الأربعاء، 18 مايو 2016

عن رواية: حدائق الرئيس / أبرار هاني

حدائق الرئيس
.. من أفضل الروايات التي سردت التاريخ العراقي بمصداقية
أبرار هاني
وفي لقائي الثالث مع الرملي، بعد (تمر الأصابع) و(الفتيت المبعثر)، تبدو لي كل الروايات التي قرأتها وهي تصف معاناة العراقيين لا تنافس هذه التحفة الأدبية بشيء، فما قرأته هنا تركني أياماً طويلة أتساءل ماذا سأكتب عن هذا الألم؟!
كتب محسن في الإهداء:"إلى أرواح أقاربي التسعة الذين ذّبحوا في الثالث من رمضان عام 2006".
يستهل روايته ويختتمها بتسع صناديق في كل واحدة منها رأس مقطوع، وهكذا يأخذنا بالتدريج إلى حياة أحد تلك الرؤوس قبل أن تُقطع.
(إبراهيم، عبد الله، طارق) هم (أبناء شق الأرض) الذين ستدور الحكاية حولهم خلال ثلاثة أجيال من الحروب، ولكل واحدٍ منهم قصة تتشابك مع الآخر وتلتقي في النهاية بـ قسمة.
يسرد الرملي معاناة العراقيين في ثلاث مراحل، فيبدأ بالحرب الإيرانية وما سببته من ألم وحسرة ثم معناتاتهم تحت ديكتاتورية النظام السابق ومقابره السرية، ولعلها أكثر مرحلة ركز عليها، وهي سبب عنوان الرواية، ثم مرحلة ما بعد سقوط النظام.
 تنقله بين الأزمنة كان منظماً وسلساً جداً لدرجة تجعل القارئ ينسجم بالأحداث ويعجز عن التوقف. (حدائق الرئيس) ولم يخطر في بالي أبداً أن ما يقصدهُ هو "مقابر الرئيس".. إنها من أفضل الروايات التي سردت التاريخ العراقي بمصداقية وصورت معاناتهم الحقيقية بشكل لا يوصف، ورغم بشاعة الصور التي استعرضها وهو يصف تلك الأعداد الهائلة من الجثث والتشوهات التي أصابتها، إلا إن هذه المشاهد تحديداً رفعت من مستوى الرواية لما حملته من ألم كبير عجز الكثير عن إيصاله في رواياتهم... ويبدو العراق كجرحٍ كبير يرفض أن يلتأم مهما منحناه من أرواحنا.
الملايين منا دفعوا الثمن في الحروب والمقابر الجماعية ولا زال هذا الوطن عاجز عن تقديم حياة كريمة لأبناءه ويكتفي بمنحهم مادة دسمة لأدبٍ عظيم سنحزن كثيراً بسببه.. لأننا لن نترك لأولادنا وأحفادنا سواه.
في النهاية تذكرت رائعة سنان انطون (وحدها شجرة الرمان) والتي هي أيضاً استعرضت معاناة العراقيين وحروبهم الطائفية، وللمرة الأولى أشعر، وبشكلٍ ما، أن هذه الرواية قد أثرت بيَّ كما فعلت شجرة الرمان وربما أكثر، كلاهما رافق الموت بطريقته.. أحدهما يغسل الموتى والآخر يدفنهم.  ورغم أن بين جواد وإبراهيم جيلاً من الأمنيات المسلوبة والأحلام الضائعة، ولكن كلاهما كانا صورةً لكل عراقي عاش في ظل النظام السابق وبعده... (وكلاهما كانا سبباً في منحي كوابيساً لعدة أيام ولهذا منحتهم الـ5 نجمات بكل صدقٍ واحترام).
***
*من الجدير بالذكر أن محسن الرملي كتب هذه الرواية سنة 2006 بعد أن تلقى خبر مقتل تسعة من أقاربه ذبحاً وهم صيام في اليوم الثالث من شهر رمضان، وصاغ حكايته هذه خلال أربع   سنوات ووصلت هذه الرواية لقائمة البوكر الطويلة  2013م.
*أغلفة رواياته دائماً أنيقة وتعكس محتوى الرواية بشكلٍ جميل.
*من المؤكد أن هذه الرواية ستعلق في ذاكرتي طويلاً.
*لا تُكمل قراءة هذا العرض إذا لم تكن ترغب في حرق قصة الرواية..
***

 قصة الرواية:
ثلاثة أصدقاء يكبرون معاً كالأخوة تماماً، لم يكونوا ينفصلون عن بعضهم حتى جاءت الحرب الإيرانية وفرقتهم. (طارق المُندهش) لأنه كان دائم الاندهاش، (عبد الله كافكا) لشدة تأثره بالكاتب فرانز كافكا، و(إبراهيم قسمة) لأنه كان دائماً يردد "كل شيء قسمة ونصيب".
قصة عبد الله الذي قضى ما يقارب الـعشرين عاماً في الأسر كما ترويها زينب زوجة المختار ..
جداه كان لهما توأم ولد وبنت، فأما جدته فقد جرفها النهر وحين حاول الجد إنقاذها اختفيا معاً وتركا التوأمين إسماعيل وزكية وكان نموهما العقلي بطيئاً، إسماعيل فأصبح راعياً أما زكية فظلت تحت رعاية المختار وزوجته حتى بلغت الستة عشر عاماً ولكن عقلها ظل طفولياً ..
فجأة تكتشف زينب أن زكية حامل، وبعد التحقيق معها يتضح أن جلال ابن المختار قد استغل تخلفها العقلي.
حينما يعلم المختار وصديقه ظاهر بالأمر يقوم بضرب ولده ونفيه خارج البلاد وتنقطع أخباره .
أما زكية فيحبسها عن العالم حتى تلد، ورغم محاولات زينب في الحفاظ عليها هي ووليدها لكن، في ليلة مشؤومة، يأخذها المختار وصديقه إلى حفرة ويقتلانها برصاصة ويدفناها وتهرب زينب بالصغير ثم تتركه عند باب زوجين لا يلدا أطفالاً.. في النهاية يدفع المختار وصديقه ثمن جريمتيهما بمرض غريب يسلخ جلودهم فيعانيان كثيراً ثم يموتان.
عبد الله إحب سميحة أخت طارق، لكن رفضوا أن يزوجوها له لأنه مجهول الأبوين، أما سميحة فتتزوج وتنجب طفلة وتطلَّق لأنها لم تستطع نسيانه.
طارق يجد عملاً لإبراهيم الذي فقد ساقه في الحرب بعد أن تزوج وأنجب (قسمة) ولم ينجب غيرها لأن إصابته الأخرى في الحرب جعلته عقيماً، ولكنه ورغم إلحاح الجميع يرفض الزواج مرة أخرى حتى بعد وفاة زوجته بالسرطان، ويظل يربي ابنته قسمة التي تتركه لاحقاً وتتزوج من عسكري مرموق وقريب من الرئيس.
يعمل إبراهيم في حدائق الرئيس، وهي محور الرواية وأشد أجزاءها قسوة، وبينما يظن أنه سيعمل فلاحاً إلا أنه في الواقع يعمل دفاناً للجثث التي يُعدمها الرئيس في الخفاء فيصادف أبشع أنواع الموت ورغم هذا كان يوفر دفناً يليق بالجثث فيوجهها للقبلة ويصلي عليها ويرتبها . وبمرور الأيام يظل إبراهيم يحتفظ بمعلومات عن هذه الجثث؛ أوصافهم وأشكالهم، ويأخذ أحياناً جزء من ملابسهم أو خاتم أو أي شيء يرمز لهم في حالة كانوا مشوهين ويؤرشفها مع هذه في دفاتر، حتى تصادفه مرة جثة مشوهة بأبشع الطرق ولا جزء فيها سليم عدا الذراع حيث رسم عليها وشم قلب وداخله اسم الرئيس.. ليتضح لاحقاً أن هذا هو زوج قسمة.
(قسمة) التي أصبحت (نسمة) بعد زواجها لتندمج مع مجتمعها الجديد وهجرت والدها، تعود له بعد سقوط النظام وبين يديها طفلاً صغيراً يحمل اسم الرئيس وتجهل مصير زوجها.
يبدأ إبراهيم بتوصيل المعلومات التي جمعها عن تلك الجثث والمقابر الجماعية إلى أصحابها كنوع من التكفير عن ذنبه في الدفن والصمت ولأنه لم ينس صديقه أحمد في الحرب الذي لم يستطع أن يأخذ جثته ويدفنها بشكل يليق بها.
تصل تهديدات كثيرة لإبراهيم ليكف عن فضح المقابر ولكنه يرفض الخضوع فيدفع الثمن غالياً.. وهكذا تبدأ قسمة وبمساعدة صديقيه عبد الله وطارق الذي تتزوجه لتتمكن من السفر معه والثأر لوالدها وتظل النهاية مفتوحة لتمنح القارئ مجالاً واسعاً لخياله...


الخميس، 12 مايو 2016

رواية (ذئبة الحب والكتب).. مرآة أزمة المثقف العاطفية/ علاء جاسب

رواية (ذئبة الحب والكتب).. مرآة أزمة المثقف العاطفية
علاء جاسب
إن كنت ممن سيعصف بهم البوح العميق وأعاصير اضطراباته، مُبحرا من أول مرفأ أشرعت فيه للحياة سفناً من الأحلام وأساطيل من الحب لتنتهي كما العراق شامخاً في كل شئ إلا من وجوده!! فأهلا بك في رواية (ذئبة الحب والكتب)... أكاد أقسم أن مؤلفها العراقي (محسن الرملي) لهو الأديب الأكثر تميزاً وقدرة وتفرداً في إعادة إحياء الأمل ببث الحياة من جديد في الرواية العراقية بعد سباتها المخيف على وسائد الحكام والملوك وضعف عام أصاب بنائها الصحي والهيكلي... في هذه الرواية المذهلة والمختلفة عن روايات المؤلف السابقة، ستجد نفسك تجادل نفسك وتحاصرها بأمواج من أسئلة واقعية يجرفها الخيال ليطرحها على لسان امرأة تنوب عن كل العراقيين في توحيد السؤال المشترك عن شئ هزمته الحروب في إنسان أوطان الدم، وهو: (هل لا زلنا نعرف ما هو الحب؟...).
قبل أن تختم هذه الرواية العظيمة بصفحتين، ضع بجانبك علبة مناديل ورقية وحبتين من البراسيتول ومرآة صافية تطالع فيها خيبات الروح... سيأخذك (محسن الرملي) في رحلة مراجعة نفسية عاطفية كبرى شاهراً سيف الحب في وجه طواغيت العراق ومحتليه ممن أسهموا في دمارات روحية مُرّة، ولهذا فإنه يضع إهداء الرواية بالسطر الآتي:"إهداء.. إلى كل الذين يُحبون الحب والكتب... إلى الذين حُرموا من حبهم بسبب الظروف".
يمزج (الرملي) في هذه الرواية أحداثاً حقيقية حصلت له أثناء هجرته إلى الأردن وإسبانيا مع شخصية خيالية اسمها (هيام)، مستحضراً ذكرى أخيه الأديب العراقي الكبير الشهيد (حسن مطلك) الذي أعدمه النظام السابق بتهمة الاشتراك في محاولة إنقلاب على السلطة في شهر تموز عام 1990 وقد كان الشهيد من الأدباء المميزين الذي انفرد بروايته المهمة (دابادا) كأهم رواية عراقية في ثمانينات القرن الماضي.
في رواية (ذئبة الحب والكتب) التي مزج فيها (الرملي) واقعيته بتيار الوعي والبوح السايكولوجي الشعري بأسلوب سردي مشوق لا يجعلك تملّ مطلقاً من السير قُدماً في إكمال الرواية بالرغم من أنه يغلب الانثيالات الداخلية على صورة الوقائع الخبرية ويتخذ من الحدث منصة لإطلاق فلسفته التجريدية والانصات لمنطقة اللاشعور في ذواتنا المنكوبة بويلات بلادها.
تبدأ القصة عندما يفتح (محسن الرملي) إيميله الشخصي في أحد مقاهي الانترنيت في الأردن ليفاجأ بأنه فتح ايميلاً آخر، لا يعود له، بالخطأ والصدفة فيكتشف أنه إيميل لفتاة عراقية اسمها (هيام) تكتب رسائل مكاشفة ذاتية إلى حبيب وهمي يجسد ما تمنته من صورة للحبيب مستعيرة بشغفها وتقديرها لشخصية الأديب (حسن مطلك) شقيق الكاتب (محسن الرملي) نفسه!! يتتبع (الرملي) رسائل هيام التي يكتشف بأنها امرأة متزوجة، مولعة بقراءة الكتب ومثقفة تجعلها تبدو امرأة مميزة عن باقي النساء لكل من عرفها ويحبها كل من زاد في اكتشافها... هي امرأة تصف زوجها بـ(المستأجِر) وتبين آراءها بجرأة نادرة وعميقة.. وصلت إلى سن الأربعين وهي تسأل نفسها.. هل الحب هو رغبة الجسد أم رغبة الروح؟!! وحتى نهاية الرواية، ومن خلال أحداثها سيكمل (الرملي) بناءه العميق في غور النفس واستخراج نظريته المميزة حول الحب وماهيته وعلاقتنا بأصالة العشق.
يكتب (الرملي) في روايته العميقة الآنفة الذكر ما يلي: حين رآها الشاعر الطيب رشيد، قال اسمعي قصيدتي هذه، وهي من قصائدي الكثيرة عن العراق، وراح يقرأ، فحفظت منها قوله :
"الزنزانة الكبرى عراق
والسجين المرتمي خلف دياجيها.... عراق
يا هوانا...
أيها الموغل ما بين فؤادي والعراق
لم تزل فينا بقايا
تتشهى كل شئ في العراق...".
باختصار... انها الرواية التي تستحق أن تضمها مكتبتك بافتخار، علما بأن الرواية كانت قد رشحت في القائمة القصيرة لجائزة الشيخ زايد للكتاب عام 2016م.
                                                علاء جاسب

الأحد، 8 مايو 2016

حوار مع محسن الرملي / أجرته: شيماء فؤاد

صاحب «حدائق الرئيس» يكشف خمسين عاما من القهر والحرب
حاورته - شيماء فؤاد
خرجتُ من العراق بحثاً عن الحرية بعد إعدام أخي
 البلاد تُنسَب لمثقفيها .. لا أباطرة الحكام
استئصال داعش للحضارة مستحيل
 أخشى أن يمل قرائي كما جرى لفوينتس
 تصالحت مع هويتي.. والانغلاق سبب مأساة العرب
 ضحايا العنف ليسوا أرقاماً.. لكنهم أحلام تكسرت
 لماذا نلهث وراء من استعمرونا.. ونترك شركاءنا؟!
      الرجل الذى نبش ”حدائق الرئيس” ليكشف عن ضحاياه ومقابره الجماعية، ناثرا ”الفتيت المبعثر” من بقايا الحروب التى عانت العراق من ويلاتها، وباسطا كفيه لجمع شتات مواطنيه ..
هو الكاتب والمترجم العراقي محسن الرملي الذي خرج من العراق مضطهَداً بعد إعدام أخيه الكاتب حسن مطلك لمعارضته نظام صدام حسين، ليبدأ فى رحلة البحث عن الحرية والإنسان والتصالح مع الهوية، والتي نعيشها معه في السطور التالية..
*لماذا اضطررت لترك وطنك؟
ـــ خرجت من العراق عام 1993 بعد أن أنهيت الخدمة العسكرية الإلزامية التى دامت 3 سنوات وكنت فيها قائد دبابة. وقد صار من الصعب البقاء بالعراق بعد إعدام أخي الكاتب حسن مطلك على يد نظام الطاغية بتهمة قلب نظام الحكم، وإغلاق كل الأبواب أمامي من فرص العمل والنشر. كنت أعاني من اختناقات عديدة وسط الديكتاتورية والحصار، ولم أكن أقبل أن أنشر في صحيفة نظام قَتل أخي، فخرجت من العراق بحثاً عن الحرية لا شيئاً آخر.
سافرت إلى الأردن لمدة عامين وعملت فى كل المهن، فعملت في الحدائق وقطف الزيتون والبرتقال، كما عملت فى المطاعم والبناء، ومع ذلك ظللت أكتب فى الصحافة، وبعدها سافرت إلى إسبانيا لأدرس فى جامعة مدريد دون منحة، ولم يكن معي سوى مائتي دولار.
بدأت تعلم الإسبانية من جديد والعمل ليل نهار لتغطية مصاريف الدراسة، واجهتني الكثير من الصعوبات، ومع ذلك أنهيت دراستي وحصلت على الدكتوراة فى عام 2003، وبعدها بدأت الأمور فى التحسن بعد عملي فى جامعة “سانت لويس” الأمريكية في مدريد، ومازلت أحيا وأدرس في مدريد بعد 22 عاما من رحيلي عن العراق.
*رغم المرارة التي تجرعتها بالوطن.. لكننا نراه حاضراً بقوة فى كتاباتك !
ـــ بالفعل فعلى الرغم من خروجي من العراق ولكنني لم أستطع أن أخرج عنه فى كتاباتي، فالعراق يسكنني، وأخشى أن يمل قرائي لأن أغلبهم ليسوا عراقيين، بل عرب وأجانب أكثرهم من أمريكا اللاتينية، فأخشى أن يحدث معي ما حدث مع كارلوس فوينتوس عندما مَل قراؤه لأن كل رواياته عن المكسيك.
و”حدائق الرئيس” روايتي الأخيرة، ضخمة، تتناول العراق على مدى الخمسين عاماً الأخيرة وحتى سقوط بغداد فى يد أمريكا، وكأني أردت أن أقول كل شئ حتى انتهي من استحواذ العراق عليّ.
أتمنى أن أكتب في موضوعات أخرى، وخاصة الروايات الخيالية، فنحن فى العالم العربي نعاني من أن معظم كتابتنا واقعية، والعالم ينتظر منا الخيال الجديد، فمازالت أشهر الأعمال العربية في الغرب “ألف ليلة وليلة”، أما الواقع فتمتلئ به الفضائيات.
*حدثنا عن أجواء روايتك الأحدث، والتي تختصر سيرة العراق؟
ـــ في الرواية تناولت العراق منذ عام 1948 أو حرب فلسطين التى شارك فيها أبي وآخرين، ودخول العراق الكويت، والحرب العراقية الإيرانية، والحرب الأهلية بالعراق ”حرب الشمال” الكردي، ثم ما عايشه العراق من حصار وديكتاتورية ومقابر جماعية، إلى الحرب الأخيرة مع أمريكا والظروف التى أحاطت بها، وسقوط بغداد... أما بعد السقوط فيحتاج لعمل آخر.
كان اهتمامي بكل تلك السنوات وما حملَته من خراب، هو الخراب الذى حدث بالإنسان وكيف قاومه، ولم أعني الخراب المادي كالأماكن، فالإنسان هو ما تدور حوله كتاباتي، أما المكان فهو عامل خارجي كالملابس تحتوينا وتعطي صورة عنا، ولكنها ليست نحن.
*ماذا قصدت بـعنوان الرواية؟
ـــ أقصد بالحدائق ”المقابر الجماعية” أو ما خلفته يداه، وهي نوع من السخرية المُرة، فالبطل الرئيسي يدفن جثث ضحاياه فى حدائق يمضي الدكتاتور وقته فيها ويزهو بنصره !.
حدائق الرئيس” محاولة لفهم عراق اليوم من خلال معرفة ما حدث في عراق الأمس، وأسبابه وجذوره، وماذا جرى للإنسان. دائما ما تخرج علينا الفضائيات لتذيع مقتل 100 عراقي أو ألف عراقى، يتعاملون معهم على أنهم أرقام، لكن هؤلاء بشر لهم عائلة وتاريخ وأحلام، بينما ضحايا مركز التجارة العالمي في أمريكا تم بث قصصهم وحتى قصص جيرانهم، تعاملوا معهم على أنهم بشر لا مجرد رقم، وتحزنني هذه العنصرية حتى تجاه الضحايا وتصنيفهم، رغم أنهم متساوون في الموت وفي كونهم ضحية.
*هل تغير المواطن العراقي بفعل أجواء العنف؟
ـــ لقد مر العراقيون بالكثير، ولو كتبنا مليون سنة فلن نفي ما حدث حقه، لأن كل عراقي له قصص لا تنتهى يومياً، تستيقظ على انفجارات لها علاقة بجهة سياسية أو بتدخل آخر، فتختلف الساحة السياسية، والناس تختلف، فالعراق يتغير يومياً دون أن يعطي لنا متنفسا حتى للكتابة عما حدث. ومع ذلك لا أفقد ثقتي بقدرة الشعوب على النهوض، لأن العراق تعرض لحروب وابتلاءات كثيرة، ولكن لا أحد يستطيع أن يمحو شعباً كاملاً. نعاني كثيراً ولكن يبقى هناك أمل بانتصار الحياة.
*فى روايتك ”تمر الأصابع” عرضت لثلاث أجيال عايشوا الاستبداد وأزمة الهوية، حدثنا عنها؟
ـــ هذه الرواية هي تجربتي الذاتية بين ثقافتين، بين ديكتاتورية وحرية، بين تقاليد ودين، تلك الثنائيات التي عايشتها عندما انتقلت لإسبانيا واصطدامي بالثقافة الجديدة، فلم أكتبها كرواية في بداية الأمر وإنما في دفتر يومياتي.
كتبتها لأعرف ماذا يحدث فى داخلي وما أعانيه من تناقضات، وكنت أجد نفسي أكتب بالعربية والإسبانية في الوقت ذاته، وبعد انتهائي من المسودة أعدت مراجعتها وترجمة فقرات اللغة الأخرى وصدرت أولاً بالإسبانية ثم بالعربية. ”تمر الأصابع” تجمع بين عالمين، والقارئ الغربي أُعجب بالعالم الذي يتحدث عن العراق والشرق، والقارئ العربي انجذب لعالم الغرب، فسعدتُ أني استطعت أن أجذب العالمين وإيصال صورة عن أحدهما للآخر.
*هل لا تزال تشعر بالاغتراب؟
ـــ لا، لم أعد أشعر بالاغتراب أو المنفي، فوفقا للمفهوم البابلي:”المنفى منفى زماني لا مكاني”، كنت في البداية أعاني منها كثنائية ككثير من المهاجرين، والآن أنا متكيف مع هويتي التي تجمع بين بلدين وثقافتين.
فلماذا يجب أن أكون شرقي أو غربي وأعاني، فلقد توصلت بداخلي لحالة تصالح، وتخلصت من تلك الثنائية، فأنا عراقي وأسباني في نفس الوقت، توحدتُ إنسانيا، فما الثقافة والهوية إلا نتاج إنساني، فهذه مسألة ذهنية، والأجيال الجديدة لم يعد يقلقها مسألة الهوية مع التكنولوجيا والعوالم المفتوحة التي جعلتهم أبناء يومهم أكثر من أبناء تراثهم.
*وماذا عن عبارتكَ: اكتب ما تشاء فلن يحدث أسوء مما حدث؟
ـــ نعم، لأن نظرتي بالأصل تشاؤمية تجاه العالم، وعندما تكون فاقد الأمل في كل شئ، يصبح أي شئ يبث لك الأمل .
*كيف ترى حال العراق حاليا مع الوجود الداعشي؟
ـــ مسألة العراق معقدة جداً، وقطعا لها أسبابها الواقعية والسياسية والجغرافية والتاريخية، وأنا ضد أي أيديولوجيا تعتمد على الموت في فرض أفكارها، ومع كل من يدعو لانتصار الحياة، أهلي في العراق مشردون ومقتولون وبعضهم يعاني تحت حكم داعش، لا أستطيع أن أفكر في حل للوضع، فحالي أصبح كالعراق في ”حالة طوارئ”، وأحاول مساعدة العراقيين النازحين بقدر ما أستطعت. والكاتب يجب أن يترك مسافة بينه وبين الحدث ليتأمله ويستطيع أن يعبر عنه بعيدا عن التشويش والغموض والضبابية التي تسود الوضع الحالي، فالرواية تشكل رؤية كاملة عن الحدث، لهذا عندنا روايات قليلة بالعراق، بينما العراق معروفة بالشعر لأنه يولد فى حماسة الحدث واللحظة، العراق هو البلد الأول فى إنتاج الشعر كميا ونوعيا بحسب معرفتي، فأنا أمكث في إسبانيا بلد الشعر في أوروبا، ولكن يظل العراق الأكثر إنتاجا له.
*ما دور المثقف فى اللحظات الصعبة من عمر الوطن؟
ـــ المثقف مسكين، وأنا ضد من يرددون أن المثقفين ليس لهم دور بالثورة، بل بالعكس فالمثقف يقوم بتضحية طويلة الأمد، والتأثير الذى يصنعه ليس مباشراً، ولكنهم على مر الزمان هم من يتصدون لموجات الديكتاتورية، فعندما ضحى أخي بحياته وغيره من المثقفين، فهل خرج الشعب إلى الشارع؟! لماذا الآن عندما خرجوا يتهمون المثقف بأنه لم يفعل شئ ويتساءلون أين المثقف؟، بينما المثقفون هم من عارضوا السلطات فى أصعب الظروف وضحوا بحياتهم وسُجنوا واعتُقلوا، فلماذا لم يَسأل المثقف أين كان الشعب؟
المثقف دوما كان دوره تنويريا، والشعوب التى تنتصر هي الشعوب التى تحترم مثقفيها، أما الشعوب التي تزدري المثقفين فلا تقوم لها قائمة، ولهذا نحن نقول هذا بلد ”نيرودا”، هذا بلد ”ثربانتس”، هذا بلد ”نجيب محفوظ”، ولا نقول هذا بلد الإمبراطور أو الجنرال فلان، فكفى ظلما للمثقف والمبدع.
*كيف ترى حال الأدب العربي بشكل عام، والعراقي بشكل خاص؟
ـــ لدينا إنتاج كمي مزدهر، ولكننا نحتاج لحركة فكرية نقدية تغربل للقارئ العربي هذا الإنتاج الهائل.
*حدثنا عن تجربتك فى أسبانيا؟ ومدى إطلاعهم على الأدب العربي؟
ـــ هناك من يَدرس اللغة العربية ويجد عملا بسهولة فى المخابرات، الشركات، السياحة، الشرطة وأى شئ، وهذا أمر إيجابي للغة العربية، وفي أمريكا اللاتينية يشكون من عدم قدرتهم على الإطلاع على الأدب العربي الجديد، ولكن هناك تقصير من كلا الجانبين فى الترجمة عن الآخر، رغم الشبه الكبير بيننا، فلقد مرت أمريكا اللاتينية بثورات وانقلابات عسكرية، حتى وصلوا لبداية الاستقرار الديمقراطي. ونحن كعرب مقصرون فيما يخص أمريكا اللاتينية، فنحن نتبع الفرنسي والانجليزي ونترجم لهم رغم أن بيننا وبينهم دم، خلفته سنين الاستعمار المريرة، أما أمريكا اللاتينية الذى صنفنا العالم مثلهم ”عالم ثالث”، وليس بيننا وبينهم دم فنحن لا نحاول التعاون معهم؟، رغم أنه بمعايشتي لهم وجدتهم يتضامنون مع قضايانا بشكل غير طبيعي ويرفعون أعلام فلسطين وسوريا والعراق، ويكتبون قصائد عن العربي.
لو كان في يدي سلطة لجعلت في كل بلد عربي “وزارة للترجمة”، فسبب تعاستنا هو انغلاقنا، العالم يتغير، ونحن ما نزال نقرأ ماركيز على أنه آخر صرعة فى أدب أمريكا اللاتينية، بينما أعماله تعد هناك من الأعمال الكلاسيكية.
*ماذا تكتب حاليا؟
ـــ أكتب رواية عن ”الحب” حتى الآن، ولكن العراق ما يزال يلح، وهو حاضر فى خلفية الرواية، التى حاولت من خلالها النفاذ لأعماق المرأة العراقية ومعرفة منظورها للحب في وسط ما تعايشه من مآسٍ، خلال الأربعين سنة الأخيرة، الحب الذي أصبح بين الحصار والحرب أشبه بـ ”العيب”، فى ظل الديكتاتورية والتقتيل والحصار، فماذا فعلت تلك المرأة؟... لذا حتى فى حديثي عن الحب.. العراق حاضر، ولم أستطع حتى الآن أن أكتب عن تجربتي فى الأردن وبلدان أخرى والثقافات الجديدة التي عرفتها، فالعراق لا يتركني وإن أنا تركته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*نشر في (محيط) بتاريخ 10/6/2015 القاهرة

السبت، 7 مايو 2016

عن محسن الرملي و ذئبته / نور جمال

عن محسن الرملي و ذئبته
نور جمال
ــــ 1 ــــ
يخرج الكاتب محسن الرملي في روايته (ذئبة الحب والكتب) بثيمة جديدة تختلف جملةً وتفصيلا عن رواياته السابقة، غير أن النهاية هي النهاية في كل روايات الرملي "تتركك مصابا بالذهول"!
بدأ الرملي هنا الكتابة بالنبرة الأنثوية محطِّما بذلك نمط التكرار في رواياته السابقة!
حيث انه كان ينقل في رواياته السابقه لنا السجون والحرب والخراب والفقر والموت والأسرى من الرجال كما هم على أرض الواقع واضعهم بدمهم بتوابيتهم بحاجتهم لنا نحن النساء بجوعهم للحياة،
إلا في ذئبة الحب، فإن النبرة الأنثوية تكاد أن تكون هي المحور الذي شيدت عليه معالم الرواية حيث يذكرنا الرملي هنا بِأساليب الكتابة في أهم رسائل العشاق التي كُتِبت على مر التاريخ.
تبدو لي رواية (ذئبة الحب والكتب) أكثر بطءً في السرد من حيث أن الأحداث في الرواية تمتد بين عدة أجيال متنقلة، ماراً بعدة دول (الأردن واليمن والسودان وإسبانيا) وذلك ما جعل الرواية أطول من روايات الرملي السابقة، محطماً بذلك عدد الصفحات أولا وطريقة السرد ثانياً، لكني أراهن الرملي والجميع أن هذة الرواية كانت الأسهل من بين الباقيات.. وكأنها طبق التحلية في المائدة التي قدمها الرملي لنا.

ـــ 2 ـــ
الرملي كان أكثر وفاءا لحسن مطلك (أخيه) ــــ الذي أُعدم في زمن النظام البائد ـــ من نفسه حيث سيلاحِظ من يقرأ الرواية أن الرملي تداول لرواية (دابادا) وأخيه حسن أكثر مما تداول اسمه وأسماء رواياته، كما أن الرملي، ومن خلال سرد الرواية، تحديدا صفحة 30، يحاول تذكيرنا بالأسماء المهمة التي جعلت الأدب العراقي في الصدارة، أمثال: السياب، غائب طعمة فرمان، ضياء العزاوي، سالم الدباغ، مظفر النواب، ملا عبود الكرخي... وغيرهم .
هو في رأي توظيف بالغ الذكاء من الرملي لكي يتجدد تذكار ما تركه مطلك والأخرون من أدب وفن للعراق، لذلك ستجد نفسك تدون اسم رواية (دابادا) و(كتاب الحب) للمطلك وأسماء الكتب المعروفة لبقية الأدباء، لتتعرف أكثر على كل كاتب وفنان وشاعر.. ومن هو منسي في العراق!

ـــ 3 ــــ
هيام.. أو ذئبة الحب والكتب
قوية الرقة، الشرسة في الحب والكتب، المجنونة كما أنا، صاحبة المخيلة العجيبة التي كانت تحلم بنهدين كمثريين، علاقتها المتعددة وتجاربها العاطفية التي حملتها لتشارك فراشها مع رجل لا تحبه!، أحلامها برجل كونت حقيقته في مخيلتها، بالحب حين كانت تقول :"السير في الحياة دون الحب هو مثل الذهاب إلى المعركة بلا موسيقى، مثل السفر بلا كتاب، ومثل الإبحار دون نجمة توجهنا".
"الحب أحد الضيوف الذي يزورننا بلا موعد مسبق، مثله مثل الحظ والموت".
لقد علمتني هيام الوحيدة وسط طوفان أنوثة جائع الكثير، ابتداءا بِــأنواع القُبل "ص136" مروراً بما يحتاجه العراق حين قالت: ان ما يحتاجه العراق هو الحب "ص174" ، علاقتها مع النباتات "أبناء صمتها" حتى أني رحتُ أُربي نباتات وكذلك أسميهم "أبناء صمتي" ، ذائقتها المتمسكة بتلك الفترة الموسيقية "السبعينية" ، ذوقها في الرجال؛ حيث انها لا تُعجَب بالرجل السمين أبداً: فهو يبدو مثل قصيدة تفتقد للشِعرية وتضيع روحها في طيات الشحم!.. والكثير ...
أحيانا أشعر بأن هيام امرأة مستنسخة مني، حقا لو كانت هيام حقيقية لكنت أنا، لكنني سأحارب لأجل أن لا أجعل حياتي تنتهي على فراش مع رجل لا أحبه، بل سأحب حبيبي أكثر وسأحارب لأجله أكثر..

ــــ 4 ــــ
نهاية الرواية كانت من أجمل النهايات.. عنصر المفاجأة هنا قادني للذهول، للجنون، لأن أكون أستثنائية حتى في النهاية!
أن أجعل الحب ملموساً مع من أحبه حتى لو فصلت بيننا القارات.

نحن دوما على موعد: مع الحب والكتب والكتابة، على موعد قبل غروب العمر، وقبل القيامة، وكل الأشياء...
نشرت في مجلة (الوعي) العراقية، عدد شهر أغسطس/آب 2016

روايتان رائعتان لمحسن الرملي / سعيد العلمي

قرأتهما:"تمر الأصابع" و"ذئبة الحب والكتب" روايتين رائعتين لمحسن الرملي
سعيد العلمي
عزيزي محسن الرملي... انتهيت من قراءة روايتيْك "تمر الأصابع" و"ذئبة الحب والكتب" وهما من الأعمال الأدبية التي تستحق القراءة والتمعّن... وكانت هذه المرة الأولى التي أقرأ لك بها نصوصا سردية فوجدتـُك متمكنٌ من اللغة ومن الحبكة المُحكَمَة والسلاسة السردية والعمق الإنساني ذو الجانبين الرهيف والرهـيب. كما وجدتك وفـيا لشعبك وأهلك مهما عصفت بك الحياة ومهما لفظك الوطن العراقي العربي كما لفظ الملايين من أبنائه قبلك ويلفظهم بعدك. وفي نظري فإن من لا وفاء فيه لوطنه وأهله، مهما جاروا عليه، لا يستحق الإحترام ولا الوئام.
عثرتُ على الروايتين، وكنتُ أبحث عن كُتُبك، في المكتبة الأهلية في عمّان، في منطقة العبدلي، والتي من المؤكد أنك تعرفها بعد أن اكتشفتُ من قراءتي لروايتيْك أنك خبـِرتَ الأردن وهِـمتَ في شوارع عمّان وشعاب إربـِد. ولم أكن أعرف من قبل شيئا عن مرحلتِكَ الأردنية فكانت مفاجأة وصُدفة سارّتيْن أن أجد في روايتيْك كل هذه الأماكن المألوفة لي في الوقت الذي كنتُ فيه جوّالا في ذات الشوارع والمراتع.
بدأت قراءة الروايتيْن في عمّان ثم واصلتُ قراءة الروايتين، الأولى ذات التمر والثانية ذات الكتب والحُب، في أوتاوا (كندا)، لأنهيهُما قبل قليل في تونس.
رواية "تمر الأصابع" هي أكثر بكثير من رائعه، لاسيّما لما اجتمع فيها من تجربة حميمة جمعـت بين العراق والأردن وإسبانيا بل لما فيها من إطلالة حميمة على العلاقة بين الأب وابنه وعلى مشاعِر الإبن تجاه أبيه. السطور عن الإبن طفلا راكبا الحمار خلف أبيه في ريف عراقي مسّـت شغاف قلبي لما فيها من دمع رقراق استحال كلمات رقيقة، هذا ناهيك عن وصف مشاعر الإبن الرجُل إثر الصفعة القوية التي تلقاها من أبيه في مدريد العتيقه وهو وصفٌ أقلُّ ما يقال فيه أنه بديع بقدر ما هو مؤلم. وهكذا تجري هذه الرواية من موقف لموقف ومن صورة لصورة معظمها بمثل هذا العمق والروعة والألم. ومن السماء السرديّه الحَدَثـيه لنجيب محفوظ وميغيل ديليبس في مُعْظم "تمر الأصابع" (من وجهة نظري) إلى البراري السرديّة لإبراهـيم نصر الله وأومبيرتو إيكو وأنطونيو غالا في "ذئبة الحب والكتب" هذه الرواية الحداثية عسيرة التأليف كمخاض طويل، والصعبة القراءه، فلا يقدِر على قراءتها إلا القارئ المتمرّس الذوّاق الذي لا يبحث عن الحَدَث بقدر ما يبحثُ عن الحَديث حتى ولو كان بمثابة مونولوج ثنائي بين رجل وامرأة يجري كما الخطين المتوازيين إذ ليس لهما ثمة نقطة تماس حتى اللانهاية، ولا ثمة لمسة واحدة بين صاحبيْه حتى النهاية.
طبعا بإمكاني أن أكتب الكثير عن هذين الكتابين، واختصارا أقول: يتعيّن على المثقف العربي قراءتهما.
تهانيّ صديقي العزيز محسن الرملي وسأحاول في تونس العثور على "حدائق الرئيس" و"الفتيت المبعثر" لمتابعة التواصل معك عبر ابداعاتك التي تنبأ بروائي كبير في مستقبل الأيام لن يقلّ أهمية في عالم الأدب عن الأسماء المعاصرة الخالدة آنفة الذِّكر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*سعيد العلمي: كاتب وإعلامي فلسطيني، يكتب بالعربية والاسبانية، من أعماله: المؤتمر، مريم، سنابل الحياة، سنابل الندى وسنابل الشرر.www.annawras.net

الاثنين، 2 مايو 2016

محسن الرملي: كل أعمال ثربانتس تحمل آثاراً عربية وإسلامية

محسن الرملي: كل أعمال ثربانتس تحمل آثاراً عربية وإسلامية
مدريد ـــ كونا ـــ يعد الكاتب المسرحي والروائي والشاعر الاسباني ميغيل دي ثربانتس سابيدرا مبدع "الفارس الدونكيشوتي" رمز للأدب الإسباني ومن شخصيات الأدب العالمي البارزة، وأباً للرواية الأوروبية الحديثة وأشهر كتاب إسبانيا الخالدين. وتحتفي اسبانيا هذا العام بمرور 400 عام على رحيل الكاتب في تكريم متأخر، ولكنه مستحق للشخصية التي وهب اسمها للمراكز الثقافية التي يقصدها دارسو اللغة الاسبانية حول العالم، والتي يكرم باسمها "جائزة ثربانتس للأدب" وهي أكبر جائزة أدبية في الدول المتحدثة بهذه اللغة.
ولا شك أن روايته (دون كيشوت) كما تُرجمت عن الفرنسية أو (دون كيخوته) كما تلفظ بالإسبانية هي أشهر أعمال ثربانتس التي تتجاوز حدود الزمان والمكان، وتكشف عن ثراء اللحظة التي عاشها والإشكاليات المرافقة في مرحلة والتي تمازجت فيها المرارة بالحب والمروءة بالبؤس، وجاءت ثمرة تلاقح فريد بين ثقافتين إسلامية ومسيحية عملتا معا على تشكيل شخصيته وصقل ملامح هويته. ويمكن للباحث فهم الانتاجات الأدبية لثربانتس، وفك طلاسم شخصه وشخصياته المبدعة، وعلل نشوءها وتطورها عبر البحث في تأثيرات الثقافة الإسلامية في نفس الكاتب الذي لطالما كان للمسلمين والعرب نصيب في أعماله المختلفة.
وفي هذا السياق قال الكاتب والمترجم العراقي الدكتور محسن الرملي في لقاء خاص مع وكالة الأنباء الكويتية (كونا) أن جميع أعمال ثربانتس التي كتبها بعد أسره في الجزائر تحمل آثاراً للثقافة العربية أو الإسلامية، ومن أبرزها روايته (دون كيخوته) لأن فيها جزءاً من تجربته مع العالم العربي، وآثاراً أدبية وتاريخية ودينية، إلى جوانب أخرى تتعلق بالفروسية.
وأوضح أن نظام الفروسية الذي اتبعه ثربانتس في الرواية عربي إسلامي، كيث كان "كيخوته" يدافع عن الفقراء والمساكين والأرامل، في حين أن نظام الفروسية الغربي كان يصاغ حول البلاط أو الكنيسة ويكرس الدفاع عن الأغنياء والنبلاء والملك والإمبراطور، مشدداً على أن بطل الرواية اتبع جميع شروط الفروسية العربية في جوهره وسلوكه ونظرياته.
وعلى صعيد استخدام اللغة العربية، قال الرملي بأن ثربانتس وظف كلمات عربية بحتة، مثل "إن شاء الله" مع الإشارة إلى أصلها، فضلاً عن توظيفه بشكل واع كلمات أخرى عربية اندمجت باللغة الاسبانية في سياق التطور الطبيعي للغة، موضحا أن الكاتب وضع في روايته 37 شخصية عربية أو موريسكية ووظف 220 كلمة عربية.
ولفت إلى أن أحد أهم تلك التأثيرات التي ما زالت نابضة حتى الآن والتي يرددها جميع متحدثي اللغة الاسبانية هو ما ذكره ثربانتس في الجزء الثاني من روايته الشهيرة عندما قال: أن جميع الكلمات الاسبانية التي تبدأ بـ"ال" في اللغة الاسبانية هي كلمات عربية، رغم أنها كما وضح الرملي نظرية غير دقيقة لغوياً.
وحول التأثيرات الأدبية أشار الرملي إلى تلك التي تتعلق بالحب الرومانسي العربي وتمجيد مفهوم العدالة في الإسلام، فهو لم يحمل على العرب رغم أسره سنوات طويلة، مؤكداً في سياق متصل أنه لم ينتقد قط العقيدة الإسلامية وفلسفتها، بل انتقد أشخاصا مسلمين ومسيحيين ومن مختلف الأديان والقوميات.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*نشرت في صحيفة (القبس) الكويتية بتاريخ 30/4/2016م.