محسن الرملي مُترجِماً ومُؤرخاً
مختارات من العصر الذهبي للأدب الإسباني
صفاء ذياب
بأكثر
من 500 صفحة، قدَّم القاص والروائي والمترجم محسن الرملي مختارات من الأدب الاسباني
ضم فيها الشعر والقصة والمسرحية بالمدة الزمنية التي أسماها (العصر الذهبي)، إذ كانت
فكرة هذا الكتاب تتبلور في ذهنه منذ سنوات طويلة، غير أنه قرر في النهاية العمل عليه
وإصداره ضمن منشورات المدى تحت عنوان (الأدب الإسباني في عصره الذهبي).
ازدهار الفنون
غير أن السؤال المهم الذي يراود القارئ بمجرد قراءة عنوان
الكتاب وفهرسته، هو كيف حدد الرملي العصر الذهبي لهذا الأدب الثر الذي مرَّ بمراحل
ذهبية منذ بداياته وحتى الآن؟ الرملي تحدث لـ"الصباح" قائلاً إن فكرة هذا
الكتاب تبلورت لديه في أثناء مرحلة دراسته الأكاديمية والإعداد لأطروحة الدكتوراه.
أراد
حينها أن تكون فكرة كتابه عن أهم ما أنجبه الأدب باللغة الاسبانية، فكان ثربانتس، وأهم
ما أبدعه ثربانتس هو (الدون كيخوته)، وفي أثناء ذلك أدرك بأنه لمن الصعب جداً الإحاطة
بكل عظمة هذا العمل من دون معرفة جيدة للمرحلة التي ولد فيها ووضعه في سياقه التاريخي،
فراح يتوسع بمعرفة ذلك العصر.
أما
عن تسميته بـ(العصر الذهبي)، فبحسب رأي الرملي أنه ليس من المستغرب أن يتم إطلاقها
على مرحلة زمنية، لأن الحركة الأدبية قد ازدهرت فيها وصارت أبرز معالمها...
هذا ما حدث في اسبانيا التي ما زالت تدين بهويتها الثقافية
لأدبائها في القرنين السادس والسابع عشر.. إذ تطلق تسمية (العَصر الذهبي) أو (القَرن
الذهبي) تحديداً على النصف الثاني من القرن السادس عشر والنصف الأول من القرن السابع
عشر، ويُبرر المختصون هذه التسمية بفضل بروز أدباء كبار- في تلك المرحلة- لم يسبق وأن
ظهر كتاب وشعراء بمستواهم من قبل.
ويمضي
الدارسون في تصنيفاتهم لتقسيم القرن الذهبي إلى عصرين هما: (عصر النهضة) و(العصر الباروكي)
إذ إلى جانب ازدهار الفنون الأخرى كالرسم والموسيقى وبزوغ حركات فكرية وإنسانية، كان
الأدب (شعراً ونثراً) هو في القمة من كل ذلك، بحيث ترك أعمالاً رائدة وتأسيسية خالدة
لكل ما تلاها من التيارات الأدبية على الصعيدين الاسباني والعالمي، وما زالت هذه الأعمال
حاضرة في الواجهات الأولى للمكتبات منذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا، إذ لا تخلو منها
رفوف مكتبة أي قارئ للأدب.. وربما تكفي الإشارة للدلالة على ذلك رواية (الدون كيخوته)
لميغيل دي ثربانتس التي جاءت كنتاج لأدب تلك المرحلة.
كل فصل كتاب
الرملي أشار في تقديمه لكتابه وفي حديثه معنا إلى أن
كل فصل من هذا الكتاب يمثل كتاباً مستقلاً بذاته، إذ اعتمد في التقسيم على تناول الأجناس
الكتابية الأدبية الرئيسة، التي استمرت بالتصنيفات ذاتها منذ ذلك الوقت وما قبله حتى
اليوم، وهي: الشعر والسرد بفرعيه المسرح والقص، وقدم لكل منهم مع ترجمة أبرز النصوص،
إضافة إلى فصل يحتوي على دراسة نقدية تاريخية ثقافية شاملة ومكثفة، ترصد التحولات التي
طرأت على الفكر والآداب واللغة الاسبانية في القرنين السادس والسابع عشر ضمن المناخات
السياسية والثقافية التي كانت سائدة آنذاك. ويتم التركيز والتعريف بأهم الكتاب والشعراء
وبأهم أفكارهم وأعمالهم التي كانت رائدة ومؤسسة لما جاء بعدها.
أما عن النصوص التي انتقاها وكيفية الاختيار، والآليات
التي اعتمدها الرملي في هذه الاختيارات، فقد قام بفرز أبرز وأهم نصوص تلك المرحلة،
التي استطاعت الصمود ومقاومة النسيان عبر القرون وصولاً إلى قرننا هذا، واعتمد في ذلك
على عدة أنطولوجيات ومختارات أعدها متخصصون، ساعياً إلى تضمين أبرز ما اتفقت عليه أغلبها
على الرغم من كثرتها، ومنها بدوره قام بالاختيار،
فضمت المختارات الشعرية أكثر من مئة قصيدة لأربعين شاعراً تقريباً.
ويحتوي باب القص على خمسين قصة قصيرة لأربعة عشر كاتباً،
وفي المسرح ثلاثة نماذج مسرحية قصيرة لثربانتس.
كتاب توثيقي
تمكن الرملي في كتابه هذا من تقديم خلطة أدبية في كتاب
توثيقي وبحثي وتاريخي، غير أن هذا التوثيق هو ما فرضته طبيعة فكرة الكتاب وهدفه في
أن يعطي صورة وافية عن مادته، نظرياً عبر التقديم والدراسة وتطبيقاً بتضمين أهم النصوص،
فـ"إذا كانت قراءتنا لقصائد شعب ما تمنحنا الفرصة للاطلاع على نوعية الذائقة الجمالية
واللغوية لذلك الشعب، وتحسسنا لطبيعة مشاعره وهواجسه وأحلامه، وصيغ تعبيره عن ردود
أفعاله وتصويره لرؤيته لذاته ولأرضه وللآخر، فإن النثر هو الوجه الآخر لهذه العملة
الأدبية- أو المشهد الثقافي- إذ تقدم لنا الأعمال القصصية والمسرحية صورة واسعة عن
الأفكار وطبيعة العلاقات الإنسانية وتصف تفاصيل الهموم اليومية والمناخ العام والأحداث
التاريخية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية
.
وغيرها، تصف لنا طبيعة القيم والسلوكيات والأفراح والأحزان
ونوعية الملبس والمأكل وطريقة التحاور.. وبالنهاية ترسم أمامنا بانوراما شاملة تعيننا
على فهم تركيبة وتاريخ الذهنية الثقافية لهذا الشعب وبالتالي فهمنا لهويته الحاضرة".
ويعتقد الرملي بأن كل قارئ ومهتم جاد بالأدب سيعثر في
هذا الكتاب على شيء ما تهمه معرفته، سواء أكان دارساً مختصاً، شاعراً، قاصاً، باحثاً،
مفكراً أو قارئاً حقيقياً، على الرغم مما فيه من كثرة في التواريخ والأسماء والعناوين،
وسينتبه إلى أن بعض الأسئلة والأجوبة والمناقشات التي دارت في ذلك القرن البعيد، نقوم
نحن الآن بطرحها ومناقشتها، متأخرين، في ثقافتنا العربية في ظل هذه الظروف والمخاض
الشائك الذي يضع هويتنا على المحك، ومنها ما يتعلق بالدين والطبيعة والإنسان والسلطة
والفنـون والوجـود.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*نشر في صحيفة (الصباح)
العراقية بتاريخ 29/4/2015م