د. محسن الرملي :
الترجمة فن يتصف بالنسبية و الإبداع
حاورته: منى كريم
حاورته: منى كريم
في بداية الحوار اعتقدت أن دكتور محسن المبدع الصديق متفائل أكثر من اللازم حيال آلية الترجمة العربية، لكن سرعان ما أظهر التأثيرات السلبية للواقع العربي على الترجمة العربية. إنه يؤمن بأن هنالك سر في النص المنقول يجب أن يصطاده المترجم، أن يكتشف روحه، فأن تكون الترجمة مرآة خرساء هذا ما لا يمكننا تقبله!
* * *
- لقد قمتَ بترجمة عدة نصوص من وإلى اللغة الأسبانية، خصوصية اللغة العربية ألا تعترضك كمشكلة حين تقوم بنقل نص ما؟.
*نعم، وبشكل خاص حين تكون الترجمة من العربية إلى الأسبانية، إلى الحد الذي اعتذرت فيه لأكثر من مرة عن الترجمة حين أجد بأن القيام بترجمة معقولة أو مقبولة يكاد يكون مستحيلاً ما لم يتم تشويه النص وتقويله غير الذي يقوله، بحيث يبدو وكأنه نص آخر تماماً، وخاصة فيما يتعلق بالنصوص الأدبية التي تشكل اللغة روحها ولحمها، أما الترجمة من الأسبانية إلى العربية فهي أسهل بالنسبة لي كون العربية أغنى وأوسع، ولأنها لغتي الأصلية التي أعرفها أكثر من سواها.
- تركز الترجمات العربية على الأدبين الإنجليزي والفرنسي بحكم سيادة اللغة الإنجليزية والثقافة الفرانكفونية من جهة أخرى، هل تعتقد أن هنالك الكثير المغيّب من الأدب الأسباني عن القارئ العربي؟
*ترجمة الآداب الأسبانية إلى العربية تحسنت منذ مطلع الثمانينات ومع بداية التعرف على موجة روايات الواقعية السحرية وخاصة أعمال غابريل غارثيا ماركيز، وإن تم أغلبها عن طريق لغات أخرى وسيطة، ولكن سرعان ما أتاح الطلب عليها إلى فتح الباب واسعاً للمترجمين عن الأسبانية، وقد تم ترجمة الكثير بوقت قياسي، أما عن الباقي المغيب أو الذي لم يترجم فبالتأكيد هو كثير جداً، وليس الأمر مقتصر على الأدب الناطق بالأسبانية وإنما كل الآداب الأخرى بما فيها المكتوب بالإنكليزية أو الفرنسية.. فهناك الكثير الكثير مما يستحق الترجمة.
- ما هي وظيفة المترجم برأيك؟ هل يملك سلطة على النص الذي ينقله، سلطة التدخل والتغيير؟
*وظيفة المترجم هي الترجمة، وفي رأيي؛ نعم إنه يملك سلطة على النص الذي ينقله فيتدخل ويغير أحياناً ويخطئ ويصيب.. وما إلى ذلك، فلا يوجد شيء اسمه ترجمة مضبوطة مائة بالمائة وخاصة فيما يتعلق بالنصوص الأدبية، ومهما حاول البعض الحديث عن الترجمة على أنها عِلم فأنا شخصياً سأبقى أنظر إليها على أنها فن، ومن مواصفات الفن النسبية والإبداع، وليس المطلق والجمود.
- كونك مبدع في الدرجة الأولى ومترجم ثانياً، ألا يوقعك ذلك في مأزق تدخل ذائقتك في النص المترجم؟ أم أنها نقطة إيجابية؟.
*بالنسبة لي إنها نقطة إيجابية، كون الأديب أكثر تحسساً وتذوقاً ومعرفة بلغة الأدب، مثلما أن الطبيب أكثر معرفة بلغة الطب. وما أكثر الترجمات التي قام بها شعراء ومبدعين فنفضلها على ترجمات غيرهم من المحترفين، حتى بغض النظر عن دقتها أحياناً، ولدينا على سبيل المثال الترجمات التي قام بها مبدعون أمثال حسب الشيخ جعفر، جبرا إبراهيم جبرا، صلاح نيازي، سركون بولص، كاظم جهاد وغيرهم، فمن حسن الحظ أن غالبية مترجمين الآداب عندنا هم أدباء أصلاً.
وأمر تفضيل ترجمة الشاعر للشعر والأديب للأدب لا يقتصر علينا فقط وإنما هو سائد في الثقافات واللغات الأخرى، فوجدت مثلاً أن المثقفين الأسبان يفضلون ترجمة أعمال ريلكه (غير المضبوطة!) التي قام بها شاعر وفق أسلوبه، على ترجمة (مضبوطة!) قام بها مترجم محترف.
- باعتقادك أليس من الجميل أن تكون هنالك حركة ترجمة جمعية منظمة وغير فردانية لترجمة آداب مهمة منها الأدب الأسباني؟.
*بالتأكيد إن أي تجمع أو حركة أو مؤسسة أو أي شكل جماعي منظم يتبنى مسألة الترجمة فهو جميل وفاعل وضروري وحاجة، ولكن أقول (يتبنى) وليس (يُترجم)، فبالنسبة لي أرى بأن عملية الترجمة الأدبية، على صعيد الفعل، هي فردية، مثل عملية الكتابة الإبداعية ذاتها، أي أن الترجمة الواحدة يقوم بها مترجم واحد.. وبالطبع فبإمكان أكثر من مترجم أن يقوم بترجمته الخاصة للعمل ذاته. في العالم العربي لا ينقصنا المترجمين الجيدين ولكن ينقصنا الاستثمار الجيد لطاقات هؤلاء.
- هنالك تقصير واضح في نقل الأدب الأسباني إلى العربية، ما هي الأسباب في ذلك؟.
*التقصير حاصل بالترجمة إلى العربية بشكل عام، وفي كل الميادين وتجاه كل الآداب وليس الأدب الأسباني وحسب، فما أقل الذي ترجمناه من الآداب الصيني، الأفريقي، الياباني، الهندي، الألماني وغيرها بما فيها الأدب الفرنسي والإنكليزي حيث نوهم أنفسنا حين نظن بأننا قد وفيناهما حقهما من الترجمة.
الأسباب كثيرة، ولكن بشكل عام فإن أزمة أو مشكلة التقصير في الترجمة ما هي إلا جزء وانعكاس لأزماتنا ومشاكلنا الأخرى في مختلف الميادين السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية.
- في ظل القراءات الكثيرة الجديدة لمصداقية الترجمة العربية، كيف ترى مستقبل هذه الترجمة التي ارتكبت في أحيان كثيرة جرائم بل ومقابر جماعية أحياناً؟.
الأسباب كثيرة، ولكن بشكل عام فإن أزمة أو مشكلة التقصير في الترجمة ما هي إلا جزء وانعكاس لأزماتنا ومشاكلنا الأخرى في مختلف الميادين السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية.
- في ظل القراءات الكثيرة الجديدة لمصداقية الترجمة العربية، كيف ترى مستقبل هذه الترجمة التي ارتكبت في أحيان كثيرة جرائم بل ومقابر جماعية أحياناً؟.
*أنا شخصياً مع الإكثار من الترجمة، أي مع المزيد من الكم أولاً ثم النوعية بالمقام الثاني، ذلك أن هناك الكثير جداً مما يجب علينا ترجمته وكل يوم هناك مئات العناوين الجديدة والجيدة في العالم في شتى المعارف والفنون، والترجمات مهما تكن مستوياتها من حيث الدقة والأمانة والجودة فهي أفضل من لاشيء، أي أن تكون لدينا الأعمال مترجمة إلى العربية بشكل ضعيف أو حتى سيئ، فهي أفضل من أن لا تكون مترجمة أبداً ولا نعرف عنها أي شيء.
---------------------------------
*نشر في مجلة (ابولو ود) سنة 2007م.
---------------------------------
*نشر في مجلة (ابولو ود) سنة 2007م.
منى كريم