من استطلاع: عبدالحق بن رحمون
محسن الرملي
صداقات حميمة وعميقة
*في رأيك ماذا أضاف الـ : " فيس بوك " لك وللثقافة العربية؟
ـ أضاف المزيد من التواصل، والتواصل هو العمود الفقري للحياة الاجتماعية والثقافية بل والإنسانية عموماً. أضاف المزيد من المعرفة بالناس وهمومهم وأحلامهم وبالقضايا التي تشغلهم، فأضاءها بشكل لاتوفره وسائل أخرى كوسائل الإعلام التقليدية، كما أنه يتيح المتابعة التفصيلية مباشرة وبشكل يومي، عدا كونه وسيلة إعلام ودعاية مجانية عملية وواسعة، وهناك أعمال وأسماء ظهرت وبرزت من خلاله ووصلت إلى الناس بشكل أسرع وأكثر فاعلية.
*وهل أنت مقتنع تماما بوجود اسمك على هذا الموقع... وماذا أضاف لك على مستوى الكتابة؟
ـ نعم، أنا مقتنع تماماً، بل وشجعت وأحث كل الأصدقاء والمعارف على فعل ذلك، أما على صعيد الكتابة فمن بين ما نفعني به: أنه جعلني على تماس مباشر مع أصدقائي الكتاب ومع القراء الذي تهمهم نصوصي، وحضورهم المباشر هذا بحد ذاته يطالبني ويستدعي مني المزيد والجديد في الكتابة، بحيث لم يعد الكسل السابق مريحاً كما كان. هذا إضافة إلى أنه يصحح لي أو يعينني على تعديل نصوصي قبل نشرها بشكلها النهائي، فقد عمدت أحياناً إلى نشر بعض مسودات نصوصي في الفيس بوك لأرى الانطباع وردود الفعل عليها وملاحظات الأصدقاء قبل أن أراجعها بشكلها النهائي. من الفوائد الأخرى لصالح الكتابة أنه يثري المعرفة التفصيلية بالمواضيع التي أفكر بكتابتها، بل وحتى بإيجاد الشخصيات والمناخات أحياناً.. بشكل عام إضافاته على مستوى الكتابة كثيرة وخاصة فيما يتعلق بمعرفة المتلقي أكثر والتعلم منه لصالح أسلوب وشكل ومضمون النص الكتابي لاحقاً.
*وهل يعتبر الـ : " فيس بوك " تهديدا للثقافة العربية؟
ـ لا أعتقد ذلك، فهو وسيلة وأداة تكنولوجية حديثة حاله كحال أية أداة أو وسيلة أخرى، أي يمكن توظيفه واستثماره لأغراض إيجابية أو العكس. الأمر بنهايته يتعلق بالهدف من استخدامه وبالكيفية، وقد سبق وأن قيل هذا الرأي نفسه عندما ظهر الراديو والتلفزيون والهاتف النقال والإنترنيت وغيرها، لذا فالمسألة تخص كيف نستخدمه، وعليه فيمكن للثقافة العربية أن توظفه وتستثمره لكل ما هو إيجابي، ولاحظت تجارب ناجحة في هذا المجال، وشخصياً لا أظن أن هناك شيئاً ما يمكنه أن يهدد العناصر الأصيلة في ثقافة ما، إلا إذا كانت تلك العناصر في تلك الثقافة هشة في ذاتها أصلاً وفيها ضعف، وتنطوي على مقومات الاستجابة لتهديد معين.
*وهل تأخذ منك متابعتك للـ : " فيس بوك " وقتا كثيرا، أو تتخذ منه فقط اتجاها للجد أم غاية في التسلية والفضول والبصبصة فيما يفعله زملاؤك؟
ـ إنها تأخذ من وقتي ما أعتقد بأنها تستحقه، وبشكل عام فالفيس بوك بالنسبة لي صار بمثابة (صحيفة المساء) أقلبه وأعطيه حقه من الاهتمام في آخر النهار، ذلك أنني في أول الصباح أتابع الصحافة المعتادة لمعرفة الأخبار والجديد، أما في المساء فأتابع ردود الفعل والآراء وما أثار اهتمام الآخرين، ثم الأخبار الشخصية لأصدقائي والتي لاتنشرها الصحف التقليدية بالتأكيد. كذلك أجد أخباراً ونصوص وفيديوات وصور لم أكن لأنتبه لها أو لأعرف بوجودها أبداً لولا أن ذكرها أو علقها آخرون. كما أرى جديد أصدقائي حيث يخبرون أو يعلقون روابط لما نشروه مؤخراً من نصوص وكتب ونشاطات وسفرات وغيرها. فأشعر بالفيسبوك أحياناً بمثابة مقهى ثقافي ألتقي به معهم. وبالتأكيد إنني أتخذه للجد وليس للتسلية، فليس لدي فائض من الوقت لفعل ذلك، كما أنني لا أتفق مع كلمة "بصبصة" لأنها لاتنطبق وهذا الحال، وذلك لأن أي شخص يضع نصاً أو يعلق صورة أو تعليق إنما غايته أن يطلع عليه بقية الأصدقاء ولو كان يريد أن يبقى سراً لما وضعه أصلاً.
*وهل أحسست بتحول وأنت تكتب على جدران الـ : " فيسبوك" ... وكيف اكتشفت عالم الأصدقاء المفترضين... وكيف تختارهم للتواصل معك؟
ـ اعتبر نفسي جديداً على الفيس بوك، فقد انضممت إليه منذ عامين تقريباً بعد أن كنت أمانع وأتردد مثل الكثيرين غيري، ولكن طلابي هم الذين دفعوني للإنضمام إليه، وخاصة أنهم يتعاملون من خلاله أكثر من تعاملهم عبر الإيميل، والذي صار يشبه صيغة الرسائل سابقاً لما يتطلبه من تقديمات وتحيات وغيرها، أما الفيسبوك فهو مباشر كاللقاء الشخصي حيث يمكنك أن تعلق أو تقول رأيك بلا مقدمات، كما أنك تنشر خبراً أو رأياً لمرة واحدة للجميع وليس لكل واحد بمفرده، وبالطبع أن أي شيء تأخذه بجدية سيؤثر بشكل ما على آرائك وعلى أسلوبك في الفهم والكتابة. أرحب على الفيسبوك بصداقة أي شخص أعرفه أو عرفته شخصياً في الواقع أو أعرفه بالإسم كونه كاتباً أو فناناً أو صحفياً مثلاً كما أرحب بمن يعرفني بهم أصدقائي أو أولئك الذين يعرفون بانفسهم، إضافة إلى من أجد بيني وبينه اهتمامات مشتركة وخاصة فيما يتعلق بالثقافة والأدب. وقد تحولت الكثير من صداقاتي التي بدأت بالفيس بوك إلى واقع حقيقي ولقاء شخصي.. بل إلى صداقات حميمة وعميقة. وبفضل الفيسبوك أيضاً وجدت أصدقاء قدامى من أيام الطفولة أو المدرسة والجامعة أو الخدمة العسكرية، أو هم الذين وجدوني، وأعدنا التواصل بعد أن فرقتنا الحياة والظروف ربما لعقود، ومنهم أصدقاء في العراق من مناطق حلت بها كوارث حقيقية، فأسعدني أنهم لازالوا أحياء وأن أرى صور حياتهم وأطفالهم.. وهذا بحد ذاته يكفي لأن أقدم الشكر الكبير للفيسبوك وأتجاوز عن العديد من منغصاته.
*وفي رأيك هل أخرج الـ : " فيسبوك" المبدعين والمثقفين من حالة الانكماش والتقوقع على الذات إلى عالم أكثر فساحة؟
ـ هذا فضاء حر ومفتوح كما تعلم، ومسألة التعامل معه ومن خلاله تعود لذات كل شخص، فمن شاء التواصل والانفتاح أو شكل منه فعل، ومن آثر العزلة فعل، أو يستطيع الانسحاب متى ماشاء، كما أن كل شخص بإمكانه أن يتحكم بصيغة وحدود التعامل الذي يناسبه ويرتأيه. وعرفت مثقفين ومبدعين وفنانيين أجادوا استخدامه وحققوا حضوراً وجمهوراً وتعريفاً جيداً بنتاجاتهم. وأنا شخصياً مع الانفتاح والتواصل ومع السعي للمعرفة والاستثمار الإيجابي لأية تسهيلات تكنولوجية جديدة.
--------------------------------------------
*نشر في صحيفة (الزمان) العدد 3602 الثلاثاء 25/5/2010م.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق