«بنت
دجلة».. السخرية ابنة المرارة
الشارقة:
علاء الدين محمود
يمارس الكاتب محسن الرملي، في
روايته «بنت دجلة»، لعبة المراوغة السردية، فالعمل يذهب إلى التاريخ ثم يطل
على الواقع الراهن، ويرصد إلى جانب ذلك التحولات السياسية والثقافية والاجتماعية
الناتجة عن الاحتلال والأنظمة السياسية المتعاقبة وظهور الصراعات الطائفية، وكذلك
انتشار الجماعات الإرهابية، التي عكرت من سماء العراق الصافية الحالمة، وتعكس
الرواية حياة البؤس والألم عند الإنسان، وتحاول أن تقترب من الناس العاديين وتبرز
عيشهم تحت ظل الفقر والظلم.
والعمل يحكي قصة رحلة تقوم بها بطلة
الحكاية «قسمة» بصحبة طفلها، في طريقهما إلى بغداد، بحثاً عن جثّة إبراهيم، والد
«قسمة»، والذي أعدم في الأول من رمضان عام 2006، وفي الطريق ترى بطلة العمل ما حل
ببغداد من خراب من جرّاء الاحتلال والدّم النازف على الطرقات، فتشعر بالأسى على
حال البلد.
الرواية وجدت صدى كبيراً في المواقع
القرائية المتخصصة، وتبارى القرّاء في مدح الأساليب السردية، وفكرة الرواية نفسها.
«كوميديا فاجعة»، هكذا تحدث
أحد القرّاء في معرض وصفه للأحداث الموجعة، ويقول: «العمل قريب من أفكار مدرسة
العبث؛ حيث السخرية الداكنة والضحكة المريرة التي تشير إلى أن المأساة عندما تشتد؛
تفجر في النفس المغلوبة على أمرها الضحك»، وقريب من ذلك يرى قارئٌ آخر أن العمل
أشبه بالعرض المسرحي في تكوينه الفني المركب، ويقول: «الرواية عبارة عن تراجيدية
معقدة، فهي قد اهتمت بتشييد لوحات ومشاهد بصرية مؤثرة، وجاء رسم الشخوص بطريقة
أشبه بما يجري في المسرح، وكذلك على مستوى الحوارات والمونولوجات الداخلية».
«قضية المرأة»، هكذا تناول
قارئ أحد المواضيع المهمة التي تحدثت عنها الرواية، ويقول: «العمل ثري ومتنوع
ويتناول عدداً من القضايا التي تتجاوز فضاء العراق إلى العالم كله مثل السلام
والمحبة والإنسانية والتسامح والحب، وتركز الرواية في بعض منعطفاتها على مكانة
المرأة في بعض المجتمعات العربية، ووضعيتها في واقع الحروب والظلم من خلال بطلة
القصة»، في ما تناولت قارئة البراعة السردية للكاتب وتوظيفه لجملة من التقنيات في
العمل، وتقول: «استطاع المؤلف أن ينسج تفاصيل عمل من قماشة الواقع، وقد برع في
الاستهلال الحكائي، والحبكة الدرامية، وتوظيف المفارقات الساخرة، والوصف البديع،
والفلاش باك، وصنع الإثارة، وهي جميعها وسائل فنية قصد منها الكاتب إبراز المعنى،
وتمرير حمولة البؤس الثقيلة».
«عوالم ماركيز»، بذلك
الوصف، عقد قارئٌ مقاربة بين مناخات الرواية وبعض الأعمال العالمية، ويقول: «بالفعل
العمل يشبه أجواء القرية الصغيرة التي تدور فيها أحداث عجيبة وصادمة في رواية
(مائة عام من العزلة)، للأديب جارثيا ماركيز؛ بل وتشبه الكثير من الأعمال
الإبداعية لأدب أمريكا الجنوبية الذي يحتشد فيه السحر والغرائبية، وتقترب كذلك من
عوالم فرانز كافكا»، و يصف قارئ آخر العمل بالمرافعة الفكرية، ويقول: «الرواية هي
عمل فلسفي بامتياز يحتشد بالمفاهيم والمقولات حول واقع العالم ككل، وتقدم قراءة
وتفكيكاً وتفسيراً للأحداث، وتحتشد بالأسئلة والبحث عن المصائر».
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*نشرت في صحيفة (الخليج) الإماراتية،
بتاريخ 2 يونيو 2021م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق