الكاتب العراقي محسن
الرملي :
*لماذا كانت الهجرة من العراق إلى إسبانيا؟
*نشر في صحيفة (روز اليوسف) المصرية، العدد 2501 بتاريخ 13/8/2013م
اختيار المنفى هو
أهون الشرور رغم قساوته
راضٍ بازدواجية هويتي وأتمنى
لو أنها أكثر تعدداً
حاوره: خالد بيومي
صحيفة (روز اليوسف)
المصرية، بتاريخ 13/8/2013
الكاتب العراقي محسن الرملي مبدع من مبدعي
العراق الذين دفعوا ثمنا غاليا ومؤلما للديكتاتورية التي حكمتهم لفترة طويلة، غادر
دياره لمنفى إجباري بعدما أصبحت مجرد الحياة فى الوطن غير مضمونة، رغم سنوات عمره التي
أهدرها الانتقال لمجتمع جديد والتأقلم معه قانونياً وثقافيا، يرى أن تجربة الانفتاح
والاختلاط والتبادل الثقافي سواء المباشر أو الناتج عن الترجمة من أهم مقومات بناء
الحضارة الإنسانية.. محسن الرملي الذى يكتب الشعر والقصة والرواية والمسرح إلى جانب
عمله الأكاديمي، حدثنا فى هذا الحوار عن مميزات التنوع الثقافي واللغوي كما يراها،
وعن رؤية الغرب لثورات الربيع العربي ورد فعله، ورؤيته هو الشخصية وتأثيرها على المستقبل
السياسي للعراق ...
فى هذا الحوار:
ـ لأن الحياة لم تعد تطاق هناك، بل أن
مجرد الحفاظ على الحياة صار مهَدداً، وخاصة بعد أن تم إعدام أخي الكاتب حسن مطلك
بتهمة الاشتراك في محاولة لقلب نظام الحكم عام 1990 كما أعدمت الدكتاتورية واعتقلت
العديد من أقاربي وأصدقائي وأغلقت كل الأبواب في وجوهنا من حيث فرص العمل والعيش
الكريم والآمن وتضاعفت المتابعات والمضايقات الأمنية الخانقة والمُذلة، كل ذلك وسط
ظروف محيطة قاهرة من حصار اقتصادي وقمع لكل الحريات وسلب لأبسط الحقوق وخراب
متواصل في ظل دكتاتورية شرسة، فكان قرار الهجرة واختيار المنفى هو أهون الشرور رغم
قساوته ومرارته في البداية، فهاجرت أولاً إلى الأردن وبعدها بعامين إلى إسبانيا.
*ماذا أعطاك المنفى وماذا أخذ منك؟
ـ أعطاني الحرية والأمان ومعرفة الآخر
المختلف وثقافته عن قرب، وأخذ مني دفء العائلة والأهل والأصدقاء والأحلام الأولى
وتصوراتي عن الوطن، كما أخذ من عمري أعواماً طويلة تمت التضحية بها من أجل ترتيب
حياة جديدة وما يتعلق بأساسياتها من تأمين مصادر للعيش وأوراق قانونية والتكيف مع
ثقافة مختلفة وغيرها.
*تكتب الشعر والقصة والرواية والمسرح والعمل
الأكاديمي.. كيف توفق بين هذه الاهتمامات؟
ـ ربما العكس هو الصحيح، أي أنها، ومن
خلال تنوعها، هي التي توفق بيني وبين نفسي المتعددة في ظروفها واهتماماتها وقلقها
وهمومها الوجودية والواقعية والنفسية، أشعر بأنها تشبهني من حيث أنها تبدو متعددة
في الظاهر بينما هي في الأصل واحد، أي أنها كلها (كتابة)، لذا عادة ما أفضل تصنيفي
كـ(كاتب) بدل القول شاعر أو قاص أو روائي أو مسرحي أو أكاديمي.. وأنا أثناء
الكتابة لا أجد إشكالية في هذه التصنيفات الفنية الإجرائية فيما يتعلق بالأجناس الكتابية
وذلك بحكم بداهة أن المضمون أو الموضوع هو الذي يختار أو يفرض الشكل الكتابي الذي
يناسبه.
*أين تجد نفسك أكثر؟
ـ أجد نفسي أولاً في القراءة لأنها جزء
أساسي من فعلي اليومي منذ أن عرفت القراءة وبفضلها بدأ تعرفي الحقيقي على العالم
ورافقتني ولازالت بشكل يومي وسترافقني العمر كله حتى النهاية، أما الكتابة فهي
ليست من سلوكي اليومي وإنما لها أوقاتها المتباعدة ومتطلباتها الظرفية والمزاجية
الخاصة. أما عن الأجناس، فأنا أجد نفسي في السرد أكثر وبشكل أخص في الرواية، على
الرغم من قلة إنتاجي فيها. ذلك أن الرواية تمنحني مساحة أكثر من الحرية والتعبير
عما يعتمل في نفسي من هواجس وأفكار وذكريات وقلق واحتجاج ونقد وأحلام ورؤية وغيرها،
وتتيح لي مشاركة الآخرين والتعبير عنهم، ومن بعض ما أجده فيها أيضاً: التخفيف أو
(التطهير) وفق وصف أرسطو القديم لوظيفة الفنون التعبيرية. ورغم صعوبة الكتابة وما
تتطلبه من بذل جهد ووقت إلا أنها تتيح لك أن تعيش المتبقي من جهدك ووقتك بشكل نفسي
وإنساني أفضل وأعمق.
*تكتب بالعربية والإسبانية.. ألا يشكل ذلك
ازدواجا في الهوية؟
ـ نعم هو كذلك، ولكنني تكيفت مع هذا
الازدواج أو حتى التعدد والانشطار أحياناً بحيث أصبحت أحبه وصار هو الوجه الأبرز
لهويتي أو شخصيتي، كان هذا الأمر يقلقني في البدايات لكنه الآن أصبح يريحني
ويمثلني أكثر بعد أن أدركت بأن موضوع (الهوية) الذي صدعونها به في الأعوام الأخيرة
يقترب من نهايته كموضة، وأنه كان قائماً على أوهام في أغلبه وأن الواحدية الثقافية
أو النقاء الثقافي أو العرقي ما هي إلا أوهام لا أساس لها من الصحة وتتعارض مع ما
هو إنساني صرف، وأكثر من سوّق لهذه الموضوعة كان مدفوعاً لأسباب سياسية واقتصادية
أو حتى عنصرية. أنا راض بازدواجية هويتي ومنسجم معها، بل وأتمنى لو أنها أكثر تعدداً
مما هي عليه الآن.
*تُرجمت أعمالك إلى لغات أجنبية.. كيف ترى
دور الترجمة في الحوار بين الحضارات؟
ـ لا شك أن دور الترجمة عظيم في خدمة
البشرية جمعاء وكل حضاراتها، وليس هناك أي وجود لحضارة تستحق أن تسمى (حضارة) ما
لم تستفد من الحضارات الأخرى ومن الترجمة عنها وإليها. إن أهمية الترجمة لا تقل
أبداً عن أهمية وظيفة اللغة الخاصة التي نتحدث بها لنتفاهم مع القريبين منا، فهي
بمثابة اللغة التي نتفاهم بها مع البعيدين وكلما زادت الترجمات بين اللغات
والثقافات كلما زاد واغتنى الحوار وبالتالي الفهم والتفاهم بينها، وأنا عادة ما
أحلم وأدعو لإيجاد وزارات للترجمة أسوة بوزارات مثل الخارجية والتربية والمواصلات
والاقتصاد وسواها.
*كيف ينظر الغرب إلى الربيع العربي؟
ـ في البداية هزته المفاجأة، ثم الدهشة
ثم الإعجاب بحيث أن كبرى صحفه قد كانت تتصدرها كلمات عربية في تلك الأيام مثل
(حرية) و(تحرير) و(إرحل) وغيرها، والغرب هو الذي أطلق تسمية (الربيع العربي)، وبما
أن الغرب عقلاني فسرعان ما تجاوز انفعالاته الأولى وراح يحلل ويطرح الأسئلة ويدرس
كل ما يتعلق بهذا الربيع من أسباب وكيفية وأبعاد واحتمالات مستقبلية من مخاوف
وآمال، وبالطبع تأتي على رأس أولوياته مسألة النظر إلى مصالحه وما يخدمه هو مما
يحدث.
*هل تعتقد أن الربيع العربي أثر بالسلب على
القضية العراقية أم ساهم في تسليط الضوء عليها؟
ـ أعتقد بأنه أضرها أكثر مما نفعها، فقد
همشها إعلامياً من جهة ومن جهة أخرى زاد من تكالب القوى الداخلية والخارجية اللاعبة
في العراق لفرض المزيد من سبل التحكم وقمع انتفاضته وتجيير البلد بمجمله وفقاً
للمعادلات الإقليمية التي ينتجها هذا الربيع العربي لمصلحة هؤلاء اللاعبين وليس
لمصلحة العراق. علماً بأن الشعب العراقي كان أول المنتفضين ضد الدكتاتورية وذلك
عام 1991 وأوشك أن يسقطها لولا تدخل القوى الخارجية للإبقاء على النظام فدفع الشعب
العراقي ثمناً باهضاً ولازال، ومع ذلك فقد حقق الشعب الكردي من يومها هدفه بالتخلص
من هيمنة السلطة الدكتاتورية في المركز واستطاع بناء ذاته إلى حد بعيد وهو ما نرى
ثماره الإيجابية الآن. إن العراق ينظر وينتظر، ويده على قلبه، ما سوف يتمخض عنه
الربيع العربي في البلدان التي شملها التغيير لأن ما سيحدث فيها سيؤثر عليه سلباً
أو إيجاباً.
------------------------------*نشر في صحيفة (روز اليوسف) المصرية، العدد 2501 بتاريخ 13/8/2013م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق