مشروع
التعريف بالأدباء والكتاب العراقيين ومنجزهم الأدبي
الحلقة (33): محسن
الرملي
عباس
موسى
د.محسن
الرملي: كاتب وشاعر وأكاديمي
ومترجم عراقي، ولد في قرية (سديرة) شمال العراق عام 1967، تخرج من جامعة بغداد/ كلية اللغات (بكالوريوس لغة وأدب إسباني) سنة
1989، ويقيم في إسبانيا منذ
1995، حاصل على الدكتوراه بامتياز مع درجة الشرف في الفلسفة والآداب من جامعة
مدريد. يكتب باللغتين العربية والإسبانية، عمل في الصحافة كاتباً ومحرراً ثقافياً
منذ 1985 وله عشرات المواد المنشورة في الصحافة العربية والإسبانية
والأمريكولاتينية. تَرجم العديد من الأعمال الأدبية بين اللغتين العربية
والإسبانية، وله ما يزيد على العشرين إصداراً تنوعت بين القصة والشعر والمسرحية
والترجمات والرواية. منها رواياته "الفتيت المبعثر" التي فازت
ترجمتها الإنكليزية بجائزة أركنساس 2002 و(تمر
الأصابع) و(حدائق الرئيس) اللتان تَرشحتا ضمن القائمة الطويلة لجائزة
البوكر العربية 2010 و2013، ونالت الترجمة الإنكليزية لـ(حدائق الرئيس)
جائزة القلم الدولي 2016. ورواية (ذئبة الحُب والكُتب) التي وصلت للقائمة
القصيرة لجائزة الشيخ زايد للكتاب 2015. نَشر مجموعته القصصية الأولى (هدية القرن القادم)
سنة 1995 في الأردن. تُرجمت بعض أعماله لأكثر من لغة، وشارك في العديد من المهرجانات
والمؤتمرات الدولية. وهو شريك في تأسيس وإدارة دار نشر ومجلة "ألواح" الثقافية
الفكرية في إسبانيا منذ 1997. وعضو في هيئة تحرير مجلة (آركيترابا) الكولومبية
المعروفة المتخصصة بالشعر. يعمل حالياً أستاذ في جامعة سانت لويس الأمريكية في
مدريد. حاز على جوائز في القصة
منها: جائزة الطلبة والشباب للقصة القصيرة (تقديرية)/ بغداد 1988- جائزة الطلبة
والشباب للقصة القصيرة (الأولى/ مناصفة)/بغداد 1989- جائزة مجلة الشرق الأوسط
للقصة القصيرة، لندن 1996- جائزة أركنساس/ أمريكا 2002 عن الترجمة الإنكليزية
لروايته (الفتيت المبعثر)... وغيرها.
رواية: حدائق
الرئيس :
صدرت
طبعتها العربية الأولى سنة 2012 عن دار ثقافة في أبو ظبي وبالاشتراك مع الدار العربية
للعلوم - ناشرون، في بيروت.. وفي 6 كانون أول/ ديسمبر 2012 ترشحت ضمن القائمة
الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية 2013 (البوكر)، وصدرت ترجمتها
الإنكليزية عام 2017 والإسبانية 2018.
في
روايته "حدائق الرئيس" يغوص بنا الروائي محسن الرملي عميقاً ليقترب من
معاناة الإنسان العراقي. يسرد حكاية بلد استوطنته الحروب. بلد تُختزل آلامه للعالم
على شاشات التلفزة ووسائل الإعلام في أرقام عن عدد التفجيرات وعدد الضحايا..
بسلاسة لغوية يروي لنا تاريخ العراق خلال ستين عاماً من الحروب العبثية
والديكتاتورية والمذابح والحروب الأهلية... وما أورثته تلك الحروب من مآسي إنسانية
كبيرة.. نعم إنها الحروب التي ليس فيها رابح ولا فيها بطل.. وإنما فقط القتلة هم
الأبطال الفعليين في تلك المسالخ البشرية المتواصلة في مستوطنة الخراب السرمدي...
حدد الراوي قريته الصغيرة لتكون مسرحاً للأحداث الرئيسة واختار أبناء قريته أبطالا لحكاية تختزل كل تاريخ العراق المعاصر.. تبدأ مع ثلاثة اصدقاء هم "أبناء شق الأرض" كما وصفهم، وتنتهي مع صناديق الموز المحملة برؤوس تسعة من أبناء قريته عام 2006 حيث يستشري العنف وتعم الفوضى الأمنية..
حدد الراوي قريته الصغيرة لتكون مسرحاً للأحداث الرئيسة واختار أبناء قريته أبطالا لحكاية تختزل كل تاريخ العراق المعاصر.. تبدأ مع ثلاثة اصدقاء هم "أبناء شق الأرض" كما وصفهم، وتنتهي مع صناديق الموز المحملة برؤوس تسعة من أبناء قريته عام 2006 حيث يستشري العنف وتعم الفوضى الأمنية..
المكان
إذاً هو قرية صغيرة شمال العراق تصر على الحياة رغم الموت الذي ألقى بظلاله عليها...
أبطاله (عبد الله كافكا، طارق المُندهِش، ابراهيم قسمة) الأصدقاء الذين جمعتهم
قرية واحدة ومصير واحد. تستهل الرواية بعبارة خبرية هي نهاية الحكاية :"في
بلد لا موز فيه، استيقظت القرية على تسعة صناديق موز، في كل واحد منها رأس مقطوع
لأحد أبنائها...".. بهذا المشهد المرعب يبدأ الروائي الدكتور محسن الرملي
روايته...
إبراهيم
قسمة وعبد الله كافكا وطارق المندهش، هم ببساطة نموذج الإنسان العراقي الذي ذاق
مرارة الحروب، إنهم صنيعة واقع اجتماعي ديني عشائري خاضع لسلطة العادات والتقاليد
والأعراف الجمعية والتي تنحسر أمام ضغطها طموحات المرء وأحلامه.. إن مصائرهم هي
رهن واقع سياسي متخبط لا ناقة لهم فيه ولا جمل. يتحول الإنسان بآدميته وأحلامه
وتفاصيله وسنوات عمره إلى مجرد رقم في سجلات توثيق أعداد القتلى والمفقودين
والمعذبين والأسرى والمخطوفين...
أنهى
عبدالله كافكا وابراهيم قسمة الخدمة العسكرية، وسرعان ما اندلعت الحرب العراقية
الإيرانية، على إثرها تم أُسر كافكا (سمي كذلك على اسم الكاتب التشيكي كافكا الذي
كان عبد الله مولعا بقراءته وتأثره بافكاره الكابوسية السوداء) مع مئات الجنود
العراقيين لدى إيران. يبقى كافكا في عداد المفقودين لعشرين عاماً قضاها في
"ايران" ثم يعود حطاما من هول ظروف الأسر غير الانسانية. بينما ابراهيم
الذي لم يكد يهنأ بالنجاة والعودة بعد ثماني سنوات في جبهات القتال، حتى يُستدعى
من جديد للقتال في الكويت. يعود من الكويت بقدم واحدة ورأس مطأطئ من هول ما رأت
عيناه من صور فظيعة لتلك الحرب المجنونة وبضمير معذب لتركه جثة صديقه أحمد وراءه،
عذاب الضمير الذي يرافقه ويفقد حياته وهو يحاول أن يُكفر عن ذنبه. يستفيض الرملي
في وصف أهوال تلك الحرب بدقة عالية... إبراهيم الذي يؤمن بأن كل شيء في الحياة
قسمة ونصيب لم يكن مخيراً بأي شيء فيما يخص حياته وبكل مراحلها، حتى زوجته لم يكن
له أن يختارها هو، أمه هي من اختارتها له.. كذلك لم يختر عمله في حدائق الرئيس
كحفار قبور لجثث مشوهة لمعارضين وموالين مدنيين وعسكريين. أما طارق، الشخصية
المكيافيلية التي تلعب على الزمن والظروف بذكاء لتكسب البقاء متكيفة مع كل
التغييرات السياسية بما يبقيه محافظاً على وضعه ومستواه الاجتماعي، هو معلم وشيخ
جامع وتاجر مقتدر له نفوذ سياسي واجتماعي.
في تنقل
زمني ومكاني يسير بنا الرملي خلال ثمانية وعشرين فصلاً في مجموعة حكايات متشعبة
نحو الماضي والمستقبل عبر شخوص تجمعه بهم قرية لم يسمها، ربما في إشارة إلى أنها
يمكن أن تكون كل قرية أو أيّ بقعة في العراق... وهناك أبطال آخرين مثل زينب
الكردية زوجة المختار، المرأة الطيبة التي انتصرت إرادة الحياة لديها على الموت
إلى أن سلّمت إلى كافكا صندوق أمه وأخبرته بحقيقة بنوته لابنها المغتصِب.
و"قسمة"، الشابة المتمردة على واقعها والتي تقرر في النهاية أن تبحث عن
جثة والدها رغم كل الصعاب...
أنجز
الرملي في "حدائق الرئيس" رواية متميزة وجريئة عن الواقع الإنساني
العراقي الذي مازال مستمراً، متنقلاً في إيقاع فني بين الظلم والاستبداد الاجتماعي
في القرية متمثلاً في اغتصاب زكية ومن ثم قتلها لغسل العار، وبين أهوال الحرب
الطويلة، ثم إلى عوالم الرئيس المرعبة في إشارة إلى أن الشعب يحصد الخوف والموت
مما زرعت يد الحكام من ظلم وطغيان...
رواية
"حدائق الرئيس" تسرد جانباً من تاريخ العراق على مدى أكثر من نصف قرن،
وكيف انعكست أحداثه على حياة الناس البسطاء: الحروب، الحصار، الدكتاتورية، الأسر
في إيران، غزو الكويت، المقابر الجماعية وفوضى القتل التي يضيع فيها دم إبراهيم،
كرمز للدم العراقي المهدور.. والرملي يحرص في أعماله على التنبيه، ورفض اعتبار
الضحايا مجرد أرقام، كما يرد في الصحافة، وإنما "هم أناس لهم تاريخ وعواطف
وأحلام وطموحات، كل شخص هو عالَم قائم بذاته.. ومن بين مهام الأدب تبيان ذلك".
إنها أكثر من رواية، هي حكاية وطن، بين عراق الأمس وعراق اليوم،
يصوغها محسن الرملي، ليفضح من خلالها زيف القيم والكذب والكراهية التي كانت مخبأة
في زاوية من زوايا تاريخنا المزيف...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*عباس موسى: باحث عراقي حاصل على شهادة
في اللغة والآداب الفرنسية من جامعة بغداد عام 1989 وفي الأدب الإنكليزي عام 1999،
وضمن اهتمامه بالآداب، هذه حلقة من مشروعه الخاص بالتعريف بالأدباء والكتاب
العراقيين ومنجزهم الأدبي.
https://www.facebook.com/photo.php?fbid=10216686176965381&set=a.1413169047801&type=3&theater
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق