عُزلتي التي ليست عُزلتي
د.محسن الرملي
العزلة رفيقة الكاتب، وحديقة بيت
حياته التي يداريها شخصياً ويبذر فيها نباتاته الخاصة، وأغلب كتّاب العالم لا
يستطيعون الكتابة إلا في العزلة، لذا فهم يبذلوا كل الجهد لتوفير عزلتهم هذه
للكتابة.. ومع ذلك فإن العزلة التي نعيشها اليوم بسبب فرض الحظر، إثر انتشار وباء
فايروس كورونا، هي عزلة غير مرحب بها وخانقة ومتعِبة، وذلك لأنها عزلة إجبارية
وليست اختيارية، وأي مبدع حقيقي لا يستطيع الإبداع في مناخ يفتقر فيه إلى الحرية.
وعني شخصياً، لم أستطع الكتابة فيها،
لأنها ليست العزلة التي أريدها أنا، ففيها مثلاً؛ اضطررت لأداء عملي من المنزل عبر
الانترنيت، والمحاضرة التي كنت أعطيها في ساعة صارت تتطلب مني وقتاً أكثر من ذلك
لأن طلابي من بلدان مختلفة، وفرق التوقيتات كبير بين هذه البلدان، كذلك فرض وجود
أطفالي معي في البيت ليل نهار بعد حرمانهم من الذهاب إلى الحضانات والمدارس، مما
يتطلب مني أن أكون برفقتهم وقتاً أطول، ولو من باب التخفيف عنهم هذا الحبس الغريب
الذي فاجأهم ولا يدركون مبرراته تماماً، مما يصيبهم بالملل والقلق والتعب النفسي
والجسدي.. يرافق ذلك ضرورة متابعتي اليومية للتعليمات الرسمية المتواصلة وأخبار
الفايروس في البلد والعالم والاطمئنان على الأهل والأصدقاء وطمأنتهم عليّ يومياً...
وعدا الخوف من إصابتنا نحن شخصياً، ترافقنا آلام الذين أصيبوا من الأصدقاء
والزملاء والطلاب والمعارف، منهم من مات، منهم من شفي ومنهم من ينتظر...
كل ذلك لا يتيح لي حتى قراءة الكتب الفكرية
والدراسات العميقة التي كنت قد أجلت قراءتها بانتظار وقت تقل فيه المشاغل، حيث
اكتشفت بأنني لا أستطيع التركيز المناسب للغوص فيها بجدية، ولذا ألجأ لمواصلة
قراءة الشعر والروايات.. وشيء آخر وجدته مناسب جداً لمناخات كهذه، وهو المجلات
الثقافية القديمة الرصينة الثرية، متنوعة المواد، حيث لدي أعداد كثيرة نادرة من
مجلات مهمة كانت تصدر في إسبانيا وأمريكا اللاتينية كنت قد جلبتها معي في سفراتي، من
مكتبات الكتب القديمة وأصدقاء هناك، وفيها مثلاً مجلات تضم أول نشر لنصوص كتاب
وشعراء عمالقة أمثال نيرودا وأوكتافيو باث وميرا ديلمار.. وغيرهم.
كما أشاهد المزيد من الأفلام، وهنا
أود التعبير عن الشكر والإشادة بكل السينمائيين شرقاً وغرباً الذين أتاحوا لنا
فرصة مشاهدة أعمالهم مجاناً عبر الانترنيت... ومن الخلاصات الكثيرة من هذه
التجربة، أعتقد بأن الناس انتبهت الآن إلى أن الثقافة والفنون الإنسانية كانت أفضل
وأكثر من رافقها في عزلتها، وحوّل الكثير من أوقاتها إلى متعة وفوائد معرفية، وعلى
ضوء ذلك، أتوقع أن الاهتمام بها سيزداد أكثر بعد رفع الحظر وتجاوز الناس لهذه
الأزمة، وأن الحكومات الواعية المسؤولية والتي يهمها الناس، أو كسب الناس، ستولي
اهتماماً آخر وأكثر مما كانت توليه سابقاً للثقافة والفنون، والعلوم طبعاً.
------------------------------------------------
*صفحة (المهرجان
الافتراضي للفلم المنزلي Domum Festival)
----------------------------------------
محسن الرملي: أطفالي وبضعة الكتب
من استطلاع مجلة (إلى) عن: الأدب والفن في زمن الأوبئة
د.صالح الرزوق
مثلما أننا لم نتوقع وباء كورونا
هذا، فإننا لا نستطيع التكهن بما بعده، والأمر متعلق بمدى طول الفترة التي سيتم
فيها إيجاد علاج له، فكلما طالت كلما أحدثت تغيرات جوهرية ودائمة على كل شيء، أما
إذا قصرت، فسيكون أثره أقل وسرعان ما يتم تجاوزه وتعود البشرية إلى سابق عهدها
ترمم ما تخرب، كما حدث مع تجاربها في أوبئة أخرى كثيرة حدثت في تاريخها.
أما على الصعيد الشخصي، فهو أثر على
حاضري اليومي، بسبب ظروف وأسلوب العيش الذي تم فرضه علينا فرضاً، ولكنه لحد الآن،
لم يؤثر على أي فكرة أو مشروع مستقبلي أعمل عليه أو في نيتي إنجازه، وبالطبع يبقى
الأمر حسب ما سوف تؤدي إليه الأحداث لاحقاً.
أمر الشعور بحضور الموت ومرافقته
اليومية، هو ليس بجديد عليّ، بل هو جزء من تركيبتي بحكم الذي عشته في العراق منذ
ولادتي، لذا لا يخلو أي عمل لي من وجود لمسات وتأملات قضية الموت فيه... وإذا كان
ثمة مخاوف كبيرة منه، عدا الخوف الإنساني الطبيعي والغريزي.. فأكثر ما يحز في نفسي،
فيما لو قضى عليّ الآن، هو ترك أطفالي الصغار دون إكمالي لرعايتهم، وعدم إنجاز
بضعة كتب، أود قولها قبل أن أرحل.
-------------------------------------------
*نشرت في مجلة (إلى)
بتاريخ 1/5/2020م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق