أبناء وأحذية.. عن معنى استمرار الحياة
عمل بديع يبدأ من العراق وينتهي بالعراق
محمد أمين
القراءة الأولى يونيو 2021/ القراءة الثانية يونيو 2022
أبناء وأحذية رائعة الكاتب العراقي محسن الرملي..
هي رواية عن العراق وأهله، في الموطن وفي شتات الغربة، عن مشاعر الحب والفقد والوحشة
والاغتراب، عن فرحة الميلاد ومرارة الموت، عن الآباء والأبناء وتعاقب الأجيال،
ونثر بذور الحياة في الأرحام وانتظار الثمار في لهفه واشتياق، عن معنى الحياة وجدوى
العيش، وسط عالم مليء بالصراعات والخيبات والنجاحات، هي رواية قادرة على جذب
انتباهك وشحذ تفكيرك وكسب تعاطفك ودموعك في آن واحد. يجمع محسن الرملي كل هذه
الخيوط في يديه، ليرسم بقلمه كلمات وجمل وحوارات وشخصيات هذا العمل البديع، ليقدم
لنا عملاً يبدأ من العراق وينتهي بالعراق.
تدور الرواية عن الشاب العراقي أمير، الذي يجد نفسه مشتتاً بين إرضاء رغبات
والده في العمل بالشرطة، وبين تحقيق حلمه في دراسة المسرح.. إلى أن يتخذ قراره
بالتمرد والتوجه لتحقيق حلم حياته، بالاشتراك مع حُب عمره زهراء، التي جمعها معه
حب الفن والمسرح، ويبدأ الاثنان رحلة تمرد مشتركه، تبدأ بالدراسة وتنتهي بالزواج وإنجاب
ابنتهم أميرة الزهراء، وتنتهي بما لم يتوقعانه يوماً. تنتقل الأحداث إلى إسبانيا
ثم إلى كولومبيا، حيث يتغير أمير الحالم، ويكتشف أبعاداً جديدة في شخصيته، وجدوى
حياته وتوجهاته وعواطفه المختلفة، وعلاقاته مع الشخصيات التي يكتشفها في العالم
الجديد.
تضم الرواية مشاهد عديدة.. تستحق جائزة البوكر في حد ذاتها، حيث أجاد الكاتب،
وببراعة وحرفية شديدة؛ رسم أبعاد المشهد ووصف ما يحيطه، من أماكن وخلفيات وشخوص مختلفة،
بالإضافة إلى وصف مشاعر واختلاجات الشخصية وتأثرها بالموقف، حيث لا تملك أنت حينها
إلا أن تعجب ببراعة الكاتب في الوصف والتحليل. من هذه المشاهد؛ مشهد استلام أمير
جثة ابنته الرضيعة، وهو لا يدري ماذا يفعل بها، وتسكعه وسط الشوارع والأزقة، باحثاً
عمن يغيثه في مصيبته ويعينه على التصرف الصحيح... يتجلى هنا إحساس الوحدة والضياع،
وغربة الإنسان والوطن الغريب، في مونولوج البطل، واختيار الكاتب للكلمات والجمل الوصفية
التي تكلل المشهد وتجعلك جزء منه، حيث انك تشرع في الحديث إلى البطل ومحاولة نجدته،
ومشاركته موقفه الذي لا يُحسد عليه... تجد أيضاً مشهد رثاء أمير محبوبته الغريبة
في الأرض الغريبة، ومدي لوعته لفراقها، حيث تشعر معه بمرارة الفقد، ولوعة فراق
الأحبة، والوحدة القاتلة التي تنتظره. ومن المشاهد المميزة أيضاً، هو وداع أمير لصديقه
هاني المصري، وافتراقه عن عائلته الكولومبية... وغيرها الكثير من المشاهد المميزة والمؤثرة..
والتي تجتمع كقطع البازل لتكون صفحات هذه الرواية الرائعة.
يتم سرد الأحداث بالكامل على لسان الراوي البطل، حيث يبدأ من بدايات حياته في
العراق ويكشف عن جوانب اجتماعية ونفسية كثيرة ساهمت في تشكيل جوانب شخصيته وعلاقته
بعائلته، مرورا برحلات الاغتراب، وينتهي برغبته في العودة إلى أرض الوطن، راجيًا
أن يجتمع مع نور حياته وسبب شتاته مره أخري.
التيمة الأساسية والمحورية في الرواية هي استمرار الحياة مع اختلاف الظروف المحيطة
والعقبات المختلفة، حيث لا بد للحياة ان تستمر وللنهر أن يجري وللصغير أن يكبر.
فكرة العلاقة الأسرية بين الطفل وأهله، ومحيط مجتمعه ومدى أهميتها في تشكيل شخصيته؛
حاضره بقوه بين الشخصيات ابتداء من أمير وانضباط وكوثر المغربية وإيراسيما
الكولومبية وانتهاءً بأطفال أمير، الذين نثر بذورهم في أرحام أمهاتهم ليتركهم
يكبرون وحيدين. فكرة الظلم والقهر والاستغلال أيضاً حاضره في علاقة أمير وزهراء،
وفي شخصية هاني المصري الذي هجر بلاده وأهله بسبب الظلم، وأيضاً في استغلال منهل
أو مانويل لكل من حوله.
من اللافت للنظر، تشابه موقع الأحداث في الجزء الثاني من أحداث الرواية، مع
الجزء الثاني من أحداث رواية تمر الأصابع، حيث إسبانيا والمطعم والبار
والبنت العربية المهاجرة وهي كوثر هنا وفاطمة في (تمر الأصابع) وشخصية العراقي
المهاجر الذي يساعد البطل ويهيئ له حياته الجديدة، وهو منهل هنا، والأب في تمر الأصابع.
تتشابه أيضاً العلاقات في الروايتين، بين شخصيات المهجر الاسباني، وهي تمثل للكاتب
الوطن الثاني، حيث يقيم حالياً، ولا شك انها تركت في كتاباته ذاك الأثر.
رواية أبناء وأحذية، من العلامات المميزة في كتابات محسن الرملي وتستحق
الإشادة والتحية.
-----------------------
*محمد أمين: كاتب من مصر.
*نشرت في (أنفي يطلق الروايات) بتاريخ
5/6/2022م
https://www.facebook.com/photo?fbid=10158352910201022&set=gm.5316583118426054
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق