فحوصات
ثقافية
أعراس الكُتب
بقلم: الدكتور محسن الرملي
يعود تاريخ معارض الكُتب إلى أواخر القرن الخامس عشر،
أي بعد اختراع المطبعة بقليل، وكانت في بداياتها للمحترفين فحسب، من أصحاب المهن
المتعلقة بصناعة وإنتاج الكتب، مؤلفين وناشرين وطباعين ومصممين وتُجار، ثم توسعت
تدريجياً لتشمل المستهلكين، أي القُراء، فانتشرت وازدهرت في مختلف أنحاء العالم
منذ مطلع القرن العشرين، بحيث صار لأغلب المدن معرضها السنوي الخاص.
شخصياً، وبعد نصف قرن تقريباً، من معاشرتي للكتب؛
قراءة وكتابةً وترجمة وتصنيفاً وطباعة ونشراً ودراسةً وتدريساً واقتناء وترويجاً،
ومشاركتي في شتى الفعاليات المتعلقة بالكتب؛ ندوات ومؤتمرات ومهرجانات وملتقيات
وأمسيات وتقديمات ومعارض في مختلف البلدان، أستطيع القول بأن معارض الكتب؛ هي أهم
وأكبر وأجمل وأنفع تلك الأنشطة قاطبة، ففيها، وعلى مدى عشرة أيام، يلتقي القراء
والكُتاب والناشرين والمحررين والوكلاء والمصممين والصحفيين والمترجمين والأساتذة
والتلاميذ والتجار والفضوليين والحالمين وكل المهتمين، أفراداً وجماعات وعائلات
ومؤسسات.. والكل يخرج منها رابحاً؛ مادياً أو معنوياً ومعرفياً.
ومن حسن الحظ؛ أن معارض الكتب في بلداننا العربية،
تطورت كثيراً، منذ انطلاقتها في خمسينيات القرن الماضي، ومازالت فاعلة ومرغوبة
وتزداد عدداً وازدهاراً، حتى تحوّلت إلى أبرز ظاهرة ثقافية تهم الجميع، ولها دورها
المؤثر في مسيرة التنمية الثقافية الاجتماعية، لذا أرى أن يتم استثمارها أكثر
علمياً وعملياً، ومن ذلك؛ تشكيل لجان تقصي وإحصاء، لكل معرض، تنشر نتائجها لاحقاً،
حول كل ما يتعلق بنسبة القراءة والمبيعات، نوعية الكتب التي يقرأها الناس هذا
العام، العناوين الجديدة حسب التصنيفات، تأشير سلوكيات وتوجهات المجتمع، استبيان الآراء
حول شؤون ثقافية وما إلى ذلك، مما سيخدم الدارسين والمهتمين والمخطِّطين ثقافياً
واقتصادياً وسياسياً.
ملاحظة أخرى أود الإشارة والتنبيه إليها، صرنا نشهدها
في معارض الكتب العربية، وليس العالمية، وقد لا تكون – على المدى الطويل - لصالح الكُتب
وأهلها، ألا وهي ظاهرة تزايد دعوة مشاهير وسائل التواصل والطباخين والمطربين
والممثلين والمذيعين والرياضيين الذين ليس لهم أية علاقة بالكتب، وأغلبهم لم يقرأ
كتاباً في حياته، منذ مغادرته المدرسة. يتم تخصيص مساحات وفعاليات رئيسية لهم،
وتسليط الأضواء عليهم والاحتفاء بهم، على حساب دعوة وحضور الكُتاب والشعراء
والمترجمين والأكاديميين الذين أمضوا كل حياتهم في هذا الميدان... صحيح أن معارض
الكتب لدينا صارت تستحق – بجدارة - أن نسميها (أعراس الكُتب)، ولكن، من المعروف
والبديهي؛ ألا تتم الدعوة في الأعراس، لتصدُّر المَشهَد، إلا لأولئك الذين لهم صلة
بالعرس وأهله. علماً بأن أولئك المشاهير المدعوين، لهم مناسباتهم ومهرجاناتهم وأعراسهم
التي لا يدعون إليها أي
كاتِب، ولو كان تولستوي زمانه، لأنهم لا علاقة لهم بالكتب ولا تخطر لهم على بال، وهكذا
فهم في معارض الكتب لا يحدثوننا عن الكُتب، وإنما عن اختصاصاتهم هم، طبخ وغناء
وأزياء ورياضة، وعلى حد قول ساراماغو: الجميع يقولون لي يجب عليّ أن أمارس الرياضية
لأنها مفيدة لصحتي، لكنني لم أسمع قَط، أحداً يقول لرياضيّ: عليك أن تقرأ.
ختاماً واختصاراً، أرى أن تكون دعوة أي منهم – كضيف -
مشروطة بعلاقتها بالكتُب، كأن يكون قد أصدر كتاباً، أو ليُشارك في تقديم كتاب صدر
عنه أو لتقديم فعالية تخص الكُتب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*نشرت في مجلة (الناشر
الأسبوعي)، العدد 73، نوفمبر 2024م
https://xsi.sibf.com/content/uploads/publisherweekly/pdf/2_89fda94e6aef4bf4abd29721aac779.pdf
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق