الخميس، 17 أكتوبر 2024

فحوصات ثقافية/ أبو الفنون، المسرح/ محسن الرملي

 

فُحوصات ثقافية

أبو الفنون يحتاج إلى أبنائه 


بقلم: الدكتور محسن الرملي

يشكو المسرح، أبو الفنون، منذ أعوام، من تناقص المشاهدين، من عزوف الجمهور أو حتى إعراضه تماماً عن الذهاب إلى المسارح، وهنا، أرى بأن يعود المسرح إلى ما كان يمارسه في بداياته الأولى، أي أن يذهب هو إلى الجمهور، أن تعاود الفِرق المسرحية خروجها من العواصم إلى المدن الأخرى والتجوال في البلدات الصغيرة والقرى النائية، الذهاب إلى الجامعات والمدارس والمصانع والمؤسسات، الخروج إلى الشوارع والساحات والأسواق وإلى حيث يوجد الناس. ها هو الشِعر يحاول ذلك، فبعد أن أعلن البعض عن موته، وأولهم الناشرون طبعاً ـــ يقابلهم المنتجون في المسرح ـــ خرج الشعراء بحثاً عمن يسمعهم، وعبر كل الوسائل، كما نشهد ظاهرة آلاف المهرجانات الشعرية في العالم، بحيث أشك بأن أي عصر آخر، بما فيها عصور ازدهار الشِعر، قد كان لها كل هذا العدد الهائل من المهرجات والملتقيات الشعرية، هذا عدا نشاطات المقاهي الثقافية والمكتبات وأمسيات القراءات الشعرية بكثافة تستحق الإعجاب والتقدير، فالشعر على هذا النحو، يقاوم الدعوات بموته.. أو الدعاء عليه بالموت، وهو وإن لم يحل الأزمة، لكن محاولاته هذه، بحد ذاتها، إيجابية ورائعة، أبقته حيّاً.

يشخص المسرحيون بأن الشاشات هي التي اختطفت جمهورهم منهم، ابتداءً بشاشة التلفزيون ثم السينما وصولاً إلى شاشات الكمبيوتر والهاتف، وهذا تشخيص واقعي، أرى أن عليهم الانطلاق منه تحديداً، لأن التشخيص هو نصف العلاج كما يقول الأطباء، فهذه الشاشات قد زادت من عزلة الإنسان وجعلت علاقته المباشرة، الحيّة والحميمة بالإنسان الآخر أشبه بالمقطوعة، مع أن اسمها وسائل اتصال وتواصل، وهي تكرس كل يوم، انفصالنا عن الحي والدافئ الإنساني، لتقصر تواصلنا عبر الأسلاك والشاشات، كل منا في حجرته، وتزيد من التعقيد في علاقاتنا وارتباكنا عند التعامل المباشر.

لذا فهي فرصة المسرح كي يعاود استثمار إحدى أهم خصائصه التي انطلق منها، وهي: اللقاء الحي، المباشر والحميمي بين الإنسان والإنسان، مُجسَّداً من لحم ودم ومشاعر وتفاعل انفعالي وعاطفي وذهني ملموس، تجمعهم درجة حرارة واحدة وتلفهم العتمة ذاتها أو يضيئهم المصباح نفسه ويجمعهم الزمان والمكان ذاته، سواء أكان قاعة بجدران أو فضاء مفتوح، وهذا أمر تفتقر إليه علاقات الشاشات.

أرى أن على المسرح أن يستثمر هذه النقطة تحديداً، وألا يكتفي ببضعة مهرجانات في العام، في بضع مسارح في بعض العواصم ولبضع أيام، وأغلبها أعمال تجريبية، لا يحضرها سوى المشاركون أنفسهم، وعلى المسرح تجنب الإكثار من توظيف التكنولوجيا، بحجة التحديث، بحيث صار يجلب الشاشات، التي نتوق للاستراحة منها، إلى داخل المسرح نفسه، عليه التقليل من المبالغة والاغراق بالتجريب، وأن يعيد لعنصر النص دوره الأساسي بعد أن همشه المخرجون، وأن يُكثر من تناول قضايا الناس المحلية والعالمية اليوم، بدل تكرار سوفوكليس وأسخيلوس وشكسبير وبريخت وغيرهم، وأن يُكثر من الكوميديا وسط هذا الحزن والبؤس المحيط بنا... على أبناء المسرح تحديداً؛ رفض مقولة "قتل الأب"، ألا نكتفي بتكرار الشكوى من غياب الجمهور، وإنما نذهب للبحث عنه بأنفسنا، فالذي زرته مرتين بنفسك وأحبك، سيسعى لزيارتك بنفسه في المرة الثالثة. وببساطة، فكما يقول المثل الإسباني: "إذا لم يأتِ الجبل إلى محمد، فليذهب محمد إلى الجبل".

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*نشرت في ملحق مجلة (الناشر الأسبوعي)، السنة 3 أكتوبر 2024م

https://xsi.sibf.com/content/uploads/publisherweekly/pdf/2_ca97d69465474eee938f68592396bd.pdf

الجمعة، 20 سبتمبر 2024

لهذا نكتب الروايات / خلود الفلاح

 

هذا زمن الرواية، والشعر جنس أقلية؛ "لهذا نكتب الروايات"

كتاب يضم ستة حوارات وعشر شهادات لروائيين إسبان 

خلود الفلاح

الشهادات والحوارات بمثابة الكشف عن الجانب الخبيء من حياة الكاتب وعلاقته بالعالم المحيط، حبه للكتابة، وسعيه لخلق رؤيا وأفكار معاصرة.

كتاب (لهذا نكتب الروايات: شهادات وحوارات مع روائيين إسبان) ترجمة وتقديم الروائي العراقي محسن الرملي، هذه الحوارات والشهادات تتناول كما يقول الرملي “أكثر من مسألة مهمة، فعدا شؤون الرواية، وضعها الحالي وآفاق مستقبلها من حيث الدور والتقنية واللغة، تم تبادل وجهات النظر عن حاضر العالم سياسياً واجتماعياً وثقافياً. وماهية دور المثقف في ذلك بشكل عام، والروائي بشكل خاص”، ويضيف: نجد التطرق إلى مسائل كالوحدة الأوروبية، العولمة، الهويات، الجماعة، الفرد، التاريخ، الحروب، الفن، الواقع، الخيال، الهجرة، الاغتراب، الأيديولوجيات، الأديان، التكنولوجيا والكتابة كل ذلك يكشف لنا عن طبيعة رؤية الروائيين الإسبان للعديد من القضايا، ومنها على وجه الخصوص فهمهم للفن الروائي.

تحكم القارئ

وحول مدى إطلاع الروائي الإسباني على المنجز الروائي العربي، وما هي أسباب ضعف الترجمة الإسبانية للأعمال العربية في مختلف الفنون، يقول الروائي رافائيل ريج: معرفتي بالأدب العربي أقل مما يجب، ولكن أعرف ما قد أصبح جزءاً من موروث الثقافة العالمية مثل ألف ليلة وليلة. أعرف الأدب الأندلسي والذي هو في نظري فرع من الأدب العربي بما فيها الأدب الأندلسي المعاصر.

ويفسر ضعف الترجمة الاسبانية للأعمال العربية، بسبب الإمبريالية الثقافية، مثلما يحدث مع الأدب الإسباني في الساحة الإنجليزية، بينما نرى الأدب الأمريكي يهيمن، أيضا انتشار ما يكتبه الغرب عن الثقافة العربية والإسلامية بغض النظر عن مستوياته ومدى انصافه، أكثر مما نجد كتابات العرب والمسلمين عن أنفسهم. حيث لا يبذل جهد لترجمة الأدب العربي. إن ما يحدث هو شكل من أشكال المتاجرة باستغلال الأحداث. وهذا نوع من الاستعمار الجديد.

في المقابل، يرى الروائي مانويل فرانثيسكورينا، أن الأدب العربي والثقافة العربية تعاني من أحكام مسبقة عليها من قبلنا وفي الغرب كله. وهذا متأثر بالمناخ العالمي السائد وخاصة السياسي، فمثلاً، حتى الوصول إلى جائزة نوبل لكل من نجيب محفوظ وأورهان باموق لم تؤثر كثيرً في تغيير هذا التصور عما هو عربي وإسلامي.

ويشير رافائيل ريج إلى أن التجريب والتمرد في الرواية الإسبانية خلق قطيعة مع القارئ، لذا قررنا ألا تكون أعمالنا عبارة عن مونولوج داخلي ومغرق في الذاتية. لذلك عدنا إلى تقديم الرواية البوليسية، الفكاهية، النسائية، روايات الأعمار والأجيال. هذه الأعمال يفهمها القارئ ويثق بجديتها. إذ كان المطلوب البحث عن متلقي مكمل وشريك ولاعب مع الكاتب، خاصة فيما يتعلق بالقضايا التي تهم الإنسان المعاصر.

يؤمن رافائيل ريج، أن الرواية أكثر انتشاراً في إسبانيا في مقابل تراجع الشعر، يعني ذلك “الشعر أصبح جنس أقلية، مثل الأوبرا، والموسيقى الكلاسيكية، والمسرح، وصار يدرس في الجامعات وتتم قراءته خلال مرحلة قصيرة ومبكرة من العمر. بعد ذلك يتم التخلي عن قراءته. أعتقد أن للمجتمع وتحولاته تأثيرا في ذلك التخلي عن الشعر”.

في حين أعتبر الروائي مانويل فرانثيسكورينا أن الحركة الشعرية الإسبانية تعيش لحظة جيدة. فقد كانت دائما جزءاً جوهريا من الثقافة والطبيعة الإسبانية.

آلاف الروايات يوميا

في شهادته المعنونة ب “أكتب الرواية لهذه الأسباب” يتحدث الروائي خافيير غارثيا سانجث، عن أهم الأسباب التي تدفعه إلى كتابة الروايات وهي أن قراء الرواية يجدون في الروايات مصدراً يساهم في تشكيل حياتهم، ويضيف: “أكتب الرواية لأنه على الرغم من كل شيء، مازال عندي إيمان أعمي بالجمال والكرم، مازالت أؤمن بالأشياء وبالقضايا الحميدة، التي تكرم الإنسانية”.

ويعترف الروائي خافيير مارياس، أن الأسباب التي قد تمنعه من كتابة الرواية أن هناك روايات أكثر من اللازم، وثمة أناس أكثر مما ينبغي يكتبونها. ويضيف: تصدر دور النشر آلاف الروايات، وآلاف الروايات الموجودة على رفوف المكتبات، إضافة إلى آلاف الروايات التي تم رفضها من قبل دور النشر.

ويستطرد “لمن الهزل بذل الجهد في كتابة الروايات لغرض الشهرة، كما أن كتابة الروايات لا تجلب الزهو، ولا حتى للحظات على العكس مما يحظى به المخرج السينمائي أو الموسيقي أو أولئك الذين يستطيعون ملاحظة رد فعل المشاهدين”.

ويؤمن الروائي روبرت سالادريغاس أن رواية المغامرة لم تمت من حيث العمق، وإنما قد قامت فقط بتغيير وضع أهدافها من حيث الحيز في الحياة. فقد انتقلت بمكانها من ضوء الشمس إلى عتمة متاهات الإنسان المعاصر.

وأن الرواية الأوروبية بشكل عام، قد اقتربت أكثر إلى الفحص النفسي، الباطني لما تفتقر إليه الحياة، وترد على المهيمنات في زمن مفعم بالخبرة، هذا الزمن الذي يعيش بين أحضانه الروائي كفرد آخر وسط أفراد تائهين.

وهذا يفرض على الكاتب أن يكون منتبها للتحولات التي تحيط بعمله للوصول إلى جودة أفضل للعمل الروائي.

ويسأل الروائي لويس ماثيودييث من خلال شهادته المعنونة ب “الرواية الحديثة لا تقلد الحياة وإنما تحاول تعويضها” ما الذي سيكون عليه مصير الرواية الأوروبية في وقتنا المعاصر؟ لماذا يجب علينا أن نؤسس الرواية كمرآة قريبة، إلى جانب الموازنة بين ما يلائم استمرار إرثها، وما هو ليس ضرورياً؟

ختاما، لابد أن نقول إن كتابة الرواية في عالمنا اليوم تحولت إلى صنعة، إبداع يقترب من الواقع ويحاول تجسيده وتوثيق ما يحدث.

يضم الكتاب ستة حوارات وعشر شهادات لروائيين إسبان، في محاولة لإعطاء إضاءة وافية عن المشهد الروائي الإسباني والقضايا التي يتناولها وتطور أدواته، وكيف ينظر الروائي الإسباني إلى الأدب العربي؟ وما هي أسباب ضعف الترجمات الإسبانية للأعمال العربية؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*نشر في موقع صحيفة (الصباح) الليبية، بتاريخ 19/9/2024م

https://alsabaah.ly/%d9%84%d9%87%d8%b0%d8%a7-%d9%86%d9%83%d8%aa%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d9%88%d8%a7%d9%8a%d8%a7%d8%aa/?fbclid=IwY2xjawFaOLVleHRuA2FlbQIxMQABHVNijXVV9KdxEDpQPdhyP-9fK2IOmMph1mQx6cvXLrO3e8uKBYrZrUI6Pw_aem_38KlaSmwJcb_hBmkdDvDlA



الخميس، 29 أغسطس 2024

فحوصات ثقافية، الصور والكلمات، محسن الرملي

 

فُحوصات ثقافية

الصُوَر والكلمات.. يَداً بيد 

بقلم: الدكتور محسن الرملي

ها نحن نُنهي عطلتنا الصيفية، بحصيلة من مئات الصور التي التقطناها، والتي سنضيفها إلى أرشيفنا الشخصي، المُتخم بآلاف الصور أصلاً. ولو سألت: لماذا كل هذا؟ سيأتيك الجواب سريعاً كبديهة: من أجل الذكريات، أو لأغراض التوثيق، أو الفن أو لمشاركة الآخرين، أقرباء وأصدقاء ووسائل تواصل... لا بأس، فذاكراتنا فعلاً، لم تعُد تتسع لكل هذا الكم المهول من المشاهِد والمعلومات والذكريات والتفاصيل، التي تهطل علينا على مدار الساعة، فصرنا بحاجة للمزيد من ذاكرات الأجهزة الإلكترونية لحفظها.

يُقر الجميع بأننا نعيش في عصر الصورة، وأصبح التصوير هو أكثر "الفنون" التي يستهلكها وينتجها الناس يومياً، مما قاد إلى كسر حواجز شروط التصوير الفنيّة التقليدية، ولم تعُد جودة الكاميرات فارِقة كثيراً، كما في السابق، فما أكثر اللقطات العفوية بهواتف عادية، التي حازت على شُهرة أو جوائز دولية.

إن قضية طغيان الصور في حياتنا اليوم، تحتاج إلى المزيد من الوقوف عندها وتأملها. وفيما يتعلق بي ككاتب، أداة اشتغاله الأساسية، هي الكلمات. أعترف بانتصار الصور على الكلمات، ولكن يعز عليّ الإقرار بالهزيمة.. ففي الوقت الذي تتفق فيه الغالبية، على أن الصورة الواحدة تعادل ألف كلمة، ويزداد استخدامها، بشكل تسونامي، في الإعلام والإعلان، لأن تأثيرها أسرع ومباشر، على مختلف مستويات التلقي، لا فرق بين مُتعلّم وأُمي. أشك بقدرة صورة فوتوغرافية على التعويض أو التعبير عما في صورة شعرية مصنوعة من كلمات، وتحضرني بعض الأبيات، نموذجاً، كقول المتنبي: "أَنا الَّذي نَظَرَ الأَعمى إِلى أَدَبي وَأَسمَعَت كَلِماتي مَن بِهِ صَمَمُ"، وامرؤ القيس: "مُكِر مُفِر مُقبل مُدبر معاً، كجلمود صخر حطه السيل من عَلِ"، والبحتري: "فحاوَلن كتمان الترحُل في الدجى، فنمّ بهن المسكُ حين تضوعا"، وأبو تمام: "السيفُ أصدقُ إنباءً من الكتبِ، في حدّه، الحدُّ بين الجدِّ واللعبِ"، وتميم بن مقبل: "ما أطيبَ العيشَ لو أن الفتى حجرٌ"، والهذلي: "هجرتك حتّى قيل لا يعرف الهوى وزرتك حتّى قيل ليس له صبرُ"، والسياب: "عيناك غابتا نخيل ساعة السحر. عيناك حين تبسمان تورق الكروم".

إن بضع كلمات، أو حتى كلمة واحدة، قادرة على تحريك وقلب معنى الصورة تماماً، مثلاً: صورة لجثة مضرجة بالدماء، سيختلف النظر إليها، لو أرفقناها بكلمة، مثل: جريمة، حُب، انتحار، قصاص، غدر، إعدام، تضحية. وصورة طفل يركض باكياً، لو أرفقناها بكلمة، مثل: حرب، فوز، ضياع، جوع، شوق، يُتم، عودة، فَرح. إن الكلمة تستحث التخيّل وتنشطه، فتجعل متلقيها مُشاركاً، فيما تُقيّد الصورة الخيال، فلا غرابة في رفض ماركيز تحويل روايته (مئة عام من العزلة) إلى فلم.

ومن جهة أخرى، بالنسبة لي ككاتب، صارت الكاميرا رفيقاً لدفتر الملاحظات، الذي اعتدتُ حمله، في الحل والترحال، لأن الصور تُعينني في القبض على التفاصيل، وتُشكّل رافداً إضافياً إلى مصادري في جمع المواد الأولية للنص. ألجأ إلى التصوير، حين لا أتمكن من التدوين، أو عندما أذهب قصداً إلى أماكن ستكون جزءاً من نص، إضافة إلى اللقطات اليومية... ومن خلال أرشيف الصور، أستعيد، أثناء الكتابة، ملامح المناخات والأحداث والشخصيات والتفاصيل، مما سيسهل عليّ وصفها أدبياً. الكتابة ذاكرة والتصوير ذاكرة أيضاً، وعلى هذا النحو يُثري التصوير كثيراً ذاكرة الكتابة، وتُثري الكتابة معاني الصُور وتأويلاتها، ويُستَحسن أن يسيرا يداً بيد.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*نشرت في مجلة (الناشر الأسبوعي)، العدد 71 سبتمبر 2024م

https://xsi.sibf.com/content/uploads/publisherweekly/pdf/2_5668a793963447aa932184b3db24bb.pdf

فحوصات ثقافية/النشر والقراءة في الصيف/ محسن الرملي

 

فُحوصات ثقافية

النشر والقراءة في الصيف 

بقلم: الدكتور محسن الرملي

لا شك أن القراءة والحث عليها يُفترض بهما أن يكونا بشكل دائم، أو حتى يومي، ولكن لا بأس أيضاً في أن ينتهز صُناع الكِتاب أية مناسبة أو حِجة للترويج لبضاعتهم، حالهم في ذلك كحال بقية صُناع البضائع الأخرى، وفي الأوقات التي تغيب فيها المناسبات والحِجج، يقومون باختراعها، وهذا أمر مشروع وعملي.. بل وضروري، خاصة وأن صناعة الكتاب الورقي الآن تواجه التحديات الكثيرة، التي نعرفها، وأبرزها هيمنة الشاشات، وهكذا صارت معارض الكتب والجوائز واحتفاليات التقديم والإعلانات وغيرها؛ كجزء راسخ من التقاليد الثقافية. وفي الصيف، حيث عطلة الجامعات والمدارس وغالبية المؤسسات والدوائر وحيث السَفر، نجد بأنهم قد تمكنوا، في الغرب، من تكوين تقليد ما يُعرف بقراءات الصيف، حتى أصبحت الكتب من الأشياء الأساسية التي يندر أن تخلو منها حقيبة سفر، وأن الناس الذين لا يجدون وقتاً، بحكم انشغالاتهم بقية العام، قد اعتادوا أن يقتنوا الكتب التي تهمهم، بِنيّة قراءتها في العطلة.. ويَفعلون.

وفي الملاحق الثقافية والبرامج الإذاعية والتلفزيونية ومواقع الإنترنيت نجد مساحة لهذا الأمر، وسؤال يتكرر في المقابلات الصحفية، عما تنوي قراءته في العطلة، ولماذا؟ أو عما قرأته في العطلة، وكيف وجدته، ورأيك به؟ أو عن أفضل الكتب التي قرأتها في عطلتك؟ وما إلى ذلك، سواء أكان الشخص كاتباً أو فناناً أو سياسياً أو شخصية معروفة أو شخصاً عادياً، ودور النشر تراقب كل ذلك وتهتم به وتدرسه بحيث تتمكن من استطلاع المِزاج العام وتوجه اهتمام الناس في القراءة، لكي تعتمده ضمن خطتها للنشر في الربع الأخير من العام، فعادة ما يقوم الناشرون بطرح دفعتين من إصداراتهم سنوياً، الأولى في الشهر الثالث والثانية في الشهر التاسع، ولقراءات الصيف تُصدِر طبعات خاصة، من تلك التي وجدت رواجاً، طبعات بالقطع الصغير أو ما يعرف بطبعة (جيب) كي يسهل حملها، وعادة ما تكون أنيقة وبسيطة من حيث نوعية الورق والغلاف وأقل ثمناً.

أرى أن علينا، نحن أيضاً، الاستفادة من هذه الظاهرة؟ أن نحاول العمل عليها تدريجياً ونُروج لها بالتعاون بين الكُتاب والصحفيين ودور النشر والمؤسسات الثقافية والتربوية.. كي نؤسس لهذا السلوك الجميل والمُجدي والمهم، حتى يتحول إلى تقليد عام لدى الجميع، ويصبح مكان الكِتاب محجوزاً ومضموناً في حقائب عطلتنا، بدل أكياس الكرزات وصُرر الطعام والنعل والمنشفة ومجفف الشعر وما إلى ذلك من أشياء متوفرة في كل مكان، بل ومجاناً، في الفنادق السياحية أو ضمن سعر الحجز نفسه. أعرف بعض الأصدقاء، من مثقفينا، ممن عَوّدوا أنفسهم على قراءات الصيف وبرمجتها بشكل مُسبق، ولكن الطموح أو الحلم؛ أن تتحول هذه الظاهرة إلى سلوك عام، وتقليد راسخ عند كل الناس... فلنبدأ بأنفسنا وأهلنا وبقية الأصدقاء والمعارف، ولنعمل على تكرار الحديث عنها إلى أن تجد مساحتها الثابتة والمُلفتة في وسائل إعلامنا، كما سبق وأن فعلنا بترويجنا لمسلسلات وبرامج مناسبة شهر رمضان، حتى تحوّلت إلى تقليد مهيمِن خلال الأعوام القليلة الماضية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*نشرت في مجلة (الناشر الأسبوعي)، العدد 70 أغسطس 2024م

https://xsi.sibf.com/content/uploads/publisherweekly/pdf/2_4ce4db6682e54a2a935caad8dae759.pdf

الاثنين، 15 يوليو 2024

فحوصات ثقافية، الكُتاب والشأن العام، محسن الرملي

 

فُحوصات ثقافية

الكُتّاب وقضايا الشأن العام

 

بقلم: الدكتور محسن الرملي

عُقِد مؤخراً في مدريد، المؤتمر الثالث للكُتاب الإيبيروأمريكيين، الذي جمع عشرات الأدباء من إسبانيا وأمريكا اللاتينية، وخصص محوره لهذا العام، حول سؤال: هل ينبغي أن يكون للكتّاب والفنانين دور فاعل في شؤون الحياة العامة، وعدم الاكتفاء بالتركيز على إبداع أعمالهم؟ وهذا، بالطبع، من الأسئلة القديمة المتجددة، فكلنا يعرف النقاشات التي دارت بضراوة طوال القرن العشرين، حول مفاهيم الأدب الملتزم والفن للفن أم للمجتمع والمثقف العضوي، لذا؛ تمت إعادة الطرح، مع الإشارة إلى (في القرن الحادي والعشرين)، فحسب المنظمين، لأننا نعيش في عصر يشهد توترات كثيرة، ومن المهم مراجعة وتحليل الدور الذي يلعبه الكُتاب والفنانون، والاستماع إلى آرائهم حول طبيعة مواقفهم حيال القضايا التي تهم الرأي العام، والتي تُسائلنا وتهزنا يوماً بعد يوم. فهذا زمن يشهد تراجعاً للعقلانية والاحترام، لذلك يتوقع الكثير من الناس أصواتاً قوية وهادئة، يثق بها، لمواجهة زمن متشنّج يقوَّض فيه التعايش، ويتحدث فيه الجميع ويثرثرون، بعِلم أو بغير عِلم، عن التوترات والمخاوف في العالم، حيث: تتزايد التصدعات في الديمقراطية، والتعدي على الحريات، ويتعمق الاستقطاب في المجتمعات حول كل أنواع القضايا، ولا تبدو أغلب الطبقات السياسية ملائمة تماماً لهذه الأوقات والظروف، وتتقدم الشعبويات في شتى الميادين، وصار التلاعب بمفاهيم الأخلاق مُتاحاً، ويتصاعد العنف والفساد والإفلات من العقاب، فيما حركات كالتي تدعو للمساواة والتحرر والنسوية والبيئة وغيرها، تُقدم قراءات مختلفة، تبدو غير قابلة للتطبيق أو التوفيق أو حتى الإقناع للكثيرين، وتهطل الأخبار المفبركة والكاذبة بشراسة، على جمهور عاجز عن تقصي الحقائق ومقارنتها بشكل صحيح، أو قد لا يهتم بالاطلاع عليها، وتنامي هيمنة الطروحات الأحادية التي تهمش، أو حتى تلغي، أصحاب الأفكار المعارِضة، وتخلي المزيد من الصحفيين عن الحياد المهني لأجل مكاسب آنية، وتفقد وسائل الإعلام مصداقيتها بتسارع، بينما ينشط الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي في إشاعة البلبلة وتأجيج التعصّب والتطرف.

وأمام كل ذلك، هل ينبغي على المبدعين أن يكونوا مواكبين ومعلقين أو حاضرين ومشاركين؟ وإذا كان الأمر كذلك، فكيف يُفتَرض أن يكون، ولماذا؟ ما هي جدوى ذلك، وما هي مخاطره؟ إلى أي حد يمكن دفع ثمن المواقف؟ من هم الكُتاب الذين يمكن الثقة بمواقفهم؟ وما هي الكتب التي على المثقفين أن ينصحوا بقراءتها لتُنير للمتلقين أبعاد قضايا معينة؟

يميل البعض إلى توقع أن يمارس المبدعون دوراً معيناً، باعتبارهم طليعة واعية وحساسة وقدوة مؤثرة لجماهير، صوت للناس، تُثير آراؤهم وتحليلاتهم الاهتمام، لأنها تمر مسبقاً بتأملات ومعرفة، حتى وإن لم يكونوا متخصصين في بعض المواضيع، فقد فكروا فيها، كمواطنين وكإنسانيين ينحازون مبدئياً إلى قيم الخير والحق والسلام والجمال. فيما يرى البعض الآخر، بأنهم ليسوا ملزمين بالمشاركة في مناقشات القضايا العامة؛ وأن دورهم الأهم وواجبهم الرئيسي، هو التركيز على إنجاز أعمالهم الإبداعية.

وفي كل الأحوال، أرى بأن علينا أن نحذو حذو زملائنا الكتاب الإسبان واللاتينيين، بإعادة طرح ومناقشة هذا السؤال وتفرعاته، على الصعيد الفردي والجماعي، فلدينا الكثير من القضايا المتراكمة المعقَّدة والمشتعلة النازفة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*نشرت في مجلة (الناشر الأسبوعي) العدد 69 يوليو 2024م

https://xsi.sibf.com/content/uploads/publisherweekly/pdf/2_8e71f84be7fe448aba161006276f4d.pdf

محسن الرملي /صحيفة العرب/ مجلة ايكونوميست/ محمد الحمامصي

محسن الرملي لـ "العرب":

الأدب شاهد على العصر، لا مجرد خيال للتسلية

مجلة "ايكونوميست" البريطانية:

"حدائق الرئيس" رواية لفهم حضارة العراق ونكبته 

محمد الحمامصي

ليس الأدب مجرد ترفيه أو اشتغالات جمالية بعيدة عن الواقع يقوم بها كتّاب منعزلون في ذواتهم، الأدب في جوهره اشتباك مع الواقع الإنساني، لا بمعنى أنه واقعي بالضرورة ولكن بمعنى أن رهانه في النهاية هو الإنسان والحياة. كما يمكن للأدب أن يكون أداة توثيق وتأريخ، وهذا ما يؤمن به الكاتب العراقي محسن الرملي، الذي كان لـ“العرب” معه هذا الحوار.

عبر الروائي العراقي محسن الرملي عن غبطته باختيار روايته "حدائق الرئيس" من بين خمسة كتب اختارتها مجلة "ايكونوميست" البريطانية، لتقترحها على القراء لفهم تاريخ العراق الحديث ومهد الحضارة الإنسانية.

ويقول الرملي الذي يعد من جيل روائيين عراقيين صنعوا ذائقة مختلفة في كتابة النص الروائي "لقد سرني كثيراً هذا التقييم المهم من مجلة عريقة كهذه، وخاصة أنه يتعلق برواية (حدائق الرئيس)، التي أعتبرها صوتاً للضحايا في بلدي، أكثر مما فيها من صوتي الخاص، كما في بقية أعمالي، وصورة لما حدث على مدى أكثر من نصف قرن". 

احتفاء بالرواية

يعتبر الروائي العراقي في حوار خاص مع "العرب"، هذا التقييم ينسجم تماماً بما يعتقده؛ من أن "الأدب أصدق من كُتب التاريخ الرسمية في التعريف بالتاريخ الإنساني الخاص بالناس، بتفاصيل ظروفهم وعلاقاتهم وهمومهم وحياتهم".

ويضيف: "سبق للعديد من الكُتاب والمثقفين والدارسين والقراء العراقيين، أن دعوا إلى اعتماد هذه الرواية ضمن سياقات التعليم ومراجِعه في المدارس والجامعات، وبالطبع، لم تلتفت الحكومات العراقية المتعاقبة، لأمور كهذه، فهي منشغلة بالمحاصصة والفساد والنهب، أكثر من انشغالها بالتأسيس والبناء والتعليم وترميم الذاكرة، لتجنيب الأجيال القادمة تكرار معاناة ومأساة الأجيال السابقة".

ويقول الرملي المتخصص بالأدب الإسباني ويقيم في مدريد منذ سنوات عديدة، ويمارس التدريس في جامعاتها "انطلقتُ في كتابة هذا العمل من حدث واقعي، هز كياني بعمق وعصف بي حُزناً، وهو مقتل تسعة من أقربائي وأصدقائي، في مطلع رمضان 2006، حيث أُلقيت رؤوسهم المقطوعة على حافة الشارع العام وسط القرية، ولم يظهر خبر ذلك في أية وسيلة إعلامية، وكأن شيئاً لم يكن، فشرعتُ في تدوينه أنا لكيلا يطوي النسيان المظلومين على هذا النحو المجاني.. ثم بذلتُ جهداً كبيراً في البحث والتقصي ونزيف المشاعر، لإعادة ترميم الحدث وما قبله وما بعده، ومن خلال ذلك رسم صورة بانورامية لما حدث في العراق عموماً. لذا؛ فإن اعتبار هذا العمل مرجعاً لفهم تاريخ العراق الحديث، يُعَد مكافأة حقيقية لما بُذِل فيه من جهد، فقد كان هذا أحد الأهداف الرئيسية من كتابته".

وحظيت رواية "حدائق الرئيس" بالاهتمام الكبير من قبل النقاد والقراء والصحافة الثقافية والترجمات، منذ صدورها وإلى اليوم. ترشحت للقائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية سنة 2013، ونالت ترجمتها الإنكليزية التي أنجزها لوك ليفغرين جائزة القلم الدولي2016، وجائزة سيف غباش بانيبال 2018، وصدرت في ثلاث طبعات إنكليزية، في لندن وأمريكا وأستراليا، حيث وصفتها صحيفة "فاينانشال تايمز": بأنها رواية ترصد تحولات التاريخ، مخلفات الدكتاتورية الدموية والغزو والاحتلال. تُذكر بأجواء القرية الصغيرة الغرائبية في (مئة عام من العزلة). إنها صادمة وساحرة.

وكتبت عنها صحيفة "الغارديان": رغم جذورها المحلية، إلا أن مواضيعها عالمية أيضاً. وهي بحث عميق في الحب والموت والظلم، وتأكيد لأهمية الكرامة والصداقة ومعنى الحياة وسط القمع. أحداث الرواية مأساوية بلا شك، ولكن لمسات الفكاهة فيها تجعل من قراءتها متعة كبيرة. تنقُل الشخصيات، من خلال المناظر الطبيعية الجميلة في البلاد والحروب الرهيبة التي عاشتها، إحساساً واضحاً بمعاناة الأمة العراقية، مع ازدراء دائم للنزعات الاقصائية والدعائية. أما القرية، فيصورها الكاتب بشكل مكثف، كما وصف ماركيز قريته ماكوندو وشخصياتها، بشكل رائع. حبكة الرواية حاذقة ومحنكة، ذات أحداث متنوعة، ومليئة بكشف الأسرار. إن سقوط بغداد الفوضوي على يد الأميركيين، والواقعية المهلوسة، التي رسمت بتفاصيل رمزية، تذكرنا بغروسمان، وينحى الأسلوب أحياناً، للتشبه بتولستوي، في تركيزه على التفاعل بين الشخصيات خلال تدفق نهر الزمن "الذي يمر من بينهم وحولهم"، وفي إحساسه بالحياة الفردية وعلاقتها بالمجتمع... محسن الرملي من نجوم الأدب العربي المعاصر.

وتُرجمت رواية "حدائق الرئيس" إلى لغات أخرى كالإسبانية والإيطالية والبرتغالية والكردية، وكُتبت عنها الكثير من المقالات والدراسات الأكاديمية ورسائل الماجستير وأطروحات الدكتوراه. وبعد نفاد الطبعة الأولى للترجمة الإسبانية سنة 2018، صدرت مؤخراً الطبعة الثانية بصيغة القطع الصغير/ طبعة الجيب واسعة الانتشار، عن دار آليانثا العريقة، وتوزيعها في البلدان الناطقة بالإسبانية، وقُدمت في منابر وأنشطة عديدة كمعارض الكتب في مدريد والمكسيك، وكتبت عنها كبريات الصحف الناطقة بالإسبانية، كالباييس التي خصصت صفحتها الأخيرة لحوار مع المؤلف، وفي مجلات ثقافية وأكاديمية محكمة، وأجريت لقاءات تلفزيونية، ونُوقشت في العديد من أندية القراءة في إسبانيا والمكسيك والأرجنتين وغيرها.

وصفتها صحيفة "الباييس" بأنها: رواية كرسها مؤلفها لشعبه، لسرد تاريخه الحديث تحت القبضة الحديدية للديكتاتور. ومن مفارقات الأدب والحياة، أن حدائق الرئيس تلك، المتعفنة بالموت، تفوح منها رائحة جماليات سرد "مئة عام من العزلة"، التي كانت السبب في شغف الرملي باللغة الإسبانية. فيما قالت صحيفة "آ بي ثي": يصور الرملي في "حدائق الرئيس"، المتأثرة براوية أمريكا اللاتينية عن الديكتاتورية، تاريخ عراق يقوده طاغية دون أن يسميه، كناية عن أي دكتاتور آخر، كالزعيم الليبي أو "بطريرك" ماركيز، ولكن من خلال حياة البسطاء الذين عانوا الديكتاتورية والحروب والحصار.

واعتبرتها جريدة "دياريو باسكو" رواية فهرس للتعذيب في تاريخ العراق تحت الدكتاتورية. إنها تحقيق دقيق وبالغ الجدية. كتالوج العذاب الذي يُعطي فكرة قوية عن تاريخ ذلك البلد، وقد تم تدوينه، على أفضل نحو، من قبل مؤلف خبير به كما ينبغي. وتطابقت وجهة نظر صحيفة "20مينوتوس" الإسبانية مع صحيفة "ايكونوميست" البريطانية، بالقول عن هذه الرواية: إنها تاريخ أدبي لبلاد كاتبها، في ظل ذلك الطاغية الذي لا يَرحم. تبدو خيالية، لكن أغلبها يستند إلى واقع وشخصيات حقيقية.

هذا عدا ما كتب وقيل عنها عربياً من قبل كبار النقاد والكتاب العرب، وهكذا فإن هذا التقييم العالي من قِبل مجلة "إيكونوميست" الأسبوعية المقروءة عالمياً ويثق بها الملايين، يُعَد بمثابة تتويج لكل ذلك. وعبر الرملي الذي صدرت له أكثر من عشرين كتاباً بين النصوص القصصية والروائية والمسرحية والشعرية والدراسات والترجمات باللغتين العربية والإسبانية، عن اعتقاده بأن خيار المجلة المرموقة قد أنصفَ روايته بتصنيفها كمصدر ومرجع أساسي، من بين خمسة كتب أخرى، لفهم ما حدث في العراق ومازالت تبعاته قائمة حتى الآن. 

أهمية الأدب

يقول الرملي: "لقد سرني أيضاً أن يكون هذا التنويه القيّم لأعمال هي أدبية فنية، واعتبار المجلة الأعمال الأدبية مصدراً ومرجعاً لفهم أحداث وتاريخ وحاضر واقعي، فهذا يُعلي من شأن وقيمة الأدب والفنون والأعمال الأدبية، وخاصة الروايات، وأهميتها، والتي مازال البعض يعتبرها مجرد خيال للتسلية، ويستخف بها قراءة وكتابة، بينما هي في حقيقتها وثائقاً يشهد من خلالها الكاتب على عصره، وصورة للإنسان تعينه كثيراً على فهم ذاته وفهم محيطه بظروفه وناسه وزمانه ومكانه."

ومهدت مجلة "إيكونوميست" في اختيارها للكتب الخمس بالقول: العراق وريث لتراث ثقافي عظيم. بلاد ما بين النهرين، الأرض الواقعة بين نهري دجلة والفرات، هي المكان الذي ظهرت فيه المدن الأولى منذ حوالي 5000 عام، ولهذا السبب يُنظر إلى العراق المعاصر على أنه "مهد الحضارة".

وفضّلت المجلة أن تختار ثلاث روايات من الكتب الخمس التي عدتها مهمة لفهم ما حدث في العراق، وهي "حدائق الرئيس" لمحسن الرملي، التي تتناول قرابة نصف قرن حافل بالعنف من تاريخ العراق، و"وحدها شجرة الرمان" لسنان أنطون، التي تدور أغلب أحداثها في مغسلة للجثث، و"فرانكنشتاين في بغداد" لأحمد سعداوي، التي تصنع شخصية فريدة من أشلاء الجثث التي سببتها الانفجارات، فضلا عن كتابين آخرين، هما: "بغداد: مدينة السلام، مدينة الدم" لجوستين ماروزي و"الحرب بدأت: كيف أخذت إدارة بوش أمريكا إلى العراق" لروبرت دريبر.

ويعلق الرملي على ذلك: "شيء رائع أن يتم هذا التعامل الجاد مع روايتي وروايتين لصديقين عزيزين، حيث أنتج الكُتاب العراقيين في العقدين الأخيرين أعمالاً روائية كثيرة ممتازة وناجحة. وهناك العشرات من الروايات العراقية التي تستحق الترجمة والتعريف بها عربياً وعالمياً، لأنها تشهد بحق على ما حدث في هذا البلد، وعلى نضج الإنتاج الروائي الفني العراقي، وآمل أن تنويهات، كهذه التي قامت بها مجلة "إيكونوميست"، تفتح الطريق، بشكل ما، لمزيد من الانتباه والترجمة والاهتمام بالأدب العراقي عموماً".

وعزت المجلة خيارها للروايات الثلاث؛ لأنها مليئة بالجثث، وهي نتيجة لما شهده العراق من حياة دموية بعد احتلاله من قبل القوات الأمريكية والحرب الطائفية التي أدارتها الميليشيات المدعومة من إيران.

وقدمت مجلة "إيكونوميست" لرواية "حدائق الرئيس" بالقول: عندما لاحظ إسماعيل، وهو راعي ماشية، تسعة صناديق موز على جانب الطريق، في اليوم الثالث من رمضان عام 2006، أصيب بالحيرة. وبسبب الحظر الذي فرضته الأمم المتحدة بعد غزو العراق للكويت عام 1990، كان من النادر أن يُشاهَد الموز في العراق. ولكن الصناديق لا تحتوي على الموز. كل واحد منها يحمل رأس إنسان.

يذكر أن أحداث رواية «حدائق الرئيس» تقع على ساحات القتال الملوثة بالأسلحة المشعة خلال حرب الخليج، وفي رماد ثورة مخنوقة في مهدها. وتحكي قصة أحد هؤلاء العراقيين المقتولين، إبراهيم «قسمة»، وصداقته مع رجلين آخرين: طارق «المندهش» وعبد الله المعروف بـ «كافكا» نسبة إلى «الكآبة» "والحزن المتجذر في عينيه". يكبر الرجال الثلاثة معًا، لكن حياتهم تتباعد. تم تجنيد عبد الله وإبراهيم للقتال في الحرب العراقية الإيرانية في الفترة من 1980 إلى 1988؛ يبقى طارق في المنزل ويصبح زعيمًا دينيًا. عندما يترك إبراهيم القوات المسلحة، يجد عملاً في حدائق الرئيس الذي لم يُذكر اسمه، حيث يلتقي بزعيم متقلب وقاسٍ في الوقت نفسه. ويقرر إبراهيم مخالفة نظامه خِفية، مما يؤدي هذا إلى قطع رأسه في النهاية، ولم شمل أصدقائه في حزنهم... كيف اكتسب هذا الرجل الصالح والمتواضع عداوة الكثيرين؟ ماذا فعل ليستحق مثل هذا الموت؟

تكمن الإجابة في عرض صداقته الحقيقية الدائمة مع عبد الله كافكا وطارق المندهش، ولكل منهما قصصه الرائعة التي يرويها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*نُشرت في صحيفة (العرب)، السنة 47 العدد 13182 بتاريخ 8/7/2024م لندن

https://alarab.co.uk/sites/default/files/2024-07/12_6.pdf 

https://alarab.co.uk/%D9%85%D8%AD%D8%B3%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%85%D9%84%D9%8A-%D9%84%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AF%D8%A8-%D8%B4%D8%A7%D9%87%D8%AF-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B5%D8%B1-%D9%84%D8%A7-%D9%85%D8%AC%D8%B1%D8%AF-%D8%AE%D9%8A%D8%A7%D9%84-%D9%84%D9%84%D8%AA%D8%B3%D9%84%D9%8A%D8%A9

الجمعة، 28 يونيو 2024

صوت المرأة العراقية في قصة الرملي/ د ثامر الزبيدي

 

تمكين صوت المرأة العراقية وثورتها

في قصة "قتلتها لأني أحبها" للكاتب العراقي محسن الرملي 


https://ojs.diaalfekr.com/index.php/sjlb/article/view/55/67?fbclid=IwZXh0bgNhZW0CMTEAAR27E73NjmrIiQGNMubBJHKZcbFQWHZeSXGntbyGwvP9pJnZhGPw5ovEJS4_aem_elIRTcsHCJp1a3-WU_fO4g

أ.م.د. ثامر الزبيدي

شارك الدكتور ثامر راشد الزبيدي في مؤتمر بيروت العلمي الدولي الثاني للعلوم الانسانية والصرفة 2024، بورقة بحثية عنوانها (تمكين صوت المرأة العراقية وثورتها في قصة "قتلتها لأني أحبها" للكاتب العراقي محسن الرملي)، وقد كانت باللغة الإنكليزية

Emporring Iraqi Woman’s Voice and Revolt in Muhsin Al-Ramli’s story I Killed her Because I Loved her

وقد حظيت ورقته بالاهتمام والنقاش لما كشفت عنه من دلالات عميقة، ثم تم نشر البحث لاحقاً في مجلة (ضياء الفكر للبحوث والدراسات).

يذكر أن أ.م.د. ثامر راشد الزبيدي يعمل حالياً في جامعة واسط في العراق، قسم اللغة الانكليزية في كلية التربية للعلوم الإنسانية. 

رابط البحث

https://ojs.diaalfekr.com/index.php/sjlb/article/view/55/67?fbclid=IwZXh0bgNhZW0CMTEAAR27E73NjmrIiQGNMubBJHKZcbFQWHZeSXGntbyGwvP9pJnZhGPw5ovEJS4_aem_elIRTcsHCJp1a3-WU_fO4g 

الدكتور ثامر الزبيدي والدكتور محسن الرملي

أمام تمثال الشاعر الإسباني لوركا، في مدريد 2019م

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لقطات صور وفيديو من تقديم البحث في المؤتمر