حوار مع
محسن الرملي:
أكتب عن العراق لأفهم نفسي وأكتب عن نفسي لأفهم العراق
الكاتب العراقي يعمل
على رواية جديدة تحاول قراءة وجه آخر من الإنسان العراقي
لم يأخذ حقه من التأمل
بسبب تسارع الأحداث وقسوة الظروف والخراب
بقلم: سلام سرحان
لم يفاجأ معظم المتابعين للحياة
الثقافية العربية باختيار رواية "حدائق الرئيس" للروائي والشاعر والمترجم
العراقي محسن الرملي، ضمن القائمة الطويلة لجائزة بوكر العالمية للرواية العربية، لكن
كثيرين فوجئوا حين لم يجدوها ضمن القائمة القصيرة.
"حدائق الرئيس" شهادة ملحمية تتلمس تاريخ العراق على مدى أكثر من
ثلاثة عقود، صنعت عراقا آخر لأنها طوت عدة أجيال وشكلت ما يقترب من القطيعة مع عراق
ما قبل تلك العقود. يتلمس محسن الرملي قسوة تلك الحروب المتتالية ويقدم شهادة شخصية
وتاريخية فريدة، لا يمكن إغفالها لفهم تلك المرحلة الممتدة من الحرب العراقية الإيرانية
مرورا بالحصار ووصولا الى انهيارات ما بعد الغزو الأميركي. يتلمسها وهو يتوسل بالعراقيين
في طبقة عميقة تمتد على طول الرواية، أن "يفعلوا كل ما في وسعهم من أجل التسامح
والسلام" وهي عبارة وردت في الإهداء المؤثر الذي تصدر الكتاب.
محسن الرملي أحد الكتاب العراقيين
القلائل الذين دخلوا بعمق في مشهد الثقافة العالمية. إلتقيته وسألته أولا:
*كيف تلقيت خبر اختيارك روايتك في القائمة
الطويلة للبوكر العربية، وكيف تلقيت خبر عدم اختيارها في القائمة القصيرة؟
ـ سررت طبعاً باختيارها لأسباب عديدة، منها:
أن الرواية صدرت قبل وقت قليل لذا فإن أية إشارة لصالحها تطمئنني على جودتها، وأنها
اختيرت إلى جانب أعمال لأسماء معروفة من كتاب الرواية العربية، وكذلك لأن اختيارها
شكل دفعة إعلامية جيدة لتوسيع مساحة القراء الراغبين بالاطلاع عليها. أما عن عدم اختيارها
في القائمة القصيرة فلم أستغربه بقدر ما استغربت من إقصاء أعمال الروائيين المعروفين
أمثال واسيني الأعرج وإبراهيم نصرالله والياس خوري وهدى بركات وربيع جابر مثلاً.
*ما رأيك بالاعمال التي تم اختيارها في
القائمة القصيرة، وبلجنة التحكيم التي قيل عنها الكثير، وسجل عليها بعدها عن مناخ
الرواية العربية؟
ـ للأسف لم أطلع حتى الآن على أي من الأعمال
التي تم اختيارها في القائمة القصيرة، وبشأن لجنة التحكيم فأنا أتفق مع التساؤلات التي
طرحت حولها، وأرى أن على القائمين على هذه الجائزة أن يراعوا اختيار أعضاء اللجان من
العارفين بالأدب في المرات القادمة كي لا تصبح الجائزة مضرة بنوعية الرواية العربية
أكثر من كونها تهدف لخدمتها.
*رواياتك تغوص عميقا في محنة العراق
وتتلمس وتستكشف أبعادا لم تلمس من قبل... كيف تتداخل هذه الروايات مع حياتك
الشخصية؟
ـ كل ما يتعلق بالعراق أشعر بأنه يتداخل
ويؤثر على حياتي الشخصية، لذا فإن كتابتي عنه يمتزج فيها العام والخاص، أي أنني حين
أكتب عن العراق محاولاً فهم ما يحدث به وله وتلمس أوجاعه، إنما أكتب عن نفسي لأفهم
نفسي أيضاً فالأمر مرتبط بهويتي، والعكس صحيح، أي أنني عندما أكتب عما هو ذاتي يخصني
أجد بأنه يخرج دائماً ممزوجاً بما يتعلق بالعراق. أكتب عن العراق لأفهم نفسي وأكتب
عن نفسي لأفهم العراق.
*للرواية أبعاد وجودية عميقة ولا بد أن
التقدم في عمل إبداعي كهذا أضاف لمحسن الرملي أشياء كثيرة. ولا بد أنك بعد كتابتها
غير ما كنت عليه قبل كتابتها... ما الذي غيره مخاض الرواية في محسن الرملي؟
ـ بالفعل، الهم الوجودي هو نقطة جوهرية في
كل أعمالي ورؤيتي للحياة، لذا يريحني دائماً أن ينتبه إليها المتلقي ولا يكتفي بالقراءة
الظاهرية أو السطحية للنص، فهاجسي الأساسي هو الإنسان وبشكل أعمق معضلته الوجودية والتساؤل
عن معناها. وبعد تجربة كتابة كل عمل جديد أشعر بأن أشياء كثيرة تغيرت في شخصيتي ورؤيتي
فعلاً. ذلك أن تنويع وتجديد طرح الأسئلة الكبرى هو بحد ذاته ممارسة فاعلة للتغيير.
عدا ذلك أشعر بنوع من التخفيف عن ضميري كلما وجدت بأنني قد استطعت التعبير عن أوجاع
الناس والضحايا في بلدي وإيصال صرختهم إلى مزيد من الناس، فبمجرد إيصال صوت الضحية
وإشعارها بمشاركتها أوجاعها هو أمر يريح الطرفين.
*أين أنت من شخصيات الرواية؟ وما الذي
انجزته الرواية لحياتك وفهمك للأوضاع في العراق؟
ـ أنا معها، وموزع بينها جميعاً، وإن
كانت شخصيتي أقل ظهوراً في رواية "حدائق الرئيس" مما هي عليه في أعمالي
الأخرى، ذلك أنني كرست هذه الرواية أكثر لأشخاص آخرين عرفتهم في حياتي ومنهم أقارب
وأصدقاء شهدت معاناتهم وعانيت موتهم، ومن خلالهم أردت تقديم صورة عما حدث للعراق خلال
العقود الأخيرة محاولاً فهمه وبالتالي إفهامه للآخرين وخاصة من غير العراقيين الذين
حين تلتقي بهم سينتهون بالقول لك، إن وضع العراق معقد جداً ويصعب فهمه، وأكثر ما أردت
وصفه هو الجانب الإنساني فيه، وليس الخراب المادي. ركزت على معاناة الإنسان العراقي
بسبب ظروف وتقلبات سياسية وحروب لم تكن له يد باختيارها أو تقريرها لكنه كان أداتها
وضحيتها.
*كيف أثر اختيار
الرواية في القائمة الطويلة على انتشارها عربيا وعالميا؟
ـ بالتأكيد هو تأثير إيجابي، حيث زاد من
عدد الراغبين بقراءتها في مختلف البلدان العربية وكذلك لفت انتباه غير العرب إليها
بحيث أن أكثر من مهتم ومتابع راح يسأل عما إذا كانت ستترجم إلى لغته ومتى، وهناك دار
نشر أمريكية مهمة أبدت اهتماماً بمعرفة المزيد عنها بنية ترجمتها ونشرها. كما أن العمل
جار على ترجمتها إلى الإسبانية، حتى من قبل اختيارها في القائمة، ذلك أن لدي بعض
القراء بالإسبانية يهمهم متابعة جديدي.
*ماذا بعد "حدائق الرئيس"؟ ما
هي مشاريعك المقبلة؟
ـ أعمل الآن على رواية جديدة تحاول قراءة
وجه آخر من الإنسان العراقي، ربما لم يأخذ حقه من التأمل بسبب تسارع الأحداث وقسوة
الظروف والخراب، ألا وهو موضوع "الحب" وخاصة عند المرأة العراقية، أحاول
أن أتقمص صوتها وأتمنى أن أتمكن من خلال هذا العمل الكشف عن شيء من جمالها وعن بعض
المكبوت والمقموع الخاص بقضية (الحب).
*وكيف وجدت هذه التجربة؟
ـ ههههه بصراحة، يبدو لي، أحياناً، أن
فهم المرأة أعقد من فهم العراق، فكيف وأنا أحاول جمعهما في عمل واحد!.
---------------------------------------
محسن الرملي في سطور: كاتب
وشاعر ومترجم عراقي يقيم في إسبانيا منذ 1995، حاصل على الدكتوراه بالفلسفة والآداب
الإسبانية من جامعة مدريد ويعمل إستاذاً في إحدى الجامعات الأمريكية هناك، له ما يقرب
العشرين إصداراً تنوعت بين الرواية والقصة والشعر والمسرحية والترجمات. تُرجمت بعض
أعماله لأكثر من لغة، منها روايته (الفتيت المُبعثر) التي حازت ترجمتها على جائزة آركانسا
الأمريكية عام 2002، كما وصلت روايته (تمر الأصابع) إلى القائمة الطويلة لجائزة البوكر
العربية 2010 وكانت قد صدرت بالإسبانية قبل صدورها بالعربية، وآخر إصدارته رواية (حدائق
الرئيس) التي وصلت إلى القائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية 2013م.
*وفي (ميدل إيست أونلاين)
بتاريخ 31/1/2013م.
هناك تعليق واحد:
مقابلة رائعة :)
سلام سرحان
إرسال تعليق