الاثنين، 3 مارس 2025

عن اعتزال الكتابة/ محسن الرملي / النهار

 

متى يَعتزِل الكاتب الكتابة؟

 

سارة النمس

محسن الرملي:

المرحلة العمرية الأفضل للكتابة هي بين الأربعين والخمسين

*هنالك روائيون كتبوا روايةً واحدةً لم يُعرَفوا بغيرها، ومن كتب بضعة أعمالٍ روائية تعدّ على أصابع اليد الواحدة وهنالك من استمّروا في التجريب والكتابةِ بلا توقف، باعتقادك متى على الكاتب أن ينسحب ويتوقف عن تأليف الروايات؟

ـــ لا يوجد قياس لهذه المسألة، فالأمر يتعلق بطبيعة كل كاتب، ظروفه وأفكاره ومزاجه، بل وحتى بوضعه الصحي والاجتماعي، وأعتقد بأن توقفه عن الكتابة يتوقف على مدى قدرته على الإضافة إلى ما سبق وأنجزه أم لا، وعلى مدى ما إذا كان لديه جديد وشيئاً يريد قوله، وفي كل الأحوال أعتقد بأن الكتابة بالنسبة للكاتب هي أسلوب حياة وهوية وانعكاس لكل وجوده وأفكاره ورؤاه، لذا نجد أغلبهم لا يتوقفون عن الكتابة طالما هم أحياء، وحتى الذين يتوقفون اضطراراً، لظروفهم، فهم لا يعلنون ذلك، على أمل أن يستطيعوا تقديم عمل إضافي جديد، حيث يبدو التوقف عن الكتابة بالنسبة لهم وكأنه توقف عن الحياة.

*كيفَ تتغيّرُ مخيّلة الروائي أو الروائية مع التقدّم في العمر؟ بين الشاب العشريني مثلاً الذي قد يمتلكُ المخيّلة الخصبة والاندفاع في تجاربه الشخصية والاجتماعية المُلهمة ولكنّه قد يفتقر إلى النضج والخبرة في استخدام الأدوات والتقنيات، ثم ينضج ويكتسِب الخبرة والتمكّن ويفتقد الإلهام والشغف، ما قولك في هذا؟

ـــ نعم، هذا تشخيص صحيح إلى حد كبير، وقد لا حظته في تجربة مسيرتي الشخصية مع الكتابة في مختلف المراحل العمرية، وكثيراً ما تحدثنا عن هذا الأمر، أنا والأصدقاء الكُتاب من مختلف الثقافات، كما لاحظنا ذلك في مراقبتنا ودراستنا لمختلف أعمال الكُتاب الآخرين من مختلف الأجيال والثقافات، وهذا لا يقلل من أهمية ما يكتبونه، بل يثريه ويجعل سلسلة أعمالهم متنوعة، من حيث الشكل والمضمون، فمثلاً؛ هناك فرق شاسع بين أول عمل لنجيب محفوظ كتبه وهو في العشرينات من عمره وعمله الأخير الذي كتبه بعد تجاوز عمره التسعين، ولكن لكل منهما أهميته الكبيرة... أما في تقديري الشخصي فإن المرحلة العمرية الأفضل والقادرة على الجمع بين الأمرين فهي ما بين الأربعين والخمسين، ليس على صعيد الكتابة فحسب وإنما في حياة أي إنسان، يبدو لي وكأن ما قبل الأربعين هو مقدمة للحياة وما بعد الخمسين هو خاتمة لها.

*هل يشعر الكاتب بعد تجارب روائية كثيرة بالاستنزاف؟ وأنّه استهلك كل أفكاره ومواضيعه وقضاياه في الكتابة؟ ما الذي يكون قادرًا على إثارة مخيّلة الكاتب وتحفيز إلهامه حينها حسب تجربتك؟ وما الذي يساعده على الاستمرارية وكتابةِ روايات قوّية وناجحة في مستوى توقعات قرائهِ؟

ـــ ليس تماماً، فحتى لو كان محور كل أعماله مواضيع وقضايا محددة بعينها، فسوف يبقى في داخله شيء يريد أن يضيفه إليها، وكما قال سيبويه: "أموت وفي نفسي شيء من حتى"، وشعوره بأن مازال لديه رأي أو وجهة نظر أو فكرة يريد أن يقولها وينفع بها الناس، هو ما سيساعده على الاستمرارية، ونلاحظ بأن الكاتب في خواتيم حياته وأعماله، لا يهتم كثيراً بتوقعات ورغبات القراء والنجاح، بقدر اهتمامه بما يريد قوله هو وبالطريقة والشكل الذي يريده، بغض النظر عن حسابات السوق والموضة والنجاح، وفي كل الأحوال فإن لدى أي كاتب ثمة شيء أو مشروع مؤجل يود لو ينجزه، ولا يوقفه عن سعيه إلى ذلك سوى وطأة الزمن والموت، فكما قال كازانتزاكيس: أنا لم أتعب، ولكن شمسي قد غربت.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*نشر في صحيفة (النهار) بتاريخ 24/2/2025م

https://www.annahar.com/culture/197090/%D9%85%D8%AA%D9%89-%D9%8A%D8%B9%D8%AA%D8%B2%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%A7%D8%AA%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%D8%A9

ليست هناك تعليقات: