رواية (ذئبة الحب والكتب)..
مرآة أزمة المثقف العاطفية
علاء جاسب
إن كنت ممن سيعصف بهم البوح العميق وأعاصير
اضطراباته، مُبحرا من أول مرفأ أشرعت فيه للحياة سفناً من الأحلام وأساطيل من الحب
لتنتهي كما العراق شامخاً في كل شئ إلا من وجوده!! فأهلا بك في رواية (ذئبة الحب
والكتب)... أكاد أقسم أن مؤلفها العراقي (محسن الرملي) لهو الأديب الأكثر تميزاً
وقدرة وتفرداً في إعادة إحياء الأمل ببث الحياة من جديد في الرواية العراقية بعد
سباتها المخيف على وسائد الحكام والملوك وضعف عام أصاب بنائها الصحي والهيكلي...
في هذه الرواية المذهلة والمختلفة عن روايات المؤلف السابقة، ستجد نفسك تجادل نفسك
وتحاصرها بأمواج من أسئلة واقعية يجرفها الخيال ليطرحها على لسان امرأة تنوب عن كل
العراقيين في توحيد السؤال المشترك عن شئ هزمته الحروب في إنسان أوطان الدم، وهو:
(هل لا زلنا نعرف ما هو الحب؟...).
قبل أن تختم هذه الرواية العظيمة بصفحتين، ضع بجانبك
علبة مناديل ورقية وحبتين من البراسيتول ومرآة صافية تطالع فيها خيبات الروح...
سيأخذك (محسن الرملي) في رحلة مراجعة نفسية عاطفية كبرى شاهراً سيف الحب في وجه
طواغيت العراق ومحتليه ممن أسهموا في دمارات روحية مُرّة، ولهذا فإنه يضع إهداء
الرواية بالسطر الآتي:"إهداء.. إلى كل الذين يُحبون الحب والكتب... إلى الذين
حُرموا من حبهم بسبب الظروف".
يمزج (الرملي) في هذه الرواية أحداثاً حقيقية حصلت
له أثناء هجرته إلى الأردن وإسبانيا مع شخصية خيالية اسمها (هيام)، مستحضراً ذكرى أخيه
الأديب العراقي الكبير الشهيد (حسن مطلك) الذي أعدمه النظام السابق بتهمة الاشتراك
في محاولة إنقلاب على السلطة في شهر تموز عام 1990 وقد كان الشهيد من الأدباء
المميزين الذي انفرد بروايته المهمة (دابادا) كأهم رواية عراقية في ثمانينات القرن
الماضي.
في رواية (ذئبة الحب والكتب) التي مزج فيها (الرملي)
واقعيته بتيار الوعي والبوح السايكولوجي الشعري بأسلوب سردي مشوق لا يجعلك تملّ
مطلقاً من السير قُدماً في إكمال الرواية بالرغم من أنه يغلب الانثيالات الداخلية
على صورة الوقائع الخبرية ويتخذ من الحدث منصة لإطلاق فلسفته التجريدية والانصات
لمنطقة اللاشعور في ذواتنا المنكوبة بويلات بلادها.
تبدأ القصة عندما يفتح (محسن الرملي) إيميله الشخصي
في أحد مقاهي الانترنيت في الأردن ليفاجأ بأنه فتح ايميلاً آخر، لا يعود له،
بالخطأ والصدفة فيكتشف أنه إيميل لفتاة عراقية اسمها (هيام) تكتب رسائل مكاشفة
ذاتية إلى حبيب وهمي يجسد ما تمنته من صورة للحبيب مستعيرة بشغفها وتقديرها لشخصية
الأديب (حسن مطلك) شقيق الكاتب (محسن الرملي) نفسه!! يتتبع (الرملي) رسائل هيام
التي يكتشف بأنها امرأة متزوجة، مولعة بقراءة الكتب ومثقفة تجعلها تبدو امرأة
مميزة عن باقي النساء لكل من عرفها ويحبها كل من زاد في اكتشافها... هي امرأة تصف
زوجها بـ(المستأجِر) وتبين آراءها بجرأة نادرة وعميقة.. وصلت إلى سن الأربعين وهي
تسأل نفسها.. هل الحب هو رغبة الجسد أم رغبة الروح؟!! وحتى نهاية الرواية، ومن
خلال أحداثها سيكمل (الرملي) بناءه العميق في غور النفس واستخراج نظريته المميزة
حول الحب وماهيته وعلاقتنا بأصالة العشق.
يكتب (الرملي) في روايته العميقة الآنفة الذكر ما
يلي: حين رآها الشاعر الطيب رشيد، قال اسمعي قصيدتي هذه، وهي من قصائدي الكثيرة عن
العراق، وراح يقرأ، فحفظت منها قوله :
"الزنزانة الكبرى عراق
والسجين المرتمي خلف دياجيها.... عراق
يا هوانا...
أيها الموغل ما بين فؤادي والعراق
لم تزل فينا بقايا
تتشهى كل شئ في العراق...".
باختصار... انها الرواية التي تستحق أن تضمها مكتبتك
بافتخار، علما بأن الرواية كانت قد رشحت في القائمة القصيرة لجائزة الشيخ زايد
للكتاب عام 2016م.
علاء
جاسب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق