الأربعاء، 13 يناير 2010

زاوية (جداريات) / .. عن الجوائز


لا الجوائر كثيرة ولا الحديث عنها بكثير

د.محسن الرملي

في أغلب المقابلات والمقالات التي قرأتها مؤخراً في منابرنا الثقافية لاحظتُ رأياً يتكرر، ومفاده: أن الجوائز العربية قد أصبحت الآن كثيرة وأن ما يكتب وما يقال عنها كثير. إلا أنني شخصياً أجد نفسي مخالفاً ولا أتفق مع هذا الرأي. بل أرى بأن العكس هو الصحيح. ففي بلد واحد فقط مثل إسبانيا نجد أن الجوائز الأدبية بالآلاف، عدا الكم الهائل المخصص للفنون الإبداعية الأخرى. ويصدر بها كتاب يشبه دليل أرقام الهواتف سنوياً يحتوي على المعلومات الخاصة بأكثر من ثلاثة آلاف جائزة أدبية، تتراوح مكافآتها بين رمزية تقديرية لا تمنح سوى الشكر واسمها وميدالية والتكفل بنشر النصوص والاحتفاء بها إلى أخرى تربوا على الستمائة ألف يورو. وتتنوع الجهات المنظمة بين مؤسسات رسمية وأخرى خاصة وجوائز تقيمها بلديات المدن والقرى والأحياء والجامعات والمعاهد والبنوك والشركات والمكتبات والجمعيات والنوادي والصحف والمجلات والإذاعات والمواقع الألكترونية ودور النشر صغيرها وكبيرها.. بل وحتى الكثير من المقاهي العادية. جوائز لكل أجناس الإبداع الأدبي وداخل هذه الأجناس تصنيفات أخرى تتعلق بالموضوع أو الشكل. جوائز تحمل أسماء مدن وقرى وأنهار ومؤسسات وشركات وآثار وأحداث وكُتاب وشعراء ومبدعين أموات أو أحياء ومنها ما يحمل اسم عمل أدبي بعينه كالكيخوته مثلاً... وهكذا، مما يصعب تعداده وحصره، فاستحداث الجوائز والإكثار منها ضروري وحيوي لأية ثقافة، وهي إيجابية بكل شيء، تنفع من يفوز بها بما ينال وتنفع من يشارك ولا يفوز ولو بكونها حافزاً لما أنتج ومن ثم سبباً للتنفيس عن نفسه بنقدها بل وشتمها حتى أو بدفعه للإطلاع على ما فاز بها كي يقارن نصه معها ويراقب الفروقات فيحلل أو يبرر. كما أنها تنفع منظميها ومحكميها بالمزيد من القراءة والاطلاع والدعاية وتنشيط منظومتهم مثلما ينشط دم الإنسان بعد التبرع بشيء منه. ودور النشر توسع من شهرتها وتجد بين يديها أعمالاً كثيرة تختار منها ما تريد، كما تنتفع مادياً بما تتفق عليه معها المؤسسات والبلديات وغيرها حول الطباعة والنشر، وبالتأكيد تنفع المتلقي بالفرز والحث على الاطلاع.. وهكذا. وكم من جائزة مدرسية بسيطة ورّطت طفلاً بعد فرحته بها كي يكرس حياته من بعدها للأدب فتكسب الثقافة مبدعاً آخر قد يكون مستقبلاً من رموزها وقممها. أتحدث عن وجود آلاف الجوائز في إسبانيا وحدها وبالطبع هناك بلدان أخرى تفوقها، أما لو حاولنا إحصاء الجوائز الخاصة بما هو مكتوبة بلغة معينة كالإنكليزية أو الفرنسية أو الألمانية أو الإسبانية التي يتحدث بها أكثر من عشرين بلداً فيبدو أمر حصرها أشبه بالمستحيل. فيما نحن أكثر من عشرين بلداً، وبلغة واحدة لازالت جوائزنا محدودة ويمكن عدها بيسر.
إذاً فلا الجوائز عندنا كثيرة ولا الحديث عنها بكثير، وعلينا أن نعمل على تفعيل هذا التقليد الثقافي قدر المستطاع وعلى كافة الأصعدة وفي كل الميادين، فالثقافة لا تقتصر على كاتب وناشر ومكتبة وإنما هي شأن الجميع. علينا أن نكثر من الحديث عنها والمطالبة بها أو استحداثها بأنفسنا، حتى وإن اقتصرت جائزة على مجرد اسمها مرفقة بكلمة شكر وتقدير، فالجائزة هي بالفعل مسألة شكر وتقدير.. ومن ذا الذي لايريد أن يتلقى ذلك على عمل يقوم به. فهذا واحد من أبرز كتاب أمريكا والعالم الأحياء (بول أوستر) يأتي إلى بلدة نائية في إسبانيا على الرغم من انشغالاته وفي غمرة أعياد الميلاد ليتسلم جائزة لا مادية ومجهولة، اخترعها مجموعة أصدقاء محبين للأدب، فهو لم يأت لطلب شهرة أو مال بالتأكيد.. وإنما جاء تقديراً لهذا التقدير.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*نشر في زاوية (جداريات) في الملحق الثقافي لصحيفة (الثورة) السورية بتاريخ 12/1/2010 العدد 674