هدية القرن القادم
هدية محسن الرملي لإثراء أدب المهجر في إسبانيا
سعيد العلمي/مدريد: ألقى الكاتب العراقي محسن الرملي محاضرة قيمة في النادي الثقافي العربي في مدريد، حضرها عدد كبير من المثقفين العرب والأسبان. قدم للمحاضرة الدكتور خليل شنيكر قائلاً:" بعد أن قرأت بعض كتابات الأديب محسن الرملي أعتقد بأننا أمام كاتب من الطراز الأول حيث وجدته يصول ويجول في عدد من المواضيع الهامة ذات الصبغة العالمية الإنسانية فيعالج أمور الحب والمرأة والدين والحرب والشهادة والحرية. وفي كتابه (هدية القرن القادم) نراه يؤشر بوضوح إلى أماكن الوجع، وعندما نتابع القراءة نكتشف بأنه يحاول تلمس مشروع حل، وبذلك تكون قد اكتملت في محسن شروط المثقف، فهو كاتب معروف ليس في مجال القصة القصيرة فحسب وإنما له نصوص مسرحية مثل مسرحيته (البحث عن قلب حي) التي نالت الاستحسان عند عرضها الأول في الأردن، وله رواية قيد الطبع، إضافة إلى مئات المقالات والترجمات في صحف الأقطار العربية، وهو يحضر الآن لأطروحة الدكتوراه في الدب الإسباني...".
هذا وقد ارتكز الرملي في محاضرته على ثلاثة محاور أساسية هي: "أهمية الثقافة الآن" و"الرواية العربية المعاصرة وهموم المثقف العربي" و"شيء عن تجربته القصصية"، ومما جاء في أقواله:" أن الثقافة الآن تعتبر قلعتنا الأخيرة وسبيلنا الأرحب وأملنا في التفاهم والتقارب والتوعية وتمتين جسور التواصل، وأسلوبنا الذي نثق به أكثر من غيره من أجل استمرارنا في مطاردة الحقيقة". كما اعتبر أن:" الأدب هو الوجه الآخر للتاريخ، بل هو الوجه الأكثر صدقاً وتفصيلاً ودقة في التسجيل وذلك لعدة أسباب منها: أن التسجيل التاريخي التقليدي يتعرض دائماً للتلاعب والتشويه من طرف المراحل والأنظمة وحتى من طرف المؤرخين كأفراد وفق وجهات نظرهم ومصالحهم وأهدافهم، وأن الأدب هو تاريخ الناس على اختلاف مستوياتهم وتاريخ الأحداث والطبيعة والأشياء، ففي الوقت الذي يقتصر فيه التاريخ التقليدي على تسجيل حياة الملوك والقادة وانتصاراتهم وهزائمهم وأعداد جيوشعم والمعارك وبناء المدن واندثارها، يسجل الأدب حياة الناس البسطاء والفقراء والمنسيين". وعن أهمية القصة تحديداً قال:"إن كل الديانات ومناهج التربية والتعليم استخدمت القصة كوسيلة لإيصال القيم والمفاهيم إلى عقول الناس ووجدانهم، وإن كل ما يحيط بنا هو قصص: الأحداث والأخبار والأحاديث اليومية ومكالمات الهاتف وحتى عملية الطبخ.. هي قصة بحد ذاتها عندما نتحدث عنها". و"إننا نبدأ حياتنا منذ الطفولة بسماع القصص من جداتنا وأمهاتنا ثم نعيش حياتنا قصصاً ونعلم أولادنا بالقصص وحين نموت نكون قصة يرويها غيرنا". وقال الرملي:"هكذا اتخيل بأن كل واحد منا هو مجموعة قصصية تمشي على قدمين". ثم تحدث عن الرواية العربية ووصفها بأنها بخير من ناحيتي الكم والنوع وانها "على الرغم من قصر عمرها قياساً إلى أعمار الرواية في بقاع اخرى من العالم إلا أنها قد استطاعت أن تحرق المراحل بشكل كبير واستطاعت أن أن تنتج نماذجاً رائعة وخالدة من الروايات". ثم تحدث عن بعض ما تعاني منه الثقافة العربية من أزمات مثل الحرية والنشر والنقد والترجمة وضعف التنسيق الثقافي بين البلدان العربية. وأشار إلى أنه يركز في قصصه على نقطة أساسية وهي:"البساطة العميقة"، الحدث بسيط ولكن مدلولاته عميقة، واللغة بسيطة وسلسة ولكنها غير مبتذلة أو مكررة و"أحاول أن أمنح الأشياء اليومية تجديداً ودهشة".
وفي مجموعة الرملي القصصية (هدية القرن القادم) يبرز عنصر الانتقاد والإدانة، ففيها قصص تدين الحرب وأخرى تدين الفهم الخاطئ للدين وأخرى تدين التعلق المرضي بالرياضة وأخرى تدين الزيف في الحب والحياة وغيرها... كما تحدث محسن الرملي عن تجربته بالاستفادة من تقنيات الحكي الشعبي عند العجائز، وكيف أن هذه التجربة قد ساعدته على الميل نحو التحرر الزمني والحكائي في الروي، وقال عن قصصه المكتوبة عن الحرب:"لم أكن أصف الحرب كفعالية وآليات وخطط عسكرية، وإنما كنت أنظر إليها عبر انعكاسها على الناس وما تتركه من خراب وقتل وأحزان ومفارقات، وهكذا فإنني أدين الحروب عن طريق وصفي لجوانب مما تُحدِثه في الناس". ثم ختم قوله بأنه، وعلى الرغم من الصدى الجيد لكتابه هذا إلا أنه غير راض عنه كل الرضى ويعتبره مجرد مرحلة أولى في تجربته وأنه قد أخذ بالتجاوز في قصصه الجديدة محاولاً التعميق والتنويع في تجربته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*نشرت في مجلة (النورس العربي) سنة 1996 مدريد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق