قد
ينفع هذا الدرس أحداً من مثقفينا
محسن
الرملي
ميغيل أونامونو وأحد
من أكبر كتاب ومفكري وأكاديمي إسبانيا في القرن العشرين، كتب بنجاح الرواية
والمسرح والشعر والنقد والدراسات وأكثر من ثلاثين ألف مقال، اكتسب عداء أربع
حكومات متتالية بسبب نقده السياسي الجريء. آخرها وهو الأهم، كان ساكتاً أو مداهنا
لدكتاتورية فرانكو والكنيسة ضد الشيوعين، ولكن موقفه تغير بعد مقتل لوركا، وفي
إحدى المناسبات، في جامعة سالامانكا التي كان يرأسها، خطب فيها الجنرال ميان (وكان
أعوراً ومقطوع اليد) قائد ميليشيا (الفيلق الأجنبي) الموالي لفرانكو، وبحضور زوجة
فرانكو، داعياً فيها للانتفاضة ضد كل أعداء السلطة وإعدامهم، فرد عليه أوناموا
خطبة مرتجلة تعد من أقوى وأشهر ما قال وكتب في حياته، ومما قاله:"من يستمع لخطاب ميان الرسمي يدرك اللا إنسانية
والطبيعة الدنيئة للانتفاضة" فرد عليه شبان الجامعة الموالون لميان :الموت لأونامونو، الموت
للمثقفين. وأضاف الجنرال ميـان: الموت للذكاء وعاش الموت..
كاتالونيا وبلاد الباسك هما سرطان في جسد الأمة! والفاشية هي الدواء لإسبانيا،
لابد أن تقضي عليهم، تقطع اللحم الحي كسكين"، فأجابه أونامونو على الفور: عاش الموت تعني: الموت للحياة... كلنا أسبان وإسبانيا بدون إقليم الباسك وبدون كاتالونيا ستكون
بلداً على شاكلتك، أعني بلداً أعور أقطع. ومما قاله أيضا، جملة صارت شعاراً
وحكمة يرددها الناس إلى اليوم (أن تنتصر على عدوك لأنك تمتلك القوة، لا يعني أنك
قد أقنعته بفكرك) فثار ميلان وكاد يضربه، فتدخلت زوجة فرانكو لفض الاشـتباك. تم
بعدها فصل أونامونا من رئاسة الجامعة وفرضت عليه الإقامة الجبرية ومنعه من أي
تصريح أو نشر، توفي بعدا بثلاثة أشهر تقريباً، وبعد وفاته تطوع اثنان من إبنائه في
الجبهة الشعبية اليسارية المحاربة لفرانكو.
هذا الموقف خلد أونامونو وأنقذ كل تاريخه وأعماله من النسيان
واللعن.. واليوم، بعد أن مات الجميع، تحتفل إسبانيا سنوياً في ذكرى ميلاده أو
وفاته، ويعرض في السينمات الآن فلماً رائعاً، أخرجه المينابر، أحد أشهر مخرجي
السينما الاسبانية بعنوان (بينما تطول الحرب) يتناول حياة أونامونو، مركزاً على
هذه اللحظة التاريخية العظيمة..
*في الرابط لقطات
منه
**نشرت في (كتابات) بتاريخ 11/10/2019