أمسية نقدية حول رواية (تمر الأصابع)
للكاتب العراقي محسن الرملي
أسامه محمد صادق
بين حين وأخر
يقيم اتحاد الأدباء والكتاب فرع صلاح الدين في العراق نشاطاً يختلف من حيث الموضوع
والإعداد عن النشاط الذي سبقه ولعل أمسية الثلاثاء السادس من حزيران عام 2012م
تختلف تماما عن كل النشاطات الثقافية التي أقامها الاتحاد، إذ لأول مرة تقدم أمسية نقدية حول عمل للروائي العراقي
المغترب الدكتور محسن الرملي الذي يقيم في إسبانيا وكانت القراءة لروايته (تمر الأصابع).
رواية
متعددة الأصوات
قاد الجلسة
بنجاح الدكتور إبراهيم مصطفى الحمد وقدم من خلالها قراءة نقدية عميقة، حيث قال بأن
"رواية (تمر الأصابع) للروائي محسن الرملي تعمل على تثوير محاور عدّة من
إمكانات الفن الروائي وتقاناته التي تتضافر على التكوين وبناء المعمار الفني،
باستثمار شحنات المكان ولغاته المتعددة، ذلك المكان الذي يشير في بعده الزماني-
بوصف أن المكان لا يأتي إلاّ مرتبطاً بالزمان- وانتمائه إلى حقب معينة يشير إلى ما
يمكن تسميته (الحافز)، وهو هنا الانتقام والثأر، مما يصنع غواية النص باتجاه رسم
آفاق تلقٍّ مشحونة بالأسئلة والانتاج والتأويل.
إنّ كل ما في
الرواية من الغلاف إلى الغلاف متهم بالتحريض والتحرّش بالقارئ، ونحن هنا لا نتعامل
مع النص الروائي إلاّ على أساس كونه متخيّلاً، إذ إن تلك هي لمسة الروائي، إنها
تزييف للحياة كما يقول "فورستر استثمر الروائي بنية العتبات كمحطات تنوير،
أضاءت جوانب مهمة من عتمات النص، وأزالت قسماً من أقنعته المراوغة، فالعنوان (تمر
الأصابع) في تركيبته الإسمية المضافة، يذهب أيقونيّاً إلى الرمز الجغرافي الذي
يتحدد دون أدنى شك بالعراق، والأصابع يمكن عدّها آلة التأشير والاتهام والتهديد،
وربما إلفات النظر إلى حالة البعد والاغتراب عن الوطن والتأشير عليه من بعيد، لكن
التركيب يمنحها بعداً سيميائياً يتجه صوبَ مناطق عدة/أيروسية –أيديولوجية- نفسية-
إنسانية/ ويشكل استراتيجية المتن، ويقترح مناخاً قرائياً يتأرجح بين المتن
والعنوان على نحو تناوبي مستمر.
يعزز هذه
الرؤية انقسام الإهداء على فقرتين: الأولى/إلى العراق مهد طفولتي ومهد
الحضارات/والثانية /إلى إسبانيا محطتي للسلام بعد طريق طويل مكتظ بالحروب/ مما
يشير إلى أن هناك حاضنتين اثنتين للمتن الحكائي هما العراق وإسبانيا وتبرز في
ثنايا المبنى الحكائي / الخطاب الروائي/ شحنات كل من المكانين إذ يسجلان تاريخهما
ويفرضان لغتيهما على النص، مما يشكل ذلك جزءً من الوعي بالمكان، وإنصاتاً مرهفاً
لحضوره وتجلياته ومناخاته السوسيو ثقافية كما يرى ياسين النصير.
وتعزز عتبة
الاستهلال بنية العتبات، ووظائفها التنويرية بتغطية بانورامية، تلخص صفحات المتن
كلها في فقرة من سطرين اثنين/ما كنت لأكتبَ قصة أهلي وأفضحهم لولا تشجيعُ أبي لي،
وهو يحلّق شعر رأسي في مرقصه المدريدي قائلاً: أكتب ما تشاء فلن يحدث أسوأ مما حدث.
هذا العالم جايف (الرواية: ص7).
جرى تقديم
الشخصيات الروائية بالأسلوب غير المباشر، إذ تقدم الشخصية عن طريق نفسها أو عن
طريق غيرها من الشخصيات، أو أن تستخدم دلالة المواقف والأحداث والأقوال لتقديمها،
من دون اللجوء إلى الإخبار من قبل السارد أو المؤلف.
أبرز شخصيتين
هما الشخصيتان الرئيستان: (سليم) وهو الراوي، ووالده (نوح) وهو شخصية إيجابية،
مدورة، متحركة، ومعقدة، وهو الشخصية المحورية التي تدور حولها الشخصيات والأحداث
الروائية برمتها.
تظهر شخصية نوح بمظهرين متناقضين: المظهر الأول هو
الشخصية الملتزمة دينياً وأخلاقياً وعُرفياً، ويتحدد هذا الدور في فضاء القرية،
وفي المكان الأول /العراق/. أما المظهر الثاني فهو الشخصية المتحللة والمتحولة على
نحو جذري، لكن هذا التحلل يكون بدافع براغماتي يكتشفه الابن سليم، بصورة غير
مباشرة وعن طريق شخصية أخرى ثانوية، هي شخصية فاطمة المغربية التي يتزوجها سليم
فيما بعد.
إن حركة
الشخصيات في الرواية، تصاحبها حركة الأحداث الروائية وانسيابيتها، التي تبدو تلقائية
منحتها صفة الواقعية من دون التخلي عن فنيتها وانتمائها إلى عالمها المتخيل، وذلك
ما يؤكده(بروب) من أن الوظائف، هي ما يميز الشخصيات وترجع الأهمية في وجود هذه
الشخصيات إليها حصراً، وقد لاحظنا التزام الكاتب بعدم الإكثار من ضخ الشخصيات في
الرواية، وهو ما دعا إليه النقاد المؤسسين أمثال (داوبتفاير) و(دوان دوات فاير)
وغيرهما.
أما الأمكنة الروائية فيمكن تحديدها على نحو عام
بمكانين، هما (العراق، وإسبانيا) تدور فيهما الأحداث وتتحرك خلالهما الشخصيات
الروائية، ولا يمكن النظر إلى الأمكنة في الرواية إلاّ على أنها أماكن منغلقة
إجمالاً، إذا ما عرفنا أن انغلاق المكان وانفتاحه رهينا الوضع النفسي للشخصيات
التي تخترقه بحسب (لالاند)، لكن تحميل بعض الأمكنة كل هذ الكم الهائل من الصفات
العدوانية والوحشية مثل مدينة تكريت، وعدم إبراز إي جانب مضيء فيها، عمل على خلخلة
بنية المكان مما انعكس على البناء الفني للرواية، وأعطى إشارة تكاد تكون واضحة،
إلى أن الرواية كتبت بدافع الانتقام والثأر، وربما لأسباب أيديولوجية سياسية، مع
ما فيها من جماليات الفن الروائي وتجلياته النصية.
وعلى نحو
عام، فإن الأمكنة الروائية بتحولاتها، وتجلياتها النصية، جاءت واضحة سلسة تسمح
بتتبعها وقراءتها، على الرغم من انغلاقها وتأزمها، وذلك يصب في مصلحة الرواية، إذ
إن من الأسباب التي ذكرتها الأكاديمية السويدية لمنح "أرنست همنغواي"
جائزة نوبل للآداب، عام 1945، أن رواية (الشيخ والبحر) تدور في عالم غير متشعّب.
وممّا يحسب
للرواية أيضاً لغتها السردية الفصيحة، والقريبة من لغة التداول اليومي- من دون
الهبوط إلى العامية- وتعدد الأصوات في الرواية، فلكل شخصية صوتها ولغتها الخاصين،
فضلاً على كون الحوار قد جاء أيضاً باللغة الفصحى، ولم ترد العامية إلاّ على مستوى
المفردات أو الأمثال والمقولات الشعبية والأجنبية، بحسب ما يتطلبه إضفاء الطابع
الواقعي والشعبي على الرواية، والاستجابة لمتطلبات الحكي وتثوير شحنات المكان
الروائي.
ولابد من
التنويه إلى النهاية المفتوحة للرواية، التي تبتعث الأسئلة الشائكة والملحّة،
وتفتح آفاق التلقي على الإنتاج، إذ تنتهي الرواية بسفر نوح وصاحبته (روسا) إلى
ألمانيا، على نحو مفاجئ، ويتسلم سليم مفاتح شقة والده بسلسلة بلا رصاصة الثأر التي
كان معتاداً على رؤيتها في هذه السلسلة،
ثم يعلم بعد أسبوع من سفر والده أن الدبلوماسي العراقي في مدريد قد نقل إلى
برلين".
رواية
جريئة تتحرش بالتابوات الثلاث
بعد هذه القراءة المختصرة والمركزة طلب من القاص والإعلامي
أسامه محمد صادق أن يقدم قرائته وانطباعه عن الرواية فاستهل المقدمة بالتوضيح: ان ما
سيتحدث عنه لايتجاوز حدوده كقارئ وقعت بيده الرواية وأمعن بقراءتها فتمخضت من خلالها
هذه الصور:
"ان تمر الاصابع رواية بغلاف مميز لا يمل الناظر
اليها ولم يتوقف دون ان يسأل عنه وعن سر إخراجها بالطريقة التي توحي بأنها لوحة
تشكيلية رمزية تحتاج الى تأمل وخيال رحب وواسع وهي من (166) صفحة تبدأ المقدمة
بأثارة سر وجود (نوح) والد البطل (سليم) القروي المحافظ صاحب الصفات التي اصبحت
اليوم من وحي التراث، في مرقص مدريدي بأسبانيا، والذي شجعه في كتابة هذه الرواية، قائلا:ـ
اكتب ما تشاء فلن يحدث اسوء مما حدث هذا العالم......!!
هذه المقدمة ذات الأربعة اسطر فقط قادتني بلا هوادة في
البحث عن صحة وصول أبيه وسر مجيئه وهو المتأصل بالأعراف والتقاليد المتمسك بالدين الإسلامي
وشريعته مقتفيا أثر أبيه (الشيخ مطلق) وهل هو فعلاً أبيه ام شخص أخر فلقد ابى نوح
ان يقول لسليم ولدي حتى الصفحة (148)، في اللحظة التي زار نوح شقة سليم وما دار من
حديث مضطرب (انتهت بصفعة قوية أسقطته أرضا صافقا الباب وراءه بعنف اهتز لها كل
جسده..) عوضا عن الأحداث التي راحت تنساق تباعا بلغة سلسلة وجميلة آسرة. نهايتها
مفتوحة تنتهي بأنتهاء الرواية، شأنها شأن قصة نوح الرجل الغرائبي الذي لا أصل له
في الواقع ولن يكون بهذه الطريقة أبداً...
لقد ارتأى
الروائي ان يبقى المغزى خافياً، ومستوراً، ولا يرى ضرورة مطابقة الفن للواقع شأنه
شأن ابو القصة القصيرة (ادجار الان بو) الذي كان ما يميزه في الجانب الجمالي من
قصصه حيث كان يقوم على وصف المناخ الهادئ الذي ينطلق الى عالم صاخب حافل بالتوتر
والبؤس مما يوحي بالغموض.
لقد رسم الروائي أحداث وإبطال الرواية ضمن ثلاث محاور
احسبها تنطوي على شيء من الجرأة وهي تتحرش بالتابوات الثلاثة (الدين، السياسة والجنس)!!
ولقد سألني معلمي القاص جمال نوري بعد انتهائي من قراءة الرواية عما أثارني فيها
فذكرت له إياها وقال ان هذه التحرشات الثلاث المفتاح الذي يلج كل الاقفال ويختصر
طريق الشهرة والنجاح!! وبما انني من اتباع الشيخ مطلق، جد الراوي سليم، وطريقته.. اتحفظ
على تلك التحرشات، وأجد ان الروائي لديه خيال رحب لا نهاية له واسلوب رائع في
تناول الاحداث ومبرمج حذق في استخدام الوقت والمكان... وان لديه اهتمام مفرط
بالشكل وعناية فائقة في الوصف وانه كان يوظف حاسة البصر في الدرجة الاولى في
ذلك... وهذه كفيلة بأن تجعله اسما لامعا في عالم الكتابة على حد ما.
إن أبطال محسن الرملي، اذا ما استثنيتُ منهم الشيخ مطلق وإستبرق
العليلة، آدميون يحملون غرائز تحكم بها إبليس بكيد عظيم فإذا ما وقعوا في الخطيئة
نجدهم يستغفرون ويندمون ومن ثم يعودون الى سيرتهم الأولى!! بل ان البطل (سليم
وفاطمة وعالية ونوح هم برأيي كانوا أنصاف شياطين أباحوا لغرائزهم ما لم تسمح به
بيئة الرواية وما تحمله حقيبة سليم التي تدلت تحت ابطه وفيه نسخة من القران الكريم
ودفتر رمادي الأوراق ورغيف خبز وحفنة تمر ورأس بصل...).
لقد أجاد الرملي في بناء روايته ووحدتها العضوية وصمم
معماره الفني على الوصف القائم للملاحظات الدقيقة، ونماذجه الإنسانية في
مجملها.... وأني لا أجد سبباً للنهاية التي خلصت إليها الرواية، كأنه كان يريد
تطبيق قول جي دي موباسان: (نحن جميعاً في صحراء وما من أحد يفهم احد)؟؟. كنت أُعوّل
على رأس المثلث، أو ما يسمى لحظة التنوير، أن يكون بارزاً وظاهراً وان يترك (نوح) ألمانيا
ويعود الى قريته...(قرية القشامر)!! التي سميت بقرار حكومي...!!. لقد أراد الرملي
أن يكون رأس المثلث للرواية له منحنى نصف دائري كأنه يمني.. خياله الخصب بجزء ثاني.
رواية سياسية بامتياز
بعد الانتهاء من قراءة القاص أسامه محمد صادق اعتلى منصة
المسرح الناقد كفاح الآلوسي وكانت له وجهة أخرى عن الرواية حيث قال:
"يبدأ السرد في رواية (تمر الأصابع) من لحظة وسط،
منتقاة، يختارها محسن الرملي لتكون مفتتحاً بصرياً، لتصوير ذلك اللقاء بين الابن
وأبيه، بعيداً عن أرض الوطن وفي مكان محايد هو: حانة القشامر في مدريد، حيث يقوم
الأب بحلاقة شعر ابنه، في إشارة لافتة، لألفة ذلك اللقاء وحميميته. قائلا: (أكتب
ما تشاء، فلن يحدث أسوء مما حدث.. هذا العالم جايف.)
بهذه العباره المختزلة، والتي نفهم منها ضمناً تشجيع
الأب ومباركته لفعل الكتابة، نلمح فيها ايضا تذمره وحنقه من هذا العالم في اشارة واضحة لما يعتلج في نفسه ازاء كل ما
حدث ويحدث. وهو ما دفع الابن لينطلق وبلا تردد لكتب هذه الرواية بكل ما فيها من
بوح واعتراف وفضائح. وهذا ما صرح به البطل في جملة الاستهلال الأولى (ما كنت لأكتب
قصة أهلي وأفضحهم لولا تشجيع أبي لي)...
بعدها وعلى نفس
الصفحة ينقطع خيط السر وينتقل الحدث عبر الفلاش باك من مدريد إلى تكريت، ويتحول
زمن السرد إلى زمن آخر ووقائع اخرى مضى عليها أكثر من عشر سنوات تتمثل بذهاب الأب
نوح مع ابنته إستبرق الى شارع الاطباء في تكريت طلبا لعلاجها، (وحيث كانت تمشي خلفه وهو يشق لها الطريق مرت
سيارة مارسيدس سوداء على مهل وامتدت من نافذتها يد الى مؤخرة استبرق...)..
الخ
من هذه الثيمة الصغيره، ينطلق الراوي ليصور لنا غضب الأب
وكيف تعامل مع الحالة، حيث لم يكتف بضرب ذلك الشاب (ابن اخت سكرتير نائب الرئيس)
بل أخذ مسدسه منه وافرغ طلقاته وحشرها في أسته عنوة! لتاتي الشرطة وتأخذ الاب نوح الى جهة مجهوله، وتعود
الطفله استبرق إلى قرية (الصُبح) لتحكي لجدها تفاصيل ما جرى.
هذا الحادث فجر بدوره غضب الجد مطلق، مما جعله ان يلملم
رجال عشيرته ويسلحهم ويذهب بهم مع الفجر ليهجم على بناية المحافظه في محاولة منه
لأطلاق سراح ولده نوح، ولأن السلطة هي السطة في كل زمان ومكان، لذا قابلت هجومهم بهجوم
اشرس منه، وفي معركة غير متكافئة سقط عددا من القتلى وسجن البقبة الباقيه وحلقت
شواربهم، اما نوحا فلم تكتف السلطة بحلق شابه كما فعلت مع الآخرين بل عذبته حد
الإخصاء، لتجعله عبرة لمن اعتبر، ليس هذا فحسب بل عاقبوا العشيرة برمتها حينما أصداروا
لهم وثائق جديدة بأسم عشيرة القشامر. وامام عسف السلطة وعبثتها ولا مسؤليتها، تحول افراد قرية الصبح بين ليلة
وضحاها، من اناس يشار لهم بالأحترام والتقدير الى عشيرة مهانة بكل ما تعني الكلمة
من مذله، وامام استهزاء الاخرين بهم، قرر الجد مطلق ان يغادروا موطن ابائهم
واجداهم، عابرين النهر الى الضفة الاخرى، على امل ان يؤسسوا هناك قريتهم الفاضلة
مثلما يريدوها هم، بعيدا عن السلطة التي اذلتهم. ولكن وقبل ان يحدث شيئا من هذا
القييل، لحقتهم السلطة وباغتتهم وأخذت خيرة أبنائهم وساقت بهم إلى سوح الحرب،
ليعودوا بهم بعد حين ملفوفين بالأعلام في إشارة واضحة لاستشهادهم في الحرب
العراقية الإيرانية تعاقب هذه الحوادث
الجلل هي التي جعلت الجد مطلق يموت كمداً،
وهي التي دفعت البطل سليم ان يقرر الهرب
ويختفي من المكان الذي أصبح خانقا ولا يطاق بسبب تعفن الجثث.. وهو ذات السبب الذي
جعل الأب نوح ان يغادر المكان فيما بعد، بحثا عن ذلك الشاب الذي أصبح سفيراً في
اسبانيا، ليثأر وينتقم منه.
على هذا النحو الإشكالي بدأ محسن الرملي روايته وواصل
كتابتها حتى ضربة النهاية مغامرا بأشياء كثيرة
في محاولة منه لإقناعنا بأن الحقد والتفكير بالإنتقام والثأر والحرب، ليست
هي دائما الحلول الناجعة لمجابهة مشاكل
الحياة..
وما اصرار البطل سليم لأقناع والده بان يترك فكرة
الأنتقام إلا دليلاً على تبنيه تلك المثل الجديدة والدفاع عنها!! في محاولة من الروائي للدفاع عن سليم الهارب
من الوطن، لا بصفته فردا بل بصفته رمزاً يمثل جميع المغتربين العراقيين الذين لم
يجدوا من سبيل اخر للنجاة غير الهرب!!!!!!
وبهذا يمكن قراءة (تمر الأصابع) كرواية سياسية بامتياز
كونها في الكثير من فصولها أشتغلت على ماضي العراق السياسي، لا بصفته زمانا عاديا
معاشا انقضى وانتهى بل بصفته زمانا ممتدا وما زال حاضرا وله وقعه النفسي على مصير
الابطال وتداعي الاحداث الآنية منها والمستقبلية، وما وصول البطلين (الاب وابنه)
الى اسبانيا وتخليهما عن فكرة العودة الى الوطن، إلا دليلاً آخر لصدق ما ذهب إليه
الرملي!!!
هذا التحول الدراماتيكي في حيوات ومصائر الابطال لم يكن
صدفةً أو نزوةً او رغبةً أو شيئا قدريًا أبدا، بل كان ضروة ملحة ونتيجة طبيعية
لظرف موضوعي ملتبس ومعقد، هو الذي دفعهم عنوةً لاختيار المنفى وطناً بديلاً، والقبول
بالهزيمه كنوع من الخلاص!!
والكلام نفسه ينطبق على الجد مطلق حين فكر بالهرب داخل
الوطن، لحظة اختار ان يترك قرية الصبح ويعبر النهر الى الضفة الاخرى فهو لم يكن
انهزاميا بل بطلاً في موقف حتمت عليه الظروف ان يفعل ما يراه مناسباً لأنقاذ ما
يمكن انقاذه...
لهذا كله اعتقد: أننا من دون أن نجد تأويلاً منطقياً لكل هذه الهزائم، ونضعها في سياقها
التاريخي الصحيح، أقول من دون ذلك لا يمكننا الاستمتاع بهذا النص الذي أراد له
محسن الرملي ان يكون وثيقة تأريخيةً لفهم العلاقة الملتبسة ما بين السلطة والفرد
من جهة وبين ما يعانيه الإنسان المغترب في
المنفى من جهة أخرى، معولا في ذلك كله على ذكاء القارىء بصفته شريكا في لعبة
التلقي.......
ملاحظة أخيره:
قد يأخذ البعض على محسن الرملي في هذه الرواية تحديدا أنه قد وظف السياسة لترويج
بضاعته ولتحقيق اعلى قدر من المبيعات هذا الكلام برأيي غير صحيح... ولا حاجة لنا أن
ندافع عن الرملي فالرجل ومن الصفحة الأولى يكشف عن نفسه بصفته معارضا للسلطات
الغاشمه بكل أشكالها وألوانها.. ولكنه قدم لنا كل ذلك على نحو متوازن ودون إسفاف
ولم يطرح نفسه كسياسي مؤدلج... بل اجترح لنفسه طريقأ خاصأ في معالجة تلك المواضيع
الشائكة ومثلما يعتقدها هو، مركزاً جل همه ان يكون مخلصاً لفنه.....
موقفه هذا، مع سليم بطل الرواية، ويتقاطع مع الأب نوح الذي
ما انقك يتحين الفرص ليثأر من أزلام السطة حد القتل، وهذا لم يتأت من فراغ، بل من
ثقافة عميقة هي التي نحتته وأهلته لكتابة هذه الرواية التي مهما اختلفنا في تأويلها
لا يمكن أن نختلف في انها رواية ممتعة وجديرة بالقراءة ".
الرملي كان يصنع أشكالاً مدهشة من الطين
اما الشهادة الرابعة فكانت من نصيب الكاتب حسين محمد
العنكود، قال فيها: "لدي رؤيه خاصة وانطباع، ربما لايختلف كثيرا عن آراء أساتذتي
وزملائي، لكني ربما أعزو بعض تحليلاتي وفهمي المنفرد للرواية، لقربي المكاني
وعلاقتي الحميمه بالمؤلف كما يحلو لحسن مطلك أن يسميها(عروق القَرابة) وتلك من أعز
القَرابات عندي، أعني قرابة الثقافة لأنها منغمسه بكفاح الوعي والرفس المتواصل ضد
كل المفاهيم السائدة والراكدة، ففي الوقت الذي كانت فيه القبيله منشغلة بأيجاد
تفسيرات لمواضيع تافهة أصلا، كصوت المسمار المحمى بالنار أثناء سقوطه في الماء
البارد، كنا أنا وحسن مطلك منشغلين بقراءة سورياليات بريتون عند حافة النهر تحت
الجبل، فيما كان محسن الرملي يصنع أشكالا مدهشة من الطين ويرتبها على رفوف مكتبته
الخشبية مما دفعني إلى الاعتقاد بأنه سيكون فنانا تشكيليا، لكنه سرعان ما بدأ
بكتابة القصة القصيرة، وقد كان له أسلوبه المنفرد الرائع، وربما كان اتجاهه لكتابة
الرواية لأجل إيجاد فسحة تكفي للتمدد.
لم يترك لي زملائي شيئاً لأقوله، فقد قالوا الكثير مما
كنت أود قوله وإني أتفق تماما مع رؤية الدكتور إبراهيم مصطفى الحمد، فيما يتعلق بالبداية
المتشنجة للنص وفي اختيار المكان العدائي من قبل المؤلف. اني أرى تماماً أن السيد
الرملي قد اختار أن تكون مدينة الحدث عدائية ولم يجعلها مكاناً رحيماً ومسالماً وأليفاً
وفقاً لتصنيفات السيد باشلار للمكان، وهذا القلق مشروع بالنسبه لصديقي إبراهيم
الحمد. وأنا أتفهم أيضا هذا القلق لأن النص أحيانا يكون وثيقة مسؤولة تتولد منها
انطباعات، كذلك ما قرأته من الحوار الجميل بين جمال نوري وأسامه محمد صادق حول
التابوات الثلاثة. ورواية (تمر الأصابع) اتخذت منحا مألوفاً في الرواية العربية
الحديثة فيما يخص الهوة الثقافية والاخلاقية بين الشرق والغرب، وهو أمر كان أيضاً في
روايتيّ (دابادا) و(قوة الضحك في أورا) لحسن مطلك، شقيق محسن الرملي. أهنئكم على
هذا الابداع والتواصل لأجل الثقافة وأنقل لكم تحيات المبدع د.محسن الرملي مؤلف
الرواية، وهو سعيد بكم وبجهودكم ويحب مدينته مثلكم، وسيأتي اليوم الذي سيعود فيه
ليدعم مؤسسات الثقافة هنا".
يفتح حواراً عميقاً وحميماً مع الغرب
أما القراءة الأخيرة فقد كانت لرئيس اتحاد الأدباء
والكتاب في صلاح الدين القاص جمال نوري، جاء فيها: "تشتغل رواية محسن الرملي
في منطقة خطرة، حيث وظف الجنس بطريقة فنية مبتكرة ولا سيما تلك العلاقة التي ربطت
الراوي بابنة عمه (عالية) حيث تبينت القصدية التي أشار إليها الروائي في العنوان، فالتمر
اتسع ليشير الى دلالات متعددة انطوت عليها تفاصيل الرواية، وربما أراد محسن الرملي
بذلك أن يؤكد على عمق الدلالة التي تعنيه النخلة العراقية بعطائها الثر، كما اشتغل
الروائي على ثلاثة شخصيات مهمة، تمثلت الأولى بشخصية الجد المتسلط الذي كان يصدر أوامره
فحسب إلى درجة أنه صادر مصير نوح الابن الذي اختار طريق الخروج بحثاً عن ضالته
المتمثلة بالدبلوماسي الذي تحرش بأبنته، بينما اختار سليم الحفيد رحلة أخرى اتسمت
بالاعتدال والانفتاح على معطيات الحضارة الغربية بكل إيجابياتها أملاً بأن يمد
جسور الحوار مع والده نوح في إسبانيا بعد أن كان الحوار مقطوعاً أو سلبياً بين
الشخصيات الرئيسة الثلاثة.
كما انفتح الروائي على مشروعه الخاص الذي يهدف إلى فتح
حوار عميق وحميم مع الآخر الذي كان يمثل في روايات (موسم الهجرة إلى الشمال) و(الحي
اللاتيني) إعلاناً لقطيعة أبدية مع الغرب الذي تُرجم بطريقة (ايروتيكية) سلبية حيث
كان الأبطال الشرقيون ينتقمون من خلالها، بينما ارتفعت قيمة العلاقة الجنسية في
رواية (تمر الأصابع) الى مستوى فني منتج.
وفي النهاية قدم الحاضرون أرائهم الاستباقية حول الرواية
مثمنين الأفكار والجهود في إخراج الأمسية بشكل ناجح وملفت للانتباه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*غطت
الأمسية العديد من وسائل الإعلام ومنها قناة (صلاح الدين) الفضائية، كما نشرت في (ميدل
أيست أونلاين) بتاريخ 13/6/2012م
وفي
(شهريار) بتاريخ 13/6/2012م
http://www.shehrayar.com/ar/node_2310/node_7514
هناك 6 تعليقات:
من أجمل ما وجدته في كتابات الدكتور محسن الرملي والذي استوقفني اختياره للتعليقات الريفية ودقة توضيفها في نصوصه وما له دراية تامة في اختيار الشخصيات وطريقة عرضها وما تبوح به وأيضاً العنونة الرائعة لهذه النصوص التي تحمل في طياتها اخباراً للمتلقي من الوهلة الأولى عند التقاطها وما تحمله النصوص من حنين واضح على محيا النص عند تلقيه وهذه ميزة المبدع الريفي وجزء من وفاءه للمكان الذي أنتجه أولاً ثم أنتج نصوصه ثانياً فالشرح يطول عن المبدع الدكتور محسن الرملي وإن قدمت كلمة مبدع فهي تسبق الدكتوراه لأنه رضع الإبداع مذ كان طفلاً من تلك القرى الراقدة على شواطئ دجلة وسرى في عروقه بنكهة ريفية بسيطة في معانيها لكنها عظيمة في مدلولها وطرحها لقضية الإنسان المهمش في اغلب البلدان العربية.....مع فائق حبي واحترامي
مدونة مميزة ..
شكراً ع الموضوع .... :)
Thanks for it .. I hope the new Topic is always
Succès ... S'il vous plaît noter les nouveaux sujets toujours
Vielen Dank .. Und ich hoffe, Sie Mved Entwicklung und Schreiben von verschiedenen Themen :)
Vielen Dank ... Wo neue Themen?
إرسال تعليق