أسامة محمد صادق
لم يكن بالأمر الهيّن اقتناء رواية (تمر الأصابع) للروائي العراقي المغترب (د.محسن الرملي) اذ ان مجموع النسخ التي وصلت هي (واحدة فقط) وقد كانت مهداة الى الصديق (حسين العنكود) قريب الروائي ورفيق دربه، وبطريقة اجهل تفاصيلها وصلت الى القاص جمال نوري الذي راح بين الفينة والأخرى وعند كل أمسية ثقافية تجمعنا يثيرني بتفاصيلها ويعدني بقارئتها لاحقاً، ولأنني ممن تثيرهم الدعاية والإعلام!! ازدادت رغبتي باقتنائها فرحت ُ ابحث عنها ضمن مواقع الانترنيت فلم اجد سوى غلافها ومقالات تتحدث عنها وقصص اخرى تناولت سيرة الروائي وصوره بطريقة مثيرة، ولقد حالفني الحظ بعد ثلاثة اشهر ان احصل عليها باستعارة مشروطة زادت من حماسي واندفاعي حيث بدأت وعلى الفور صبيحة التاسع من اذار 2011 بقرائتها شاطباً من أجندتي كل التزاماتي التي من شأنها أن تقطع متعة التواصل مع أحداثها، وأبطالها، وقد انتهيت منها تماما في الساعة الثانية عشر من مساء الخامس عشر من اذار وهو رقم قياسي يضاف للأرقام القياسية التي افتخر بها في قارئتي لروايات مماثلة نالت نفس الدعاية والترغيب اذكر منها (موسم الهجرة الى الشمال، للطيب الصالح) و(حب في زمن الاكلاك للروائي ليث الدحام) و(شواطئ الدم شواطئ الملح، للشهيد إبراهيم حسن ناصر).واخرى لايسع حجم .
وما انا بصدده الان في الكتابة والتعبير عنها ليس نقداً فأنا لاأجيد ذلك الفن وليس من طموحاتي امتهانه، ولكن سأكتب عنها كقارئ أجزت لنفسي ذلك بعد المعاناة التي مررت بها.. كما ان الصداقة السريعة الحميمة التي ربطتني بكاتبها حين اطل علينا فجأة!! ورحل فجأة!! في أمسية أعدت له أيضا على عجل!! في قصر الثقافة والفنون في صلاح .تتيح لي رغبة التواصل في إفراغ ما بجعبتي .وما أحفظه عن ذلك الاحتفاء وصيته لنا بمرافقة الصبر رغم مايحمله من التواءات وانعطافات خطيرة فاذا ما أحسنا تلك الرفقة فأنه لاشك سيفضي بالنهاية الى نتيجة هادفة... ان تمر الاصابع رواية بغلاف مميز لايمل الناظر اليه ولم يتوقف دون ان يسأل عنه وعن سر اخراجه بالطريقة التي توحي بأنها لوحة تشكيلية رمزية تحتاج الى تأمل وخيال رحب وواسع وهي من (166) صفحة تبدأ المقدمة بأثارة سر وجود (نوح) والد البطل (سليم) القروي المحافظ صاحب الصفات التي اصبحت اليوم من وحي التراث، في مرقص مدريدي بأسبانيا، والذي شجعه في كتابة هذه الرواية قائلا:ـ اكتب ما تشاء فلن يحدث اسوء مما حدث هذا العالم .....(جايف)!! هذه المقدمة ذات الاربعة اسطر فقط قادتني بلا هوادة او روية في البحث عن صحة وصول أبيه وسر مجيئه وهو المتأصل بالاعراف والتقاليد المتمسك بالدين الاسلامي وشريعته مقتفيا أثر ابيه (الشيخ مطلك) وهل هو فعلاً ابيه ام شخص اخر فلقد ابى نوح ان يقول لسليم ولدي حتى الصفحة (148)، في اللحظة التي زار نوح شقة سليم وما دار من حديث مضطرب (انتهت بصفعة قوية اسقطته ارضا صافقا الباب وراءه بعنف اهتز لها كل ..) عوضا عن الاحداث التي راحت تنساق تباعا بلغة سلسلة وجميلة آسرة نهايتها مفتوحة تنتنهي بأنتهاء الرواية شأنها شأن قصة نوح الرجل الغرائبي الذي لا أصل له في الواقع ولن يكون بهذه الطريقة ابدا... لقد ارتئى الروائي ان يبقى المغزى خافياً ومستوراً ولايرى ضرورة مطابقة الفن للواقع شأنه شأن ابو القصة القصيرة (ادجار الان بو) الذي كان مايميزه في الجانب الجمالي من قصصه حيث كان يقوم على وصف المناخ الهادئ الذي ينطلق الى عالم صاخب حافل بالتوتر والبؤس مما يوحي بالغموض .لقد رسم الروائي احداث وابطال الرواية ضمن ثلاث محاور احسبها تنطوي على شيئ من الجرأة وهي تتحرش بالتابوات الثلاثة (الدين ..السياسة... الجنس)!! ولقد سألني معلمي القاص جمال نوري بعد انتهائي من قراءة الرواية عما اثارني فيها فذكرت له اياها وقال ان هذه التحرشات الثلاث المفتاح الذي يلج كل الاقفال ويختصر طريق الشهرة والنجاح!! وبما انني من اتباع الشيخ مطلك جد البطل سليم وطريقته ..اتحفظ على تلك التحرشات، واجد ان الروائي لديه خيال رحب لا نهاية له واسلوب رائع في تناول الاحداث ومبرمج حذق في استخدام الوقت والمكان... وان لديه اهتمام مفرط بالشكل وعناية فائقة في الوصف وانه كان يوظف حاسة البصر في الدرجة الاولى في ذلك... وهذه كفيلة بأن تجعله اسما لامعا في عالم الكتابة على حد .أن ابطال محسن الرملي اذا ما استثنيتُ منهم الشيخ مطلك واستبرق العليلة ادميون يحملون غرائز تحكم بها ابليس بكيد عظيم فاذا ماوقعوا في الخطيئة نجدهم يستغفرون ويندمون ومن ثم يعودون الى سيرتهم الاولى!! بل ان ان البطل (سليم وفاطمة وعالية ونوح هم برأيي كانوا انصاف شياطين اباحوا لغرائزهم ما لم تسمح به بيئة الرواية وما تحمله حقيبة سليم التي تدلت تحت ابطه وفيه نسخ من القران الكريم ودفتر رمادي الاوراق ورغيف خبز وحفنة تمر ورأس بصل...).
لقد اجاد الرملي في بناء روايته ووحدتها العضوية وصمم معماره الفني على الوصف القائم للملاحظات الدقيقة، ونماذجه الانسانية في مجملها .... وأني لا اجد سبباً للنهاية التي خلصت اليها الرواية كأنه كان يريد تطبيق قول (جي دي موباسان) (نحن جميعاً في صحراء وما من احد يفهم احد)؟؟ كنت أ ُعوّل على رأس المثلث أو ما يسمى لحظة التنوير ان يكون بارزاً وظاهراً وان يترك(نوح) المانيا ويعود الى قريته...(قرية القشامر)!! التي سميت بقرار حكومي...!! لقد أراد الرملي أن يكون رأس المثلث للرواية له منحنى نصف دائري كأنه يمني خياله الخصب بجزء ثاني ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
**نشرت في (المثقف) في (العدد: 1714 الجمعة 01/04 /2011م)।
صورة من أرشيف أسامة محمد