السبت، 1 فبراير 2025

مراجعات لروايات الرملي / رسل حكمت

 

قراءة في روايات محسن الرملي

هذه مراجعتي لبعض من روايات القلم العراقي المبدع الأستاذ محسن الرملي؛ (حدائق الرئيس) و(بنت دجلة) و(تمر الأصابع)... نوع القراءة: ورقية (كتاب من مكتبتي). 

رسل حكمت بهجت

حدائق الرئيس.. رواية وجع شعب

رواية حين تقرأ سطورها يصغر الكون في أحداقكَ ويتعاظم الالمُ في جوفكَ... تبدأ سطورها برؤوس مقطوعة تُعاد الى ذويها في صناديق الموز تلك الرؤوس ليست ارقام في عداد الموتى في بلد أرتوتْ أرضه من دماء أبناءه أنما هي سجلٌ حافلٌ وتاريخٌ زاخرٌ بالذكريات يجسد أهوال الدهر التي تنصب تباعا على رأس العراقي المنكوب في بلد مسلوب لا تغادره الويلات.. هي سجل لعراقي ترافقه الاوجاع منذ لحظة إبصاره لنور الحياة الدنيا مع أول صرخة يطلقها في الفضاء الرحب الخانق...
يا لهذا التناقض فضاء رحب خانق!!!!

يصير خانقاً لا يتسع لصرخة طفل عراقي لحظة ولادته لأنه فضاء ملوث بالأكاذيب والشعارات الزائفة كلٌ يغني على ليلاه تاركاً الوجع يجوب مسافرا بلا تأشيرة في داخل الروح العراقية
إبراهيم الذي يعد المفتاح الأول للرواية يُعاد إلى أهله رأس بلا جسد كأن العراق فيه تجسد
طفولة بسيطة، شباب مرهق، سرقت الحرب فرحة الشباب وزهوه بآهاتها، ساق وحيدة يستند بخطواته على طرف صناعية، زوجة تصارع المرض وينتصر عليها، بنت وحيدة بعيدة كل البعد عنه....
عمل مع ساق واحدة وطرف صناعي لم يختره يوماً، أجبر عليه ليكون كاتم سر يحاول عبثاً أن يتعايش مع ذلك الوضع ويتجرع مرارته...

رواية تحكي وتسرد وجع شعب.. الحب والحرب له متلازمان، كأنهما خلقا من رحمٍ واحدة. قسوة وجبروت النظام الحاكم، حنان وطيبة تملأ أبناء ذلك البلد. فقر مدقع، حصار، قهر، مرض وجوع وموت يحيط الشعب من جوانب الحياة جميعا، يقابل ذلك ترف يعيشه الرئيس الذي لا يحب إلا نفسه... وفي ذروة تلك المعاناة هنالك، خلف قضبان السجون وظلمة وقسوة التعذيب، تجد من يقلد الأمم المتحدة سلاما لأرض العراق، لأرضٍ ما عرفت يوما معنى السلام وما رأت يوما سلام...

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 


بنت دجلة.. في بلد يأكل أبنائه

قرَّرَتْ أن تأكل العراق الذي يأكل أبناءه، أكل والدها وزوجها وطفولتها ومستقبلها، أكل كل أحلامها. بحثت عن طريقة حين أجادت البحث نالت طريق شائك محفوف بالمخاطر، غامرت ولم تخش تجربته، لكنها لم تكن على يقين بأن الأحلام كلها رهن الاعتقال والتلاشي، في بلد يأكل أبنائه أيصعب عليه أن يأكل أحلام وطموحات زائفة ؟!!!!

لم تدرِ أن ذاك الهوس الذي اجتاح روحها عند رؤية رأس أبيها في صندوق الموز، في بلد لا تُنبت أرضه موزا، وهو أن تتخذ من وطنٍ علَفا لحلم جديد تصاعد الحلم وبلغ منتهاه، وهي ترى عشرات الجثث المغدورة في مشوار بحثها عن جثة أبيها مقطوعة الساق، تلك الجثة التي سرقت الحرب ساقها، ليأتي الغدر ويسرق منها رأسها، فالعراق في أبراهيم تجسد... كلُّ يأتي ليقطع منه ما يرغب ويشتهي،
وها هي قسمة حاولت ساعية أن تنال بعضٌ من انتقامها من أجل روحها المنكسرة ولوالدها الذي أرتضى بكل ما جرى بقوله (قسمة ونصيب).

حملت روح المجازفة، وكانت على يقين أن النوارس ستبكي يوما على ضفاف شواطئ دجلة، وضحك للمقابر التي يقطنها العشرات من الأشخاص يوميا لمعلومي الهوية، وأخرى لا يُعرف من أين جاءت ولمن تعود؟

كانت تستشعر في كل لحظة ذاك الخطر الخفي الذي يتربص بالجميع، كظلٍ لا يزول، ليأتي صباح على قرية، فيكون صباحها مشرقا وهي ضاحكة ًوأخرى باكية، وكلاها على نهر دجلة، ليسجل كل شيء في بلدي، ويقيد بحق مجهول لا أكثر.

وها هي بنت دجلة (قسمة)، كأمها بغداد، صارعت لتبقى، لكن الأنجاس تأبى بقاءها، لتبقى الخرافات مع اختفاء الأحلام هي الشيء الوحيد الذي يُصدق ويُقدس، حيث لا يُحسب حساب إلا للأكاذيب، ولا يقدس سوى الحيلة، أما الدم العراقي فهو الشيء الأكثر بخسا، لا يساوي إلا بضع دراهم معدودة...

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

تمر الأصابع.. روح تنشطر

تناقضٌ خطير.. روح تنشطرُ إلى نصفين كلاهما نقيض للآخر، وآهات شظاياها عالقة في الأذهان تأبى الزوال. شطران للروح يتصارعان.. أحدهما تواقٌ للسلام والآخر يبحث بين أكوام الأصفاد عن بريق للحرية، لنيل ما تبقى من كلمة الحرية، من أجل قَسم، لا تبرح تلك الروح حتى تفي به،
بعد ذاك الهروب المحتوم من قدر غريب وواقع مشؤوم، بعد أن عجز سليم عن التنفس واستنشاق هواء ملوث، بعد تعفن جثث أقاربه داخل القرية... هروب يترك خلفه أحلام طفولته التي جعلت منه شاعراً، بعد أن غرق في حب عميق، امتدت جذوره بعيداً، حيث تلك العيون الصغيرة انغرس بريقها عميقاً في جوف الفؤاد... وما كان للحلم الطفولي بقية، حيث كان النهر أكثر قربا، نهر يفيض خيرا، يصير في لحظة؛ السارق الأكبر لجميل الأمنيات... سفر بعيد وليل غربة تطول ساعاته
لتبزغ في فجر إحدى لياليه... لقاء غير متوقع، تنجرف الروح مع ذاك اللقاء، لتوضيح عقدة ان يتحول الشخص إلى فاعل ما لا يطيق ولا يرغب، فيترك الخلاف فجوة بين الأيادي التي لوَّحت مرارا وتكرار لبعضها؛ حباً وشوقاً، فإذا بلحظة، حجب غضبها نور العيون، لترسل إحدى تلك الأيادي صفعة، تكون بمثابة تلويحة وداع أخيرة...

هل هنالك زوال للهموم أو واقع يعيشه العراقي، وإن كان صاحب حق، ليجعل من حياته وبعض بقايا الأمل كابوساً فضيعاً، ينتظر زواله أو يتقبل ان الحياة ما هي إلا عذاب قبر.. يخوف بها الأجداد احفادهم... وتبقى تلك الطريدة التي نسعى خلفها جميعاً.. تلك الطريدة الرعناء المحصورة بين الحاء والتاء.. ما هي الا أكذوبة كبرى...

https://www.facebook.com/profile.php?id=100081055906077