.. عن المجلات الثقافية
د.محسن الرملي
ثمة قول معروف مفاده بأن "الذي لا يتجدد يموت"، فإلى أي حد ينطبق هذا القول على المجلات الثقافية؟. ها نحن نراها تتراجع وتموت تباعاً بعد أن كانت منابر قوية في كل ثقافات العالم، وكم من مجلة نذكرها قد كان مجرد النشر فيها يعد اعترافاً بصاحب المنشور ككاتب أو كصحفي، وكم من مجلة كانت نواة لحركة فكرية أو تيار ثقافي بأكمله أو كانت خلاصة لصوت وهوية جيل أو مرحلة بكل همومها وأفكارها وأحلامها ومرجعاً لا مناص منه في اختصاصها ولدارسيها.. وكم وكم من مجلة ثقافية صنعت ثقافة حقيقية!.. فلماذا إذاً نراها تتهاوى هكذا حتى تكاد تنقرض من حياتنا؟ أهي هيمنة التكنلوجيا وحدها التي انتصرت عليها أم أن لنمطيتها وكسلها عن التجديد دوراً في موتها؟
إن إنشاء مجلة وإدارتها وتحريرها هو إبداع أيضاً ويفترض به أن يحرص على خصوصيته وأن يقدم المتميز والجديد والخاص في الشكل وفي المضمون وأن يسعى للتكيف ومواكبة عصره فيما يطرح وفي كيفية الطرح في كل عدد جديد. أضرب أمثلة، عرفتها هنا في إسبانيا، لمجلات ثقافية استطاعت ولازالت تقف على أقدامها الورقية بقوة، ومنها مجلة (إنيه) المتخصصة بالقصة القصيرة، وهي فصلية، تختار لكل عدد موضوعاً واحداً، كأن يكون: العائلة، الليل، التلفزيون، الطفولة، الحب، الإنترنيت...إلخ، ثم تستكتب عشرة كُتاب، حققوا حضوراً معيناً، من بلدان مختلفة لكتابة قصة عن تلك الموضوعة بحيث لا يقل النص عن خمس صفحات، وبعدها تُصدر العدد بالقصص العشرة وبمقدمة وبتعريف موجز بكل كاتب، وقطع طباعتها من الحجم المتوسط، أي أن القارئ سيحملها بمثابة كتاب واحد عن موضوع واحد (أنطولوجيا) لعشر مؤلفين من بلدان وثقافات مختلفة وبأساليب مختلفة، هذا إلى جانب إقامة المجلة لمسابقات سنوية في القصة لم يقل المشاركين فيها عن خمسة آلاف في أي عام، وأخرى للأقصوصة يمكن إرسال المشاركة فيها عبر الإيميل أو حتى الهاتف الجوال.. وهكذا تواصل المجلة حضورها وحيويتها بحيث تحولت إلى مؤسسة ثقافية تهتم أيضاً بالنشر والتصوير والديكور وغيرها مطلقة على نفسها تسمية (مصنع الأفكار). المثال الآخر، وفي اختصاص القصة أيضاً، هو تجربة لكتاب شباب اجتمعوا فيما بينهم لإصدار مجلة باسم (الجانب الآخر من المرآة) وسعوا إلى الاجتهاد في التصميم الحديث والفني الحداثوي لصفحاتها، تشكيل يمزج بين صورة الكاتب ونبذة عنه والنص وموضوعه.. ونوّعوا في أحجام وألوان تصانيف الخط، كما نشروا قصصاً مصورة وينفتحون على أي تجريب يمزج بين الفن البصري والنص مهما تكن غرابته، بحيث تتحول كل صفحة فيها إلى لوحة مستقلة يمكن قصها وتأطيرها وتعليقها على الجدار.. أقول هذا وأود لو أننا في ثقافتنا نسعى إلى الابداع والابتكار في مجلاتنا أو في إصدار مجلات جديدة تأخذ هذه الروحية بعين الاعتبار، بدل الاكتفاء أو الاستمرار بالنمط التقليدي الذي يجمع شتى النصوص والأجناس والمواضيع بلا رابط ولا عناية كوجبة تخلط المالح بالحلو والحامض والطازج بالبائت فلا تتقبلها معدة سليمة، ليتنا لا نكتفي بلاستسلام السلبي حيال هذا التراجع والموت البطيء للقلة الباقية من مجلاتنا الثقافية، فلنحثها على التخصص والتعمق والإبداع.. وعلى التجدد.. لأن الذي لا يتجدد يموت.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*نشرت في زاوية (جداريات) في الملحق الثقافي لصحيفة (الثورة) السورية، بتاريخ 2/11/2010 العدد 715
إن إنشاء مجلة وإدارتها وتحريرها هو إبداع أيضاً ويفترض به أن يحرص على خصوصيته وأن يقدم المتميز والجديد والخاص في الشكل وفي المضمون وأن يسعى للتكيف ومواكبة عصره فيما يطرح وفي كيفية الطرح في كل عدد جديد. أضرب أمثلة، عرفتها هنا في إسبانيا، لمجلات ثقافية استطاعت ولازالت تقف على أقدامها الورقية بقوة، ومنها مجلة (إنيه) المتخصصة بالقصة القصيرة، وهي فصلية، تختار لكل عدد موضوعاً واحداً، كأن يكون: العائلة، الليل، التلفزيون، الطفولة، الحب، الإنترنيت...إلخ، ثم تستكتب عشرة كُتاب، حققوا حضوراً معيناً، من بلدان مختلفة لكتابة قصة عن تلك الموضوعة بحيث لا يقل النص عن خمس صفحات، وبعدها تُصدر العدد بالقصص العشرة وبمقدمة وبتعريف موجز بكل كاتب، وقطع طباعتها من الحجم المتوسط، أي أن القارئ سيحملها بمثابة كتاب واحد عن موضوع واحد (أنطولوجيا) لعشر مؤلفين من بلدان وثقافات مختلفة وبأساليب مختلفة، هذا إلى جانب إقامة المجلة لمسابقات سنوية في القصة لم يقل المشاركين فيها عن خمسة آلاف في أي عام، وأخرى للأقصوصة يمكن إرسال المشاركة فيها عبر الإيميل أو حتى الهاتف الجوال.. وهكذا تواصل المجلة حضورها وحيويتها بحيث تحولت إلى مؤسسة ثقافية تهتم أيضاً بالنشر والتصوير والديكور وغيرها مطلقة على نفسها تسمية (مصنع الأفكار). المثال الآخر، وفي اختصاص القصة أيضاً، هو تجربة لكتاب شباب اجتمعوا فيما بينهم لإصدار مجلة باسم (الجانب الآخر من المرآة) وسعوا إلى الاجتهاد في التصميم الحديث والفني الحداثوي لصفحاتها، تشكيل يمزج بين صورة الكاتب ونبذة عنه والنص وموضوعه.. ونوّعوا في أحجام وألوان تصانيف الخط، كما نشروا قصصاً مصورة وينفتحون على أي تجريب يمزج بين الفن البصري والنص مهما تكن غرابته، بحيث تتحول كل صفحة فيها إلى لوحة مستقلة يمكن قصها وتأطيرها وتعليقها على الجدار.. أقول هذا وأود لو أننا في ثقافتنا نسعى إلى الابداع والابتكار في مجلاتنا أو في إصدار مجلات جديدة تأخذ هذه الروحية بعين الاعتبار، بدل الاكتفاء أو الاستمرار بالنمط التقليدي الذي يجمع شتى النصوص والأجناس والمواضيع بلا رابط ولا عناية كوجبة تخلط المالح بالحلو والحامض والطازج بالبائت فلا تتقبلها معدة سليمة، ليتنا لا نكتفي بلاستسلام السلبي حيال هذا التراجع والموت البطيء للقلة الباقية من مجلاتنا الثقافية، فلنحثها على التخصص والتعمق والإبداع.. وعلى التجدد.. لأن الذي لا يتجدد يموت.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*نشرت في زاوية (جداريات) في الملحق الثقافي لصحيفة (الثورة) السورية، بتاريخ 2/11/2010 العدد 715
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق