة على التهديد.
وما
كان عليّ إلا إعادة قراءة الرواية مرة ثانية، وفي ذلك لذّة أكبر، وإجابة عن
تساؤلي: هل هناك تشابه بين النص الروائي والفصل من الرواية؟ على أنّه لا تشابه
بينهما إلا في التسمية، فإذا كانت الكاتبة الليبية تقدم جزء من الموروث الشعبي،
فإن محسن الرملي في روايته تمر الأصابع، يأخذها من عادة سليم وحبيبته عالية في مصّ
الأصابع والشفاه المطلية بالتمر، وذلك بعد أن وجد سليم له مخدعا مع حبيبته ابنة
عمه عالية.
كان
سليم يجلب معه إلى مخدع لقائه بعالية حفنة تمر، وكانت عالية تحبّ التمر كثيرا، وحدث
أن دبق التمر الذي بقي في أصابعهما مصّاه لهذا أعجبهما كثيرا.
وتلك
هي حكاية عنوان تمر الأصابع التي تأخذ طابعا رمزيا وشعريا، في رواية يكون فيها
الانتقام للشرف، وحكاية عهد سياسي بائد. موضوعا رئيسا، ورحلة تمتد من العراق إلى
إسبانيا.
ولست
أدري إن كانت الكاتبة الليبية قد اطلعت على الرواية، أم أن الموروث الشعبي الذي
قدمته لا ينبغي تغيير تسميته، حتى لا يتم تحوير الحكاية. ولكنها لو كانت قد قرأت
رواية محسن الرملي لوضعت هامشا تعلم فيه أن لا علاقة بين عنوان الفصل ورواية (تمر
الأصابع).
وما بين الروايتين تعدد ثقافي، وإرث مهم، وسرد
بديع في رواية محسن الرملي.
-------------------------
* تمر الأصابع، محسن الرملي، دار المدى، الطبعة
الرابعة 2015م.
**أمين دهماص: كاتب وباحث من الجزائر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق