عن
الرملي وأعماله
طاهرة آل
سيف
ماذا بعد أن نقرأ (حدائق
الرئيس) و(بنت دجلة) و(الفتيت المبعثر) و(تمر الأصابع)؟
سينتهي سؤال الرواية حول
ما تُريد قوله! وسيكف البحث عما لم تقله أيضا! وستبدو الكتابة على سبيل المراجعة
القرائية صعبة جدًا. في كل مرةٍ أقرأ بها كتاب ما، مؤثر، أُعبر عن ذلك بمقال أو
أشاغب صوت الكاتب أو صوتي، لكن الأمر لم يكن كذلك إذ قرأتُ (حدائق الرئيس)، أو كما
ينطقها بلكنته العراقية الحانية (حدائق الريّيس). في جلستين هجرتُ بهما الحياة، لا
تعبير أكثر من هذا قد يليق، تغلغلَت الرواية بي، وجربتُ الاقتراب من لغتي، لكنها
نأت بعيداً، فذهبتُ تباعاً إلى (بنت دجلة) و(تمر الأصابع) و(ذئبة الحب والكتب)
وبقية العائلة، وراهنتُ أنني سأكتب عن كل ما فعلته بي هذه الروايات! ولكن لم أكتب
حرفاً، وفي الحقيقة كان صمتًا أثيرًا، صمتٌ من ذاك الذي يجلب وجهاً آخر للحياة
بكليّتها.. لنعيد التفكير بها.
غير أن كل ما يمكن أن
يقال عن الحياة الإنسانية، كان قد قيل في هذه الروايات، على وجهٍ لا يقبل سوى
التفكير بسؤال واحد، هل أنصف الأدب الضعفاء والضحايا إذ لم يفعل التاريخ؟
نعرف أن التاريخ يكتبه
الأقوى، وإذ المعنى هلامي ولكن! ماذا لو كُتب الأدب بصوت الضعفاء، الضحايا،
والأفراد الذين تم وسم حياتهم بأرقام، أرقام مُضلَلة في أفضل حالات العلن...!
حتماً سنكون أمام أدب
يقارع التاريخ، أصدق وأقرب وأقوى...!
غير أننا إذا افترضنا أن
تلك الروايات قد أوضحت الداخل للداخل! ونكأتْ جرحه؟ ماذا عن الخارج الذي قد قرأ
المشهد معتماً لردحٍ من الزمن! كيف بعد أن قرأه عن قرب! كيف ستتغير القناعات؟ كيف
ستنقلب المواقف والأفكار من الشعوب إزاء الشعوب، لتكن النظرة إنسانية محضة حين
خرجت الصورة من قاع المأساة إلى سماء الكتابة...
لن يقتنع القارئ بعدها
أن يقول لنفسه؛ أن أدب الرملي مزيج من التجربة الشخصية والخيال والواقع والمأساة،
بل لن يكتفِ حتى يتلصصّ من قريب أو بعيد على ظلاله التي يلقيها في كتبه، سيتبعها
ليعرف أنه كان في المهجر سنوات طويلة، سيُدهش كيف كتب وطنه بعاداته وتقاليده
وأفكاره واختلاف فصائله، كتابة من لم يفارق حدوده يوماً، بل من لم يخرج من قريته،
يبرهن هذا على تأصل الذاكرة والهوية في ذاته بمسافة لم تبلغها الغربة، ليجهر
بالأصوات التي لم يقبل لها أن تدفن في مقابر جماعية، حتى يُخبر أجيالًا قادمة عن
أجيال سابقة؛ إن الموت لا ينتهي بشاهدةٍ تغرس عند رأس القبر دائماً!
إن ثمة أعمال تحفظ
للإنسان معاناته، أفكاره انفعاله إزاء عصره، سيما في أزمنة لم يكن الإعلام جهرياً
ومتاحاً كما اليوم، إذن لنقل إننا مدينون للأدب بالفعل.
يؤكد دكتور الرملي أن حق
الحياة الأول أن تُكتب، وأن قيمة الإنسان تنبع من الإيمان بوجوده وبفكره، وعليه
ألاّ يكون مجرد عابر، ولا يخفى ذلك فيما يقوم به من أعمال لإعادة نشر فكر أخيه
شهيد الأدب حسن مطلك، والذي أكاد أجزم، بعد أن يغلق القارئ كتب الأخوين الرملي،
سيقول مثل قولي أو ربما أكثر..
من الذي أنجب الآخر؟
العراق أنجبهما للعالم أم هما اللذان أنجبا العراق للعالم!
https://www.facebook.com/photo?fbid=583673950678824&set=pcb.583684714011081
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*طاهرة آل يوسف:
كاتبة سعودية، من أعمالها (رسائل متأخرة).
*لقاء د. محسن
الرملي، في مساء الثالث من نوفمبر، تنظيم نادي وسم، مدينة
الخبر