قراءة في رواية (بنت دجلة) لمحسن الرملي
الحادثة الروائية بين سطوة الراوي وشروع بؤرة المروي
حيدر عبد الرضا
توطئة:
أن
مؤولات البحث والمقاربة في آليات ونمذجة الكشف عن مسار تجربة رواية (بنت دجلة)
للقاص والروائي العراقي محسن الرملي، تتطلب من قارئها إعادة النظر في كل أفضية
علاقات وأواصر وتداخلات الموضوعة في مبنى الحيز الحكائي وعبر سياق مرجعيته
النواتية في مخزون الذوات النصية والفعلية والصفاتية، وليس هذا الأمر سوى معاينة
وظيفية ذوقية خاصة في أوليات رؤية المبنى والمتن للحكاية الروائية، المنتجة ضمن
تجليات من المجانسة العضوية والمتابعة الواقعية المتخيلة لجل الفواعل الموقفية
وصفاتها وأفعالها الخلافية و الأئتلافية في ماهية الفعل السردي المترابط أو
اللامترابط في أفق سيميولوجية الخطاب المدلولي. نحن لا نتقصد عبر مستهل قراءتنا
للنص أية مؤاخذة جارية على محمولات نص الرواية تجسيدا، أنما نقصد بأن الروائي قد
فرض هيمنة سارده كلي العلم على حيوات ذوات شخوصه، حتى أننا كدنا لا نفرق ما بين
وظيفة (الحكواتي) ووظيفة (الراوي كلي العلم) إلا في حدود قصدية الوظيفة المناطة
للراوي نفسه في عضوية المستودع السردي مجملا. في الحقيقة توافينا رواية الرملي
بالعديد من الأحداث وبروز الأسماء الشخوصية المحورية، والهامشية ولدرجة وصول الأمر
حد التخمة و الإشباع مما أحدثته هذه آليات والعناصر من ائتلاف وحدوية الغرض
الموظفة لأجله في دلالات النص، فهناك حالات شخوصية هي من الزخرف والعرض والحشو في
طبيعة الموضوعة الحكائية في مجال التنصيص، وهذه الأسماء والأفعال بعضها ما قاد
النص الروائي إلى مساحة شاغرة من أفق الإضافة والنمو النصي السليم، لذا فإننا من
هنا و هناك صرنا نلاحظ توافد وجوه عديدة للشخوص إلى جانب اعتباطية الوظائف
الدينامية في أمكنة ظاهرية ومتفرقة من توزيعات شبكة المروي السردي، الذي جاءنا
مخولا بكيفيات قد تبدو قسرية ضمن مؤشرات زمن السارد، وكأن طبيعة هذه المحاور في
الرواية هي محض (مونيكات؟!) واقفة في أدوار متحركة تساندها وسائط رقيبة من الحكي
والإيعاز من ذلك الراوي المتسيد بسطوته على مستويات جل الأفعال والصفات والمواقف
السردية في الرواية؟
ـ المتن الحكائي ومجريات تفعيل روابط النص.
تعرفنا
صياغة بوليفونية الأصوات في مستوى الحكي عبر بناء آليات متن النص، عن طبيعة
المنظور الذواتي في مركبات أسلوب المادة الحكائية، ذلك بدءا من الشخصية المحور
قسمة وطارق عند تعرضهم لحادث توقف عجلتهم لحدث صحي طارىء خلال الطريق أو بفرضية
عدم الانضباط بالمسافة الممكنة ما بين صعود سيارتهم خلف مسافة الرتل الأمريكي
المتقدمة والمقررة من قبل حدود الحيز المتاح ما بين طرفين، ولكن الأمر كما يتبين
ليس بهذا الافتراض خصوصا وأن العارض كان في توقفهم القيء والدوار من قبل قسمة، وعلى
هذا النحو من الأمر أدى إلى تعرض الزوجة قسمة وطارق إلى المساءلة و الأهانة من قبل
الأمريكان، وهو شيخ الدين والعشيرة بدوره يتعرض إلى اهانة أقرب ما تكون إلى حالة
التكهم والاستخفاف من قبل جنود ذلك الرتل الأمريكي: (بعد أن تقيأة قسمة في منتصف
الطريق الذاهب إلى بغداد، وأحست بالجوع، قررت أن تأكل العراق؟ / عزمت على ذلك في
نفسها بعد أن أنفض المشهد الأمريكي السخيف، فعندما وقف طارق المندهش، الذي أصبح
زوجها بالأمس سيارته إلى جانب الشارع، نزحت هي مسرعة تاركة طفلها في المقعد الخلفي،
وجثت على الأرض، قاذفة بإفطارها بين الحصى.. رأت حشدا من الجزمات العسكرية
يحاصرها، فرفعت رأسها ووجدت نفسها محاطة بالجنود الأمريكيين وبنادقهم مصوبة إليها.
/ ص7 الرواية.) تتبين لنا من حدود هذه الحادثة السردية، بأن الروائي أراد من خلال
مشخصات هذا الموقف، دعمنا بدليل ارتباط مقولة العنونة الفصلية الموسومة ب (قسمة
تقرر أن تأكل العراق) وأن من الواضح ما تحمله هذه العتبة العنوانية من مداليل
كنائية هي في الحقيقة أوسع مما يضنه قارئ هذه العتبة من مؤشرات ترتبط ودوافع هذه
الشخصية قسمة وقصة موت والدها إبراهيم منزوع الرأس عن الجسد مع عدد من الرؤوس
الأخرى، وما يتضح من سياق الحادثة دفن الرأس للأب إبراهيم اضطرارا دون باقي الجسد
من قبل أهل القرية التي لم يحدد الراوي موضعها وأسمها جهرا من قبل الموقع الجغرافي
لها، لذا وجدنا الشخصية قسمة إلى جانب زوجها طارق أبن قريتها و صديقا لوالدها
المنحور الرأس ـ زوجا لها يرافقها مع طفلها الذي هو وليد زوجها الأول الذي قد أعدم
لعد محاولة خاسرة منه في أحداث عملية انقلاب لرأس النظام السابق في بغداد.
1ـ الفضاء السردي مبين خطاب المرويو التبئير المضاعف:
لعل
من أكثر السمات الوظيفية في مواقف الرواية جدلا وسخرية، هي صورية ومفارقة أكثر مما
هي دليلا، لذا فأننا نعاين جميع وقائع النص الحاصلة تدخل ضمن دائرة (الحدث العارض)
أو المواقف الممنوحة بسخاء بارد من التنصيص ذاته، فعند اصطدام الشخصية قسمة وإهانة
زوجها طارق وصراخ طفلها، نلاحظ هذه الوحدات من العرض النصي اللاحق: (عرفت أن أحدهم
هو الآمر، لأنه همهم بكلمات قليلة، ارتفعت عنها القبضات فنهضت مسرعة نحو السيارة،
وتناولت عباءتها أولا، علقتها على رأسها ثم تناولت الطفل.. وقفت أمامه بالضبط،
وعلى الرغم من طول قامته، شعرت بأنها أطول منه. /ص8 الرواية.) حاضر السرد أكثر
عمقا وأكثر درامية وآسرا لأسمى اعتبارات المماثلة المحسوسة من قبل سياق الوحدات
(وعلى الرغم من طول قامته.. شعرت بأنها أطول منه) بهكذا شروعية مقايسة نتلمس من
خلالها واقعية متخيلة كان المؤلف يسعى إلى فرض سطوة الشخصية قسمة في عنفوانها
الداخلي، ولدرجة وصول الأمر لإحساسها بأنها تتعدى بقامتها قامة الجنرال الأمريكي
آدم، كما هو الحال وجدناه بعد مرور هذا المشهد العارض، إذ قصدا كل من طارق و قسمة
منزل صديقه الشيخ ظافر في قريته المحاذية إلى طريق مدينة بغداد، وذلك عندما قام
الرهان بمبارزة التبول وقوفا بينها وبين الشيخ طافر ، وقد أراد من وراءها الرملي
فرض معادلة خاصة تتعلق بمقتضيات فنون الشيطنة لدى هذه المرأة الناقمة، حيث يبقى
التلقي بحدود هذه الحادثة الناشزة تتقدمها جملة من الأسئلة وحالات من التوتر و
تشنج الملامح والانتظار المصفر حول كيفية إمكان امرأة التبول وقوفا دون ظهور أية
عوارض من شأنها اظهر آثار تلوث من خلال موضعية خاصة للتبول النسائي من قبل ذلك
الإجراء الوضعي المخيب: (المرأة ليست كالرجل أبدا أبدا فردت عليه بإصرار أيضا بأن
المرأة تستطيع أن تفعل كل ما يفعله الرجل من وظائف، بل وانها تتفوق عليه، في كونها
تستطيع أن تحبل وتنجب وتربي، وتكون أما وزعيما في الوقت نفسه، فيما الرجل لا
يستطيع فعل ذلك .. فحاول الشيخ أن يفحمها وينتصر عليها بمسحة من التكهم، قال: بل
أننا نحن الرجال، سنرفض مهمات الحمل والولادة، حتى وأن منحتنا الطبيعة إمكانية
ذلك. / ص15 الرواية) في الحقيقة أن شخصية قسمة ذات علامات أنثوية ملفتة مما جعلها مع
مواقفها الحدية موضع إعجاب الشيخ طافر تتابعا، وهذا الأمر بذاته ما جعل قسمة
تتمادى في صلابة موقفها حول مسألة كون المرأة طاقة كفائية وواثقة بذاتها حول
حصولات ومترتبات طارئة قد يحدثها الرهان ما بينها والشيخ طافر هذا الرجل القبلي
الذي أرتضى لنفسه أن يقارن نقصه الفاضح بحجة واهية بعدما وجد أن الشخصية قسمة قد
غالبته في جل حججها الضاربة: (فأضاف: اختصارا لكل هذا الجدل، أستطيع أن أقول لك
مثلا بسيطا، يدل دلالة قاطعة ، على أن المرأة ليس على أن المرأة ليست كالرجل ..
فأنشدت إليه الأنظار والأسماع، وران الصمت، إلا من سؤالها: ما هو؟ قال: أن الرجل
يستطيع أن يبول وهو واقف، أما المرأة فلا تستطيع ذلك. / ص15 الرواية) ما يلفت انتباهنا
في شخصية طارق كونه ذلك الزوج الذي يكبر قسمة بعدد من السنوات العمرية الفارقة،
فهو كان صديقا حميما لوالدها إبراهيم، وله زوجة أولى وأولاد يقارب البكر منهم عدد
سنوات قسمة العمرية، لذا وجدناه و بحكم كونه ذلك الرجل الملتزم والورع في فقه
وأصول الدين والعارف بشؤون عادات و تقاليد أفراد ووجهاء عشيرته، إذ أخذ لنفسه في
هذه المناظرة الحادثة ما بين زوجته قسمة والشيخ طافر، موضعا لا يحسد عليه أبدا،
فهو راح يتخيل في ذاته كيفية حدوث هذا الأمر بهذه الصورة المقززة وكيفية مرأى
زوجته وهي تتلطخ بأطراف ثوبها الملامس لقطرات بولها السائح من أسفل جسدها. في
الواقع الأمر في غاية الصعوبة حقا، خاصة وأن قسمة قد قبلت الراهن أخيرا إلى جانب
وضعها لمطالب وشروط خاصة فيما أن ربحت الرهان لذاتها، ذلك في دفع مساحة التبول نحو
مسافة مرسومة ومقررة من قبل المحكم القزم الذي يدعى رهيب: (لكن ما لم يكن يتوقعه
الشيخ طافر وطارق الذي ألتقط أنفاسه قليلا والجنرال ورهيب وزيدان وفلان وعلان
وأبناء الجيران وشخبطة الصغير.. والجميع، أن يكون جواب قسمة بالحدة والثقة
السابقتين، بل وبنبرة تصعيدية، وهي تقول: ولكنني لا أمزح يا شيخ، وإنما أتحدث
بمطلق الجدية.. عندها لم يكن من السهل على الشيخ بلع نبرة التحدي هذه أمام جمهوره
العشائري والمحلي والأمريكي، ومع ذلك حاول معاودة التهدئة، بمسحة من التهكم أولا:
لا يا أم ابراهيم، فحتى أبني شخبطة هذا سيغلبك، وأشار إلى طفله، الذي كان ينظر إلى
والده من أقصى الصالة بإعجاب، فضحك، وردت قسمة: كلا، فنحن نتحدث عن المرأة والرجل
وليس عن المرأة والطفل.. واصل الشيخ مرحه: حسنا.. حتى نصف الرجل هذا سيغلبك، مشيرا
إلى رهيب القزم الذي كان يدور على الجالسين بأقداح الشاي، تفوح منه رائحة الطبخ
الذي أمضى جل يومه فيه. /ص53 الرواية) هكذا تنبي حلقات وآليات التبئير المضاعف في
وحدات وعامليات المحاور في الرواية، ذلك بالارتكاز الدائم على صور ومواقف لها من
الشواهد وملامح التكثيف صوريا ودلاليا، إذ لها من القدرة العالية في ترميز الوقائع
حتى وإن كانت استدلالاتها الرمزية أكثر وضوحا وتأثيرا في مقليسة المغزى الروائي
المضمر. لذا وجدنا في جانب آخر مدى نفوذية الشيخ طافر وهو يحدث جليسه طارق عند
استقباله وزوجته قسمة حول مدى إمكانية استثمار الظروف والأوضاع الحرجة من سياق
واقع تدهور الظرف الحكومي المنفلت في البلاد، لذا فهو شخصيا قادرا على انتشال طارق
من براثن قوقعة محيطه المحبط في القرية و الصعود به ماديا إلى أعلى درجات الانتعاش
اقتصاديا، وذلك بالتعاقد التزويغي مع مؤسسات حكومية تابعة لأفراد مرتزقة يتم
التعامل معهم بطريقة وصيغة المقاولات أو بشكل أكثر دقة ما يسمى بالاستثمار،
فالمسألة بحد ذاتها في وجهة نظر الشيخ طافر لا تتعدى حدود النصب والاحتيال و
الزوغان كما فهمها الأخير طارق، ذلك أن المشروع المتعاقد عليه من جهة الحكومة سوف
يمر عليه عدة عقبات دون حقيقة انجازه، ذلك بذريعة الإرهاب أو العمليات المسلحة من
قبل الجيش في المدن و القرى، و بهذه الصورة المبسطة سوف يندثر ذكر موضوع هذا
المشروع مع الزمن القادم، على حين غرة تكون أنت الرابح أولا والخاسر هو المواطن في
كل الأحوال أخيرا، فيما توعد طافر لطارق بتوفير له أكبر الوسائط الحكومية بدءا من
الشيخ جلال الدين وسلطة الأمريكان وبعض من ذيول الأحزاب والمليشيات المتنفذة في
صنع قرار الدولة، وعلى هذا النحو تم اقناع طارقا من قبل طافر بأن يؤسس له أشبه
بالمظاهر المسلحة أو ما يقارب مسمى الحزب أو المليشيات، إذ عليه أن يختارهم من
قريته بحكم كونه الفقيه و شيخ العشيرة في الآن نفسه، وتبعا لهذا الأمر أخذ طارق كل
الذهول والاعجاب بقدرات صديقه الشيخ طافر وعن مقدرته النافذة في الأوساط الحكومية
تحت شرعية سلطة الأمريكان ذاتها: (أخبر طارق صاحبه، بأن سبب مغامرته بالمجيء إلى
بغداد على الرغم من سوء الأوضاع وما يمر به البلد من فوضى واحتلال و شبه حرب أهلية
هو من أجل قسمة وروح أبيها إبراهيم صديق عمره، فبعد العثور على رأسه مقطوعا مع
ثمانية رؤوس أخرى من أبناء القرية في صناديق موز، وتم دفن الرؤوس، أصرت قسمة أن
تبحث عن جثة والدها، مهما كان الثمن، ولأنها أرملة وحيدة مع طفل صغير، ولا تستطيع
البحث بمفردها، عرضت عليها الأمر، فكان علينا الزواج . / ص21 الرواية) يطلع الراوي
في هذا النوع من الخطاب بخطاب الشخصية المتمثلة في السرد تجسيدا ، أو أنه ـ أي
الراوي ـ راح ينصهر في صوته مع صوت الشخصية في حدود تراسلية جوانية ذات تبئير
مبطن، وقد يشترط في مثل هذا النوع من التراسل كصوت الراوي في صوت الشخصية، سواء
أكان الأمر فعل قول أو علامة فعلية ـ حركية ما، ولكننا لاحظنا بأن هذه الوظيفة
بالتناوب والمناوبة بين صوت الراوي ومحمول الشخصية وأفعالها، لا يمكن بأي حال أن
يبدي نجاحه في كل مواضع المبنى للراوي، خاصة وأن طبيعة أحداث وتمفصلات الرواية، قد
حلت في حدود مواقفية خاصة، فلا يمكن إحلال صوت الراوي كلي العلم بالنيابة عن صوت
وأفعال الشخصية دون حضور فعلها المحمول في التجسيد والانطباع في حيز الفعل
والتفعيل، أي بمعنى ما أود قوله أن الخطاب المنقول على لسان الراوي تدخلا في مواقف
الشخوص، ليس من الصياغة الوظيفية الدقيقة في حال توظيف مواقف الشخصية ذاتها،
فالراوي في الرواية راح يمسك زمام الشخصية كحدثا قائما ضمن موجهاته الكلية، وهذا
الأمر ما جعلنا نشعر بأن الفاعلية الشخوصية في النص ما هي إلا خيوط يتحكم بتحريكها
الراوي العليم ضمن معلنات وحقيقة توليد نسبية في المعنى وإيقاعات الإداء الجمالي
والفني. قد يكون الرملي في بعض أماكن من الرواية لم يحسم طريقة العلاقة ما بين
الراوي والشخصية الروائية، خصوصا وأن هناك مواقف في المشاهد الروائية كان يعوزها
النبض الشخوصي في صوته وفعله.
2 ـ الخطاب المروي بين ضمير السارد والشخصية المحور:
لا
يمكننا بأي حال من الأحوال فهم وإدراك النص إلا من خلال الخطاب المروي باعتباره
العينة الملموسة من أحوال وتوجهات النص، فلا بد لنا من فهم واعتماد الخطاب المروي إذ
يبقى السارد العليم من خلاله معتمدا على ما يدل به قوليا أو تلفظيا، أي ما قامت به
الشخصية من أفعال و حضورات سردية، باختصار شديد لاحظنا بأن أغلب مفاصل سياق
الرواية قد جاءت معتمدة على آليات الخطاب المروي ودون أدنى استكمال لأفعال وصوت
الشخصية في شكلها الموضوعي و الذاتي، كما الحال وجدناه في أغلب وحدات سرد الرواية
تماما.
ـ مرجعية المعادل النصي المؤول في الرواية.
1
ـ ضمنية علاقة وحدات السرد:
اعتمدت
البنية الشكلية في دلالات رواية (بنت دجلة) على العلاقات المعلنة منها و الضمنية
بين الوحدات، فيما شكلت هذه الوحدات بدورها اشارات سيميولوجية داخل مجرى وقائع
انعكاسية في المتن و المبنى النصي، لذلك وجدنا مجموعة الفصول في الرواية ذات وظائف
شبه ضمنية وملمحة بأشكال مروياتها المؤدية إلى بنية (حكاية داخل حكاية) اقترانا
لها بذلك الزمن الخطي المشروع نحو مرجعية المعادل النصي المؤول من جهة المؤلف ومن
جهة وسائط الموقع الأداتي الموظف في مجريات ضمنية الوحدات السردية، وعلى هذا النحو
وجدنا مؤشرات المروي تلوح لذاتها عبر وحداتها المضمنة كحال هذه الوحدات قاب قوسين
: (شهق الجميع و انكمشت النساء خجلا، لما قيل وما تخيلته، و تمنى طارق لو أن الأرض
تنشق وتبتلعه. / ص54 الرواية) قلنا سابقا في دراسات لنا منشورة في أماكن متفرقة،
أننا نعني بمفهوم (مرجعية المعادل النصي) هو ذلك الشكل الخاص من صياغة الدلالة في أوجه
أخرى أو ثانية من موضوعة النص، ولا نقصد إطلاقا بمفهوم ودلالات المعادل الموضوعي،
فما قصدناه بالمرجعية في سياق المعادل النصي، ما كشفته لنا المحاور المضمرة من وجه
المعنى الآخر، وما يترشح منه من حيثيات ضمنية، أي بذلك التمفصل المخبوء في دلالات
الوحدات الواقعة ما بين السطور أو في البياض المحذوف من المعنى المؤول من جهة
النص، فذلك الرجل الملثم الذي يلوح لقسمة بعلامة الذبح هي دلالة ضمنية، كما هو
الحال في دلالة حب سميحة لعبدالله كافكا هي أيضا وحدة ضمنية، مرورا بسياق حكايات
نسبية في هامش المتن الروائي، ولكنها اتخذت لذاتها لاحقا واقعا إجماليا في مستوى
المحمول المدلولي في مضمنات النص، فعلى سبيل المثال أيضا أن واقعة سرقة طارق من
جوار زوجته قسمة، كانت وحدة ضمنية لغرض استجلاب عبدالله كافكا من القرية لمواجهة اعترافات
الأدب الزاني جلال الدين بوالدته المريضة ليكشف عن قصته بحكم كونه أبن زنا أمام حب
سميحة المتسامح، كذلك الأمر مع وقائع تأجيل مجامعة طارق لقسمة طوال فترة زمن
الرواية، لتقدم ذاتها أخيرا له على هيئة توهمها طارق بأنها أحدى رسل السماء ثم
خروجها مباشرة حيث تم اختطافها ونحرها مقتولة في آفاق نهر دجلة، وإزاء كل هذا وذاك
تتكشف لنا حقيقة المعنى الروائي الموظف بفاعل وأفعال الوحدات الضمنية، لتبدو لنا
في خاتمة الرواية دليلا راجحا من الناحية الدلالية وليس من الناحية الموضوعية
الكاشفة للأحداث الروائية.
ـ تعليق القراءة:
تعزيزا
لما قمنا به في أوجه مباحث قراءتنا لرواية (بنت دجلة) أقول مضيفا: ثمة عوامل
وعناصر حبكوية قد منحت دلالات رواية الرملي تحولاتها الواقعية المتخيلة في أواصر
مبثوث العلامات والاشارات الموضوعية في
اسلوب بناء الرواية، ولولا أنها جاءت معتمدة ضمير المروي الأوحد للراوي ، لكانت
عملا خلاقا في علاقات وتمثيلات السرد الروائي المؤثر، ولكنها جاءت معتمدة هيمنة
الراوي الأوحد، كما أن الرملي لم يمنح شخوص الرواية مواصفات استقلالية بوحدة وعي
الشخصية وفعلها، ورغم كل هذا لا ننكر أبدا قدرتها كرواية في إحياء مستوى موضوعي
متشعب وهام من واقع وحقيقة الظرف الاجتماعي والسياسي الذي يشغل وما زال يشغل كل
خيالات الكاتب العراقي. فضلا عن ذلك تفردت الرواية بأدواتها الوصفية واللغوية في
تصوير أدق دقائق الحياة الشخوصية العراقية ضمن موجهات إرسالية واقعية راصدة لأهم
محاور ونماذج قصدية الواقع الخفي والمعلن في أوجه تجليات الحادثة الروائية الواقعة
بين سطوة الراوي وشروع بؤرة المروي السردي الفاعل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*نشرت في
صحيفة (العراقية الأسترالية، العدد 801 السنة 16 بتاريخ 18/8/2021 سيدني.
http://www.somerian-slates.com/AliraqiaNo801.pdf
*حيدر عبد الرضا: ناقد وكاتب عراقي،
من أعماله: الجسد النصي.. على سرير المعاينة النقدية، مأزومية الشخوص في
محكيات الرواية الإيروسية، فضاء قصيدة الفقدان، القصيدة بين مرجعية
الذات وحداثة المحتمل النصي... وغيرها.