روايتان ثريتان عن الحُب والخراب
مريم محمد
سلمان
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ... أكملتُ كل مجموعة محسن الرملي، ماعدا كتاب القصائد التي ترجمها هو إلى للعربية، كما أكملت قراءة رواية (دابادا) لأخيه حسن مطلك، وطبعاً هذه الرواية قضية بمفردها، من حيث الأسلوب واللغة والمعنى، ونجد استخدام محسن الرملي أسلوباً مقارباً لأسلوب حسن في رواية (الفتيت المبعثر)، أما عن الروايات الي شدتني أكثر، وأعتبرها كنزاً ونقاط قوة للكاتب، فهي (حدائق الرئيس و بنت دجلة)، ولا نبخس حق كل رواية من بقية رواياته، التي تتناول كل منها قصة معينه وقضية وحاله نفسية، حاول الكاتب أن يوصل من خلالها إلى القارئ فكرته، والحالة ذاتها بأسلوبه الرائع والشيق، والذي يجعلك تشعر فعلاً بأن بين يديك رواية متكاملة، من حيث الأحداث والسرد وإدخال آيات قرآنية واقتباسات ووقائع حقيقية، مما يُنجح الرواية ويوصل فكرة وصوت الكاتب.. شكراً لله، ثم لمحسن الرملي على هذا الإنجاز، وربي يوفقه، وان شاء الله لا ينقطع قلمه عن الكتابة ما دام حياً.
حدائق
الرئيس
يتحدث الكاتب محسن الرملي في هذه الرواية، التي تعتبر رواية
"بنت دجلة" مكملة لها، بأسلوبه الرائع والشيق، السهل المعقد بفلسفته
وتعدد شخصياته وأفكاره ومواضيعه وتنويع المشاعر وتغييرها بسرعة، بحيث تشعر باصطدام
المشاعر السوداء والملونة بعضها مع بعض. تبدأ الرواية بقصه صداقة "أبناء شق
الأرض"، طارق المندهش وعبدالله كافكا وإبراهيم قسمة، حيث تدور أحداثها حول
حياتهم. كل شخص حكاية لحاله، يتجمعون بنقاط مترابطة، يتكلم الكاتب أيضا، عن حرب
الكويت وإيران وحال الشعب والجيش والأرض تحت هذه الحروب وعن الأسرى وحالهم في إيران
وكيف هي عذاباتهم وحرمانهم وتعامل الإيرانيين معهم، وتحول بعض الأسرى الى موالين
للدولة الإيرانية ضد أبناء بلدهم، وكيف لحب السلطة والسيطرة الموجودة داخل الأنسان
أن تجعله وحشاً شرساً أشَر من أي وحش حيواني، كيف يعذب ويقطع إنساناً آخر، فقط من أجل
إرضاء سلطته. يعود الكاتب ويتكلم عن المقابر الجماعية في العهد السابق، وكيف حال
العائلة والرئيس من رفاهية وحدائق كالجنة، في الوقت الذي كان فيه شعبه محروماً تحت
حصار، وكيف كان يعذب من يعارض حكمه ولو بكلمة.. لكنني حقاً، تأثرت بشخصية عبدالله
كافكا من حيث تفكيره، عذاباته، أمه وقتلها، حبه وحرمانه منه ولقائه به، فلسفته
وعدم مبالاته، عبدالله الأسير في الحزن، والذي حين كان في بطن أمه لشهور، عاشا في
قبو، وبعدها بيُتم، ثم جندي بين الحروب والموت وعشرين سنة أسير في ايران، ورفض والد
حبيبته تزويجها له، فلم يعد يؤمن بالحياة ولا بالأقدار. أما إبراهيم، الإنسان
الخاضع الخانع الذي اعتاد منذ صباه على القبول والقول بأن كل شيء قسمه ونصيب،
حياته، حروبه، زواجه وابنته قسمه، التي ركز عليها الكاتب في رواية (بنت دجلة) من
حيث تركيبتها النفسية، أفكارها واضطرابها وتمردها...
إن هذه الرواية من الروايات التي ستخلد في قلبي وقلب كل من
قرأها بروحه وكل مشاعره، تمنيت ألا تنتهي، فبعدها شعرت بوحدة وشوق كبير إلى شخصياتها
ومناخاتها... هنا أستطيع القول، أنك قرأت رواية مشبعة من كل شيء، تنطوي على مشاعر
وأفكار ثرية.. هنا أستطيع القول بأني قد قرأت فعلاً رواية بمعنى الكلمة.
أُحب الطريقة التي يطرح فيها الكاتب محسن الرملي موضوعة الحب والمشاعر والكلمات، والحاجة إلى الأخر، أُحب الحب بطريقته الخاصة، أن تكون عاشقاً حقيقياً وتعيش أجمل وأقسى المشاعر مع من تُحب.. هنا تستطيع أن تعبر عن الحب بأبها العبارات.
بنت دجلة
وقعت أحداثها بعد الغزو وقبل ٢٠١٠، أتذكر هذه الفترة جيداً،
والتي كثر فيها الأحزاب وجرائم القتل والاختطاف والطائفية سنة ٢٠٠٦ حيث انتقلنا من
الرصافة إلى الكرخ بسبب العصابات الإجرامية، المتحدثة باسم الدين ... يتناول الكاتب
في رواية (بنت دجلة) مواضيعاً عديدة، بأسلوب سهل وذكي، يمكن لكل الناس أن يقرأونه
ويفهمونه، يتحدث عن الفترة الي كان فيها الأمريكان في العراق، وخاصة ما بعد الاجتياح،
وفترة الطائفية والخطف والقتل والسلب والنهب.. فترة سوداء في تاريخ العراق، ويتطرق
أيضاً إلى الفساد والاستغلال المستشري في دوائر الدولة، وشيوخ العشائر الذين
ساهموا في النهب وأخذوا نصيبهم من ذبحة وانتهاك حرماته بالتعاون مع الاحتلال
والميليشيات واستغلال جهل الناس وسرقة أموالهم، كما تناول ظاهرة المراقد الدينية
المزيفة التي كونها بعض المعممين لأغراض مادية، كما تطرق إلى طبيعة تشكيل الأحزاب
الوهمية، وكيف تتكون من حيث ارتباطها بالاحتلال، وكيف تكوّن الميليشيات والعلَم وإصدار
الصحف والقنوات التلفزيونية تحت مسميات شتى، والهدف واحد، هو نهب خيرات البلد أو
الأصح ما تبقى من خيرات، وكشف عن فداحة المتاجرة بالدين وكيف كانت الحرب الباردة
بين الدين والسياسة ضد الإنسانية... وطرح شخصية البطلة المضطربة الخائفة المنتقمة،
التي تصل إلى مرحلة حب السيطرة والانتقام بسبب تشجيع من حولها من رؤوس أفاعي
لأعداء الوطن... يأخذنا الكاتب إلى قصة شاعر كان متمرداً في زمن النظام السابق حتى
سيطر عليه وعلى شعراء آخرين، ابن الرئيس السابق، لإسكاته وأيضاً لمدح النظام، وكيف
مر بظروف مؤلمة بعد الحرب من تشرد واعتقال من قبل الأمريكان.. إلى أن انتهى به
الحال للنوم في الشارع، سكراناً في أغلب الوقت. ثم يحدثنا عن عبدالله كافكا الأسير
الذي تعذب في إيران عشرين عاماً، وعن حبه الذي حُرم منه وعن القلادة، التي أسرتني
شخصياً وتمنيت لو أُهدى مثلها يوماً من شخص يحبني... نهاية الرواية كانت مدهشة
ورائعة، نهاية البطلة كانت صادمة بالنسبة لي، والجميل بالذكر توظيف الشواهد من
القرآن والقصائد التي كانت مميزة في الرواية، إلى جانب كيفية ذِكر خبر إصدار حكم
الإعدام بحق الرئيس السابق، وردة فعل المظلومين من الشعب بسببه، كما كانت التفاته
رائعة الإشارة إلى حادث البنت عبير الجنابي التي اغتصبها الأمريكان في بداية الحرب،
وكيف لهذا الأمر التأثير في نفسية وتفكير البطلة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق