رواية كُتِبت لتُقرأ مرات ومرات
محمد مسلم
قرأت في الأدب
العراقي، في آخر السنوات كثيرا.. فؤاد التكرلي، سنان انطون، أحمد السعداوي، علي
بدر، حسن بلاسيم، حسن مطلك.. ولكن كل ما قرأته في الأدب العراقي شئ.. وهذه الرواية
شئ آخر على الإطلاق.
هذه الرواية هي تحفة أدبية بالنسبة لي بلا منازع ..كل ما أريده
وجدته في تلك الرواية ..يمكنني القول ان تلك الرواية هي تلخيص كامل لآخر 50 عاما
في دولة العراق
يكتب الكاتب روايته بعد ان يعلم عن حادثة مقتل تسعة من اقاربه في
القرية فيبدأ رواية بأهداء لهما قائلا الى ارواح اقاربي التسعة الذين ذبحوا في
الثالث من رمضان عام 2006
بعد الاهداء يبدأ الكاتب ببراعة الاستهلال التي تحدثت عنها سابقا
في روايته السابقة ايضا بعنوان تمر الاصابع فيبدأ روايته قائلا
"في بلد لا موز فيه استيقظت القرية على تسعة صناديق موز في كل
واحد منها رأس مقطوع لأحد ابنائها ومع كل رأس بطاقته الشخصية التي تدل عليه لأن
بعض الوجوه تشوهت تماما بفعل تعذيب سابق لقطعها او بسبب تمثيل بها بعد الذبح".
أبناء شق الأرض
ثلاثة اصدقاء اجتمعو منذ البداية.. طارق الفتى المحب للنساء.. ابراهيم الفتى الطيب الوديع المحب للاخرين.. وعبد الله الملقب بعبد الله كافكا
لحبه للكاتب التشيكي كافكا وولعه بأفكاره
اعتاد ابناء شق الارض التجمع كل يوم في الحقول لمناقشة كل شئ.. الدراسة.. الفتيات.. التطور الذي يحدث في قريتهم البسيطة
عبد الله وجد طفلا عندما كان صغير من احد سكان القرية وكان هذا
الساكن عقيما فقرر ان يربيه هو وزوجته ولكن كان يعلم اغلب اهل القرية انه طفل من
الزنا وليس ابن العائلة التي ربته.. لهذا رفض والد طارق ان يزوجه بأبنته سميحة
عندما طلب الزواج منها
قامت الحرب وتفرق ابناء شق الارض الثالثة.. عبد الله كافكا ذاهب
الى المعركة العراقية الايرانية.. ابراهيم ذاهب الى غزو العراق على الكويت وطارق
ظل في بيته ينتظر عودة الاثنين
يبدأ الكاتب بسرد معناة عبد الله كافكا في الصراع العراقي الايراني
وكيف كان يعامل الايرانين الاسرى وكيف تحول عبد الله كافكا الى شخص عدمي... يقول
دائما كل الحقب خراء في خراء.. كل شئ خراء بلا فائدة.. عندما عاد من الاسر
الايراني بعد 20 عاما اصبح شخصا مشوها... لا روح به... لا يهتم بأحد حتى اصدقائه
المقربون ابناء شق الارض
عاد عبد الله كافكا الى قريته محمل بهموم تعذيه لاكثر من 20 عاما
في المعتقلات الايرانية ليجد جدته زينب تحكي له حكاية عجيبة عن ام معاقة ذهنيا واب
مغتصب هارب يدعى جلال وان هذه هي حقيقة نسبه التي اخفوها عن القرية لستر الفضيحة
ليحمل بهموم اكثر مما يتحمل اي انسان
ابراهيم ذهب الى الغزو الكويتي وعاد من الغزو منهزما وفاقد احد
قدمين واحد اهم اصدقائه تركه في العراء.. عاد ابراهيم الى قريته محملا بخيبة
الهزيمة وقدما واحدة وعجز جنسي جعله لا يقرب امراءته مرة اخرى ولا يوافق على
تزويجه من زوجة اخيه الذي قتل ايضا في الحرب حتى لا يفضح ستره
ابراهيم لديه ابنة واحدة من زوجته وهي قسمة ..قسمة فتاة انانية لا
تحب ابيها .تراه رجلا ضعيف لن يحقق لها ما تطمح به ولهذا تكره عجزه وتواضعه كثيرا
يحاول ابراهيم الخروج من قريته والبحث عن عمل في العاصمة حتى يجد
جواب تعين في احد القصور الرئاسية.. انها وظيفة قام بالتقديم لها الاف البشر ولكن
وافق الرئيس على 50 شخص فقط.. انهم الاكثر وفاء من وجهة نظره كان ابراهيم احد
هؤلاء الخمسين
في البداية عمل ابراهيم بستاني في احد حدائق الرئيس وكان عمل
روتيني ممل الى ان شاهد الرئيس عن قرب دون ان يشعر في احد المرات وهو يقتل شخص في
قصره ويأمر الخدم ان يأخذونه بعيدا
هنا تغيرت حياة ابراهيم كليا فقامو بترقيته ليعمل دافن للموتى في
حدائق الرئيس.. انظر هناك.. في ذلك الفضاء الواسع ستتلقى كل يوم عدد من الجثث ثم
تقوم بدفنهم كما تريد المهم في الامر ان لا يظهرون على السطح مرة اخرى
ظل ابراهيم يدفن الجثث لسنوات وسنوات.. ظل يكتب في دفتره ما يميز
تلك الجثث التي قد يبحث عنها اهاليها ذات يوم ..ظل يقرأ القرأن عليهم وقت الدفن
وهو لا يقدر على فعل شئ اخر
كل تلك الجثث هي جثث معارضين للنظام.. يعذبون بأبشع الطرق ثم
يقتلون في نهاية الامر ويقوم ابراهيم بدفنهم في الحدائق..لا يستطيع ابراهيم
التحدث الى احد بما يعمل ولا يستطيع ان يطلب استقالته لانهم سيقتلونه في نهاية
الامر
اختارت قسمة طريق المال والسلطة والجاه والمظاهر تاركة والدها في
وقت احتياجه لها ولكن هذا الاختيار يؤدي بها الى مصائب فهي تتزوج ظابط يحب الرئيس.. يعشق الرئيس.. يتمنى ان يكون مثله.. بل يتمنى ان يكون مكانه لما لا
يحدث العزو الامريكي للعراق.. جثث في كل مكان.. سرقات.. نهب.. قتلى.. حتى تأتي رأس ابراهيم مع ثماني روؤس اخرى عائدة في صناديق الموز في تلك البلد
التي لا موز فيها
ولكن هل هذه نهاية الالم والمواجع وهل ابراهيم اخر هؤلاء الشهداء
لا أعتقد
رواية كتبت لتقرأ مرات ومرات
التقيم العام.. العلامة الكاملة 5 نجوم
---------------------
*محمد مسلم: كاتب مصري، من أعماله: كلام في الكتب.